يحتفل العالم، بعد غد الاثنين، بالذكرى السنوية العاشرة لليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، حيث يشكل التنوع الثقافي قوة محركة للتنمية لا على مستوى النمو الاقتصادي فحسب، بل أيضا كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالا، وهو ما تنص عليه اتفاقيات الثقافة السبع التي توفر ركيزة صلبة لتعزيز التنوع الثقافي. ففي عام 2001، اعتمدت منظمة اليونسكو للإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي، وفي ديسمبر عام 2002 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 مايو ليكون اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، وفي عام 2011 دشنت اليونسكو وتحالف الأممالمتحدة للحضارات الحملة الشعبية (افعل شيئا واحدا لأجل التنوع والشمول).
وتهدف حملة هذا العام إلى تشجيع الأفراد والمنظمات من كل أنحاء العالم على القيام بأعمال حاسمة لدعم التنوع عن طريق رفع الوعي على مستوى العالم بشأن أهمية الحوار بين الثقافات وأهمية التنوع الشامل، كذلك بناء مجتمع عالمي من أفراد ملتزمين بدعم التنوع في كل مجال من مجالات الحياة اليومية الفعلية، كذلك الحد من الاستقطاب ومكافحة القوالب النمطية بغرض تحسين التفاهم والتعاون بين الأفراد المنتمين إلى ثقافات مختلفة.
وفي الوقت نفسه يسهم القبول بالتنوع الثقافي والإقرار به عبر الاستعمال الإبداعي للإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل خاص، في خلق الحوار بين الحضارات والثقافات وفي بلوغ الاحترام والتفاهم المتبادل .
وقالت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو في رسالة لها بمناسبة اليوم العالمي للتنوع الثقافي، إن الثقافة تمثل ما نمثله نحن البشر، فهي تحمل هوياتنا وأحلامنا بالمستقبل.
ويمثل هذا التنوع مصدرا لتجدد الأفكار والمجتمعات، وينطوي على إمكانيات هائلة لتيسير النمو والحوار والمشاركة الاجتماعية.. وإذا ما قمنا بحماية الثقافة وتعزيزها، فكأننا نبث الحياة في هذا التنوع، وتتيح التكنولوجيات الجديدة وتسارع وتيرة العولمة تقارب الثقافات أكثر من أي وقت مضى.. ويظهر التنوع الثقافي كل يوم على شاشات وسائل الإعلام الجديدة وفي مجتمعاتنا المتمازجة.
وأفادت إيرينا بأن سبب وجود منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة يتمثل في توفير الوسائل اللازمة لتحرير طاقات التنوع الثقافي، وتبين اتفاقات اليونسكو الثقافية أن الثقافة تمتلك القدرة على نسج الروابط بين الماضي والمستقبل من خلال حماية التراث العالمي والتراث غير المادي، وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، وتساعد الثقافة على فض النزاعات من خلال تسليط الضوء على ما يجمعنا نحن البشر، كما أنها تحفز الإبداع الذي يمثل محركا للابتكار والتنمية.
ويمثل إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي اعتمد في عام 2001 قاعدة ترتكز عليها الحوكمة العالمية الاستيعابية القادرة على ضمان احترام حقوق الإنسان العالمية في كل بقعة من بقاع كوكب الأرض.
ويقصد بعبارة (التنوع الثقافي) تعدد الأشكال التي تعبر بها الجماعات والمجتمعات عن ثقافتها، وأشكال التعبير هذه يتم تناقلها داخل الجماعات والمجتمعات وفيما بينها.. ولا يتجلى التنوع الثقافي فقط من خلال تنوع أساليب التعبير عن التراث الثقافي للبشرية، وإثرائه ونقله بواسطة أشكال التعبير الثقافي المتنوعة، بل يتجلى أيضا من خلال تنوع أنماط إبداع أشكال التعبير الفني وإنتاجها ونشرها وتوزيعها والتمتع بها، أيا كانت الوسائل والتكنولوجيات المستخدمة في ذلك.
وقد اتخذت اليونسكو مجموعة من الخطوات من أجل التأكيد على احترام التنوع الثقافي، وصون الخصوصية الثقافية، وذلك عن طريق مساعدة الدول الأعضاء (خاصة البلاد الأقل نموا.. والبلاد التي تعيش أوضاع ما بعد النزاع) على حماية تراثها الثقافي، وإحيائه خاصة التراث الثقافي غير المادي، وعلى تعزيز قدراتها من آجل إعداد وتنفيذ أنشطة فعالة ترمي إلى صون تراثها الثقافي غير المادي.
وستركز الأنشطة في مجال بناء القدرات على تعزيز وتجديد أنظمة نقل التراث الثقافي غير المادي وبوجه أخص إلى الشباب، ودعم ممارسات النساء الحاملات للتراث الثقافي غير المادي، وإبراز دور التراث الثقافي غير المادي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأكدت مجموعة من خبراء الأممالمتحدة أن التنوع الثقافي لا يمكن أن يزدهر إلا في بيئة تضمن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وأن الدفاع عن التنوع الثقافي يسير جنبا إلى جنب مع احترام كرامة الفرد.
وقال الخبراء، إن هذا التنوع يتطلب تعزيز الحريات الأساسية، مثل حرية التعبير والمعلومات والاتصالات وعدم التعرض للتمييز من أي نوع وكذلك قدرة الأفراد على اختيار أشكال التعبير الثقافي وحقهم في المشاركة، أو عدم المشاركة في الحياة الثقافية للمجتمعات معينة مضمونة.
كما أكدوا أن وجود بيئة مواتية للتنوع الثقافي سيسهم بطريقة كبيرة في الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، بينما لا يجوز لأحد أن يستند للتنوع الثقافي كمبرر لانتهاك حقوق الإنسان أو أن يحد من نطاقها.
وشدد الخبراء على أن التنوع الثقافي لا ينبغي أن يستخدم لدعم الفصل العنصري والممارسات التقليدية الضارة التي تسعى باسم الثقافة إلى تقديس الاختلافات التي تتعارض مع العالمية وتجزئة الترابط مع حقوق الإنسان، وبمسئولية الدول بموجب القانون الدولي لخلق بيئة مواتية للتنوع الثقافي والتمتع بالحقوق الثقافية، التي تتيح لجميع الأشخاص الحق في التعبير عن أنفسهم وتلقي التعليم الجيد والاحترام الكامل للهوية الثقافية، والمشاركة في الحياة الثقافية وممارسة تقاليدهم الثقافية الخاصة التي تخضع لاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية