تتجه الشخصيات العامة فى العادة لكتابة مذكراتها، لتكون شاهدة على عصر عاشته وعايشته، لكن لا نعدم من يقوم منهم بالكتابة عن فترة تاريخية محددة، هى فى الأصل من أعمال المتخصصين. وكثير من الشخصيات القانونية الناجحة، دخلت مغامرة كتابة التاريخ، أشهرهم المحامى والسياسى عبدالرحمن الرافعى، الذى ألف فى تاريخ مصر المعاصر منذ تولى محمد على الحكم فى 1805، وحتى قيام ثورة يوليو 1952.
وعادة ما يصف المؤرخون المحترفون هذه المحاولة بأنها أقرب إلى «المرافعات» منها إلى التأريخ، على الرغم من تقديرهم للجهد الكبير المبذول فى كتابتها. واليوم، تقدم دار الشروق كتاب «أيام الأمازيغ.. أضواء على التاريخ السياسى الإسلامى»، للمستشارة الدكتورة نهى الزينى، تحكى فيه قصة الفتح الإسلامى لبلاد المغرب العربى ودور الأمازيغ «من يطلق عليه البربر» فى تأسيس الدولة الجديدة.
من المعروف أن دار الشروق بادرت منذ سنوات لتأسيس مركز للدراسات التاريخية رأسه الراحل دكتور يونان لبيب رزق، أحد أعمدة التاريخ الحديث فى مصر، وتديره اليوم المؤرخة البارزة دكتورة لطيفة سالم.
وأصدرت دار الشروق عبر مركزها العلمى، «سلسلة التاريخ.. الجانب الآخر إعادة قراءة للتاريخ المصرى»، إضافة إلى أعمال تاريخية عالية القيمة، أبرزها تاريخ القضاء المصرى للدكتورة لطيفة سالم، وملاك الأراضى للدكتور عاصم الدسوقى.
والقاضية نهى الزينى، معروفة بموقفها المشرف، من تزوير العملية الانتخابية بمحافظة البحيرة فى العام 2005، الأمر الذى أدى لتولى مصطفى الفقى (مرشح الحزب الوطنى المنحل) لمقعد البرلمان، بديلا عن جمال حشمت (مرشح الإخوان المسلمين المحظورة آنذاك).
وفى كتابها سلطت الدكتورة الزينى الضوء على الدور الذى قامت به قبائل الأمازيغ المغربية فى التمكين للدولة الإسلامية فى أفريقيا والأندلس.
كما تناولت حركة الإحياء الإسلامى «المتصوفة» فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر للميلاد)، التى نشرت الإسلام فى أغلب مناطق غرب أفريقيا.
وكلمة الأمازيغ تعنى الرجل الحر النبيل، وأصلها بحسب المؤلفة كلمة «مازيس» الفينيقية، وأطلقت على الشعوب القوية التى تمردت على الإمبراطورية الرومانية.
وبصدق روت الزينى كيف رد الأمازيغ الفتح العربى الإسلامى أول الأمر، رافضين حكم الخلافة ودعوة الدين، كما فعل الكثيرون مثلهم.
لكنهم ومنذ تولى موسى بن نصير حكم أفريقيا (المغرب العربى) فى العام 86 للهجرة (705 للميلاد) على عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك، حتى بدأت ثورات الأمازيغ ضد دولة الخلافة تهدأ.
وأبرز الإجراءات التى اتخذها ابن نصير هى تولية طارق بن زياد الأمازيغى، إمارة طنجة وجيوش الخلافة فى المغرب الأقصى الذى تحول لجيش «أمازيغى» فتح الأندلس وليؤسس واحدة من أبرز مراكز الحضارة الإسلامية فى تاريخها.
بل ظل المازيغ فاعلين فى التاريخ السياسى الإسلامى، حيث انقذوا الأندلس التى تفككت إلى دول الطوائف فى القرن الرابع للهجرة، وصارت تحت تهديد الملوك الإسبان، وذلك على يد مؤسس دولة المرابطين المغاربة يوسف بن تاشفين.
وامتد حكم المرابطين من الأندلس شمالا حتى خليج غينيا جنوبا، الذى نشر الإسلام فى جميع مناطق غرب أفريقيا تقريبا.
وهذا الدور التاريخى العظيم الذى لعبه الأمازيغ، يبرز عظمة الحضارة الإسلامية، حتى سمحت لشخصيات مسلمة غير عربية بقيادة الأمة فى لحظات حالكة.
فمثل ما قام به ابن تاشفين منقذ الأندلس، لتعيش حضارة المسلمين فيه أربعة قرون أخرى حتى السقوط النهائى فى العام 1492، جاء صلاح الدين الأيوبى الكردى، ليحرر بيت المقدس(القدس) من يد الفرنجة.
واليوم، يعانى الأكراد فى عدة دول بالمشرق الإسلامى من التمييز، الذى يعانى منه نظراؤهم الأمازيغ فى المغرب العربى. ولعل هذا الكتاب، يعيد الاعتبار لعدد من الأقليات غير العربية المضطهدة، ودورهم فى التاريخ السياسى والثقافى فى الحضارة الإسلامية.