وسط الزحام وطوابير السيارات، ظهر فجأة، بملابس بسيطة ومظهر أوحى للجميع أنه أحد عمال محطة شارع اللاسلكى بحى المعادى، رفع الأقماع الموضوعة فى الأرض لتمنع التزاحم على ماكينات الوقود الخاصة بالمحطة، وبدأ عمله. «ادخل فى الصف لو سمحت، التانك بتاعك يمين تعالى على الناحية الثانية، اطلع عجلتين قدام من فضلك»، بصوت عال وطريقة مهذبة راح ينظم السيارات داخل المحطة، وبلهجة قاطعة يرفض عروض كل الأيادى الممدودة من نوافذ السيارات بالنقود.
«هو فى بنزين ولا بعد كل العطلة دى هيقولوا خلص زى كل يوم، يارب ارحمنا مش عارفين نوصل شغلنا ولو وصلنا نلاقى اليوم اتخصم»، يصيح أحد المنتظرين، ويرد عليه عم مصطفى بهدوء وابتسامة «هتفرج إن شاء الله».
تفاؤل عم مصطفى ورغبته فى حل الأزمة دون أى مقابل دفعا أصحاب السيارات للدردشة معه، لتضييع الوقت من ناحية، ولاكتشاف ما يدور بعقل الرجل من ناحية أخرى.
«أنت مين وبتعمل إيه؟» يسأله المشرف على المحطة، ويرد عليه ببساطة وهو منهمك فى التنظيم، «أنا بحاول اساعدكم، الشوارع مقفولة بسبب العربيات اللى واقفة عند المحطة، فقلت اتصرف».
ويكتشف أصحاب السيارات أن مصطفى البالغ من العمر ما يقرب من 45 عاما، عاطل، ينزل يوميا للبحث عن وظيفة ولا يجد لكنه يتوه فى زحام المشكلات، «إزاى حكومة المجلس العسكرى والجنزورى مش قادرين يوفروا ابسط متطلبات المواطن اللى المفروض انها حاجاته اليومية، فين الأنبوبة والسولار والبنزين؟»، يقولها صاحب سيارة، ويبتسم مصطفى الذى لا يستطيع أن يوفر احتياجاته اليومية له ولأسرته.
نهار طويل قضاه مصطفى عالقا برغبته بين زحام السيارات المنتظرة البنزين والسولار، وعاد إلى أسرته دون وظيفة، ودون قوت يومها أيضا، لأنه أدرك أن «البلد دى ما بقاش ينفع نعيش فيها».