معظم هذه الأبيات كُتبت سنة 1946 للشاعر نظير جيد روفائيل، الذى أصبح فيما بعد قداسة البابا شنودة الثالث الذى وافته المنية (تنيح) مساء أمس الأول (3 أغسطس 1923 17 مارس 2012)، وهى الأبيات التى قال عنها، بتعبيره، إنها «لم تكتمل بعد، وكان كاتبها يريد أن تبقى حتى تكتمل ولكن لا بأس من أن تكملها أنت يا أخى القارئ إن أحببت نعمة الرب».
كثيرون من المدافعين عن مواقف قداسة البابا التى تبدو قاسية، وبعيدة عن مواقف السيد المسيح، لم يجدوا حجة أقوى من أنه شاعر حساس، خاصة عندما يلقى الشعر بصوته الجميل، وأنه صاحب قفشات ضاحكة، تناولها من قبل الزميل أسامة الرحيمى بالأهرام.
قبل رهبنة البابا، باسم (انطونيوس السريانى) فى يوليو 1954، كان يكتب شعرا، لم يرض عنه البابا شنودة نفسه، فكان دائما يقول «أكتب ما كنت أسميه شعرا» حول بعض مواد الدراسة، أو فى احتفالات مختلفة، ثم بدأ بعد رهبنته فى كتابة قصائد روحية وأشعار دينية، إلى أن قرأ كتاب «أهدى سبيل إلى عِلميّ الخليل» للأستاذ محمود مصطفى، فبدأ يتعلم البحور والقوافى ونظم الشعر المختلفة، واعترف بأنه شاعر.
وفى أحاديث كثيرة سابقة له، قال بابتهاج إنه فى السنة الثانوية الرابعة حفظ 10 آلاف بيت من الشعر العربى، وأول قصيدة كتبها كانت عام 1939 عن طفولته بعنوان «أحقا كان ليّ أم فماتت»، وذكر أنه عندما كانت تأتيه خاطرة خلال نومه يقوم ويكتبها ولما رأى أن إضاءة النور ربما تقلق غيره أخذ يكتب على الحائط بالقلم الرصاص.
جعلتك يا مصر فى مهجتى
وأهواك يا مصر عمق الهوى
إذا غبت عنك ولو فترة
أذوب حنينا أقاسى النوى
إذا عطشت إلى الحب يوما
بحبك يا مصر قلبى ارتوى
نوى الكل رفعك فوق الرءوس
وحقا لكل امرئ ما نوى
لم يكن شعره، الذى تحول كثير منه إلى ترانيم، عظيما، لكن له أساسا متينا، نابعا من شخصية أوجدت حالة ما عند المسلمين والأقباط، حتى أطلق عليه أنه بابا العرب. واجتمع حوله معظم الفرقاء السياسيين، ولأن شيئا ما لا يكتمل دوما، اعترض كثيرون على تدخله.
البابا شنودة أصدر كتبا كثيرة، عكس سابقه البابا كيرلس السادس الذى كان يهتم بالصلاة على حساب أى شىء آخر. وتعدت كتبه مائة كتاب، معظمها بسيط وغير عميق مقارنة ببعض ما كتبه آباء معاصرون، مثل الأب العالم الراحل متى المسكين، ولعل البابا أراد من ذلك أن تصل هذه الكتب لرجل الشارع، خاصة كتبه التى صدرت بعنوان له مدلوله الواضح: «أسئلة الناس»، حيث كان الغرض منها تعليم المسيحيين والإجابة عن أسئلتهم، باعتباره أسقفا للتعليم، ولعل مقولته الشهيرة حول التعليم، كانت الهدف الخفى من إصداره معظم كتبه، حيث كان يقول: «صدقونى أكثر ما يتعب كنيستنا حاليا هو عدم تواضع التعليم، كل خادم (يقصد مسئول فى الكنيسة) يأتى بفكر جديد فى تأملاته أو من قراءاته يحاول أن يجعله عقيدة ويدرِّسه للناس، وهناك نوع من الكتَّاب يروق لهم إلغاء المفهوم السائد، ليقدموا بدلا منه مفهوما جديدا وكأن الواحد منهم قد اكتشف ما لا تعرفه الكنيسة كلها».
ويخرج من فئة الكتب السابقة كتابه «انطلاق الروح»، وجمع مجموعة مقالات كتبها البابا فى مجلة مدارس الأحد، سنة 1951 عندما كان رئيس تحرير تلك المجلة قبل رهبنته. وهو أول كتاب مطبوع له، وأعيد نشره عدة مرات.
آخر وصايا البابا قبل الرحيل: ألزموا أنفسكم بفعل الخير