أمام مقر اللجنة العليا للانتخابات بمصر الجديدة، تساءل رجل يبدو بسيط المظهر، ليجيبه عدد ممن حوله: لا، فيرد بجدية: خلاص أدخل بقى وأنا مطمئن.
المواطن العاطل عن العمل البالغ من العمر، 44 عاما، أتى من الشرابية مستقلا «أتوبيس» نقل عام، عبر بوابة المقر، فسأله رجال الأمن عن مقصده، فأجاب: «أنا مرشح رئاسى» وأبرز لهم بطاقة رقمه القومى الممزقة جزئيا، فسمحوا له بالدخول، دون أن تبدو عليهم علامات الدهشة أو الاستغراب.
خرج المواطن العاطل من المقر وبيده دوسيه عليه ألوان علم مصر وشعار اللجنة العليا، لتتهافت عليه كاميرات الفضائيات للتصوير معه وسؤاله عن برنامجه الانتخابى.
والحقيقة أن معظم الثلاثمائة مواطن الذين سحبوا دوسيه اللجنة العليا فى أول يومين رددوا إجابة واحدة على سؤال المراسل.. إجابة تؤكد أنهم من زعماء ثورة 25 يناير، وسيحلون مشاكل مصر كلها فى شهر، وأن الشباب يؤيدونهم، وأنه لا يوجد مرشح آخر يشعر بمشاكل الشارع أكثر منهم.
السيد عبدالرحمن، 46 سنة، عاطل، حضر إلى اللجنة بدعوى أنه متفرغ للعمل السياسى، والحقيقة أنها ليست الملاحظة الوحيدة عليه، فقد كان أيضا يرتدى «شبشب» رديئا وممزقا، وحصل أيضا على الدوسيه الخاص باللجنة، وكان صاحب النصيب الأكبر من تهافت الفضائيات، نظرا لمظهره البسيط.
«شبشب السيد عبدالرحمن» تسبب فى شجار أمام مقر اللجنة، عندما أخذ مرشح آخر فى انتقاد ارتدائه «الشبشب» وأخذ يصرخ «ارحمونا من هذه الأشكال، الإعلام هو من يسىء للمعركة الانتخابية بإبراز هؤلاء». وبسؤال هذا المرشح، المغمور أيضا ولكنه يرتدى بذلة ونظارة شمسية، عن استعداده للانتخابات، أكد أنه واثق من جمع 30 ألف تأييد شعبى وأنه سيفوز بالرئاسة.
«اللحية» كانت حاضرة بقوة أمام اللجنة، ففى اليوم الأول تسابق أكثر من 10 مرشحين ملتحين على الوعد بتطبيق الشريعة الإسلامية، مؤكدين جميعا أنهم ترشحوا بعد صلاة الاستخارة، وقال بعضهم إنه رأى رسول الله فى منامه يحثه على الترشح.
وفى اليوم الثانى حضر معتقل سياسى سابق اسمه خالد عيد، 45 سنة، واثنان ملتحيان آخران يرتديان الجلباب، هما محمد المصرى، فنى كهرباء، 52 سنة، ونشأت أنور، أعمال حرة، 48 سنة.
وعمد بعض المرشحين إلى رفع المصاحف إلى جانب دوسيه اللجنة فى إشارة إلى التزامهم بتطبيق الشريعة والحدود، على حد قول بعضهم.
أما على سيف، 49 سنة، فأخذ يهتف بعد خروجه من مقر اللجنة «أنا الحلم.. أنا حلم كل مصرى» رافعا ورقة بيضاء على صدره كتب عليها «أنا ترمومتر الديمقراطية»، وعلى مقربة منه وقف وجيه كامل، 42 سنة، يبحث عن مراسلى الفضائيات ليصوروا معه، وأبدى حزنه الشديد عندما ناداه أحد رجال الأمن قائلا «يا معلم» فنهره صارخا: إزاى تقولى كده، أنا ريّس من يومى، حتى جيرانى فى الصف (محافظة الجيزة) ينادونى ب«الريّس»!
ومن المرشحين أيضا مهندس رى ومزارع اسمه أبوالسعود شنور، جاء من ميت حلفا بالقليوبية مستقلا دراجة بخارية، ركنها على الرصيف، وطبع على واجهتها علم مصر.
وسعيا لخطف كاميرات الإعلام قام عدد من المرشحين المغمورين بالاصطفاف ومشابكة أيديهم والهتاف «كوسة كوسة» متهمين اللجنة العليا للانتخابات بمجاملة المرشحين المعروفين.
«الشروق» سألت واحدا ممن كانوا يصرخون أمام الكاميرات ضد المادة 28، عما إذا كان شارك فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011، فأجاب بأنه شارك: «أعترف وبفخر إنى قلت نعم»، متجاهلا أن المادة التى ينتقدها كانت ضمن المواد التى استفتى عليها.
وكان أصحاب الحرف ممثلين أيضا أمام اللجنة بعدد لا يستهان به من راغبى الترشيح، مثل أسامة بخاطره إبراهيم، مكوجى، أحمد المناصرى، ميكانيكى، محمود ربيع، عامل خراطة بشركة حكومية، وأحمد السيد محمود، عامل بناء.
أما المهنيون والموظفون فكان أغلبهم من المحامين والمشتغلين بالقانون، وأطباء ومحاسبين وموظفين بشركات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى أعداد لا يستهان بها من أصحاب الأعمال الحرة والمهن الهلامية، فمنهم من وصف نفسه ب«مستشار ثقافى، ومستشار إعلامى، ورئيس مجلس إدارة جريدة، وصاحب مؤسسة تعليمية».
ومن حى السيدة زينب جاءت المرشحة المرأة الثانية للرئاسة بعد الإعلامية بثينة كامل واسمها على اسم الحى التى جاءت منه «زينب» بصحبة ابنتها، وأكدت أيضا قدرتها على جمع الثلاثين ألف تأييد شعبى.
كما حضر فى الساعات الأخيرة من اليوم الثانى معاقان سحبا دوسيه اللجنة العليا، واقتصر حديثهما على حقوق المعاقين والفئات المهمشة.
ولكن.. ماذا عن دوسيه اللجنة العليا الذى التقطته عدسات المصورين فى أيدى راغبى الترشح، ووصفته أقلام الصحفيين ب«أوراق الترشح»؟
حقيقة الأمر كما يؤكد أحد أعضاء الأمانة العامة للجنة العليا، أن الأمانة لم تكن تجد فى بداية الأمر شيئا تعطيه للحاضرين أمامها، فالمفترض أن يكون الحضور للجنة العليا هو آخر خطوة وليس أول خطوة للترشح، بعد استيفاء الأوراق ونماذج التأييد اللازمة، لكن الأمانة برئاسة المستشار حاتم بجاتو رأت منحهم هذا الدوسيه لتعريفهم بالخطوات الواجب اتباعها للترشح.
يضم الدوسيه نسخة من قانون الانتخابات الرئاسية، الذى نشرته معظم الصحف منذ شهر، وجميع قرارات اللجنة العليا، المنشورة فى الجريدة الرسمية وموقعها الإلكترونى، والجدول الزمنى للانتخابات، الذى سبق توزيعه على الصحفيين فى مؤتمر صحفى، واسطوانة مدمجة عليها صور نماذج التأييد الشعبى والحزبى والنيابى واستمارة الترشيح، التى انفردت «الشروق» بنشرها الجمعة الماضية.