الأمر أصبح مملا ومحيرا.. منذ أن رشحت مصر وزير ثقافتها فاروق حسنى إلى منصب مدير عام منظمة اليونيسكو، وأعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها لن تصوت بالموافقة على هذا الترشيح معللة الأمر بأن فاروق حسنى ضد التطبيع. بسبب تصريحه الخاص بحرق الكتب العبرية، وبدا واضحا أن موقف إسرائيل من الترشيح سيكون له تأثير عالمى قوى. منذ هذا الوقت لا تمر أيام حتى تحدث مواقف من قبل وزارة الثقافة تثير حفيظة الرأى العام ويتم تفسيرها على إنها استرضاء للدولة العبرية كى توافق على الترشيح، مثل ترميم المعابد اليهودية بالقاهرة. والتى أثارت غضب الرأى العام لفترة طويلة، إلى أن أكد الدكتور زاهى حواس أمين المجلس الأعلى للآثار فى حوار مع الشروق أن عمليات الترميم هذه تتم منذ فترة طويلة مثلها مثل باقى الآثار الإسلامية والقبطية، ثم جاء الحفل الذى أقامته دار الأوبرا المصرية وأحياه الموسيقار اليهودى «بارينبويم» مثيرا لضجة أخرى مشابهة. وازداد الأمر تعقيدا عندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية منذ فترة أنها سوف تتراجع عن موقفها ضد فاروق حسنى إذا قدمت مصر مقابلا معقولا، بعدها بأيام نشر وزير الثقافة المقالة التى أثارت جدلا واسعا فى صحيفة لوموند الفرنسية يوضح فيها حقيقة موقفه ويقدم أسفه عن العبارة التى قالها بخصوص حرق الكتب العبرية. آخر هذه المواقف جاء فى بيان وزعته إحدى وكالات الأنباء على الصحف ونشر منذ أيام قليلة يقول «إن وزارة الثقافة ممثلة فى المركز القومى للترجمة برئاسة الدكتور جابر عصفور قرر التعاقد مع إحدى دور النشر الأوروبية لترجمة مؤلفات لكاتبين إسرائيليين هما عاموس عوز وديفيد جروسمان دون المرور على الناشرين الإسرائيليين لكى لا تثار عاصفة من الاحتجاجات فى مصر والعالم العربى». ولكن جاء رد فعل الرأى العام مخالفا لتوقعات عصفور وانهالت عليه اتهامات تفسر الأمر على أنه أحد بنود الصفقة التى عقدتها وزارة الثقافة مع الحكومة الإسرائيلية كى تدعم موقف فاروق حسنى فى مسألة ترشيحه لليونسكو. بعدها أصدر المركز القومى للترجمة بيانا آخر يرد فيه عصفور على الاتهامات ويقول «إن المسألة لا علاقة لها بفاروق حسنى ولا باليونسكو، حيث إن المشروع القومى للترجمة كان قد ترجم كتبا عبرية من قبل ولكن الأمر توقف بعد معاهدة دولية حول حقوق النشر»، فبات الموضوع يحتاج إلى تفسير واضح بعيدا عن البيانات الصحفية. الدكتور جابر عصفور، رئيس المركز القومى للترجمة يوضح بعض تفاصيل القصة فى هذا الحوار. الشروق: ما حقيقة ترجمة المركز كتبا عبرية، وما الفارق من وجهة نظركم بين ترجمة كتب إسرائيلية عن العبرية مباشرة وترجمتها عن لغات وسيطة؟ عصفور: منذ حوالى عشر سنوات وعندما كان المشروع القومى للترجمة تابعا للمجلس الأعلى للثقافة وقبل أن نصل لترجمة الكتاب رقم 300 كنا نقبل نشر بعض الكتب الإسرائيلية التى كان يترجمها بعض المستشرقين الأجانب فى مركز الدراسات العبرية عن اللغة العبرية مباشرة، حيث كان أحد أهداف المشروع أن تتم ترجمة الكتب عن لغتها الأصلية أيا كانت وليس عن لغة وسيطة. وبالفعل وافقت على نشر بعض الكتب الإسرائيلية لكتاب لهم موقف معاد للفكر الصهيونى الذى تمارسه إسرائيل، لأنه من حق المواطن المصرى والعربى أن يعرف أن هناك كتابا إسرائيليين لا يتفقون مع أفكار إسرائيل، بل يكتبون أشياء محترمة ومنصفة للقضية العربية والفلسطينية، ولذلك لم أعتبر هذا تطبيعا ثقافيا مع إسرائيل طالما لا نتعامل مع الناشرين الإسرائيليين. وبالفعل تم نشر خمسة كتب هى: «العلاقة بين المتدينين والعلمانيين فى إسرائيل، تاريخ يهود مصر فى الفترة العثمانية، تاريخ نقد العقل القديم من أقدم العصور حتى الآن، شخصية العربى فى المسرح الإسرائيلى، والعربى فى الأدب الإسرائيلى» وكلها نشرت خلال عام 2000 أى قبل أن تطرح مسألة ترشيح فاروق حسنى لليونسكو بسنوات. مما ينفى فكرة أن يكون هذا القرار تنازلا تقدمه وزارة الثقافة لنيل المنصب، وبعد فترة من نشر الكتب الخمسة وقعت مصر على اتفاقية دولية خاصة بحقوق النشر، وكان من شروطها استئذان الناشر قبل ترجمة الكتب، وبما أنه من المستحيل أن نتعامل مع ناشرين إسرائيليين أوقفت نشر الكتب الإسرائيلية لأننى اعتبرت أن التعامل مع ناشر إسرائيلى يعد تطبيعا ثقافيا. الشروق: وما الذى جدد فكرة ترجمة الكتب العبرية؟ عصفور: مرت الأيام وعرفت بالمصادفة إنه توجد مجموعة من المؤرخين الجدد فى الوسط الأدبى الإسرائيلى كتابتهم تتميز بنقد جرائم العصابات الصهيونية، وتتسم بالنزاهة، وعرفت أن هذه الكتب لحسن الحظ مترجمة إلى الإنجليزية، فرأيت أنه طالما هناك فرصة للتعرف على الآخر دون التعامل مع الناشرين الإسرائيليين فلما لا نستكمل المشروع الذى كنا بدأناه منذ عشر سنوات، واخترنا مجموعة من الأسماء التى تنتمى لليسار الإسرائيلى لترجمة كتبهم عن الإنجليزية، ولم يتخط الأمر هذا السياق، ومع ذلك لم يتم حتى الآن اتخاذ أى خطوات فعلية للتنفيذ، وأصارحك أننى عندما وجدت الأمر سوف يفسر بهذه الطريقة أفكر الآن بجدية فى التراجع عن الفكرة. الشروق: ألا ترى أن تزامن توقيت القرار مع المقالة التى نشرها وزير الثقافة، وتداعياتها سوف يساعد على تفسير الأمر بهذه الطريقة؟ عصفور: من يحاولون الربط بين الأمرين هم أشخاص مغرضون ويحاولون الترويج لفكرة تنازل وزارة الثقافة «عمال على بطال» ولكننى أؤكد لك إنه لم ولن يوجد أى نوع من التطبيع الثقافى من قبل المركز القومى للترجمة مع إسرائيل ولا علاقة لترشيح فاروق حسنى بالموضوع، والزج باسمه فى البيان الذى وزعته الوكالة الفرنسية جاء بطريقة تتضح فيها سوء النوايا. الشروق: وما رأيك فى التصريحات التى جاءت بالبيان حول أن الملحقة الثقافية الإسرائيلية بالقاهرة أبدت استياءها من الكتاب المصريين الذين يرفضون أن تترجم أعمالهم للعبرية مثل الدكتور علاء الأسوانى؟ عصفور: من حق أى كاتب مصرى أوعربى محترم أن يرفض ترجمة أعماله للعبرية أو عن طريق ناشر إسرائيلى فى ظل عمليات الإجرام التى يمارسها الكيان الصهيونى مع الفلسطينيين، وبدلا من أن تبدى الملحقة الثقافية الإسرائيلية استياءها منهم عليها أن تلقى باللوم على حكومتها لما تفعله وما نتج عنه مقاطعة المثقفين العرب للثقافة الإسرائيلية، وعن نفسى أحيى وأشجع وأدعم أى كاتب عربى يرفض أن تترجم أعماله فى إسرائيل. الشروق: قلت فى بداية الحديث أن أحد شروط المركز القومى للترجمة ترجمة الكتب عن لغتها الأصلية فكيف ستترجم كتبا إسرائيلية عن لغة وسيطة؟ عصفور: كان فى ذهنى أن تستثنى هذه الكتب من القاعدة، كى نستطيع التعرف على فكر الكتاب اليهود المعارضين للفكر الصهيونى دون أن نتعامل مع ناشرين إسرائيليين ونقع فى فخ التطبيع، وأود أن أشير إلى أن هناك أكثر من كتاب مترجم عن العبرية مباشرة فى دول عربية عديدة ولم يتم اتهامها بالتطبيع.