التدخل الجراحى إحدى وسائل العلاج التى شهدت تطورا مذهلا فى الأساليب المختلفة الحديثة فى كل التخصصات. جراحات القلب النابض التى يتم فيها استبدال الشرايين التالفة بأخرى حديثة دون اللجوء للطريقة التقليدية للقلب المفتوح بل يظل القلب ينبض حتى ينتهى الجراح من عمله. جراحات زراعة الكلى والكبد بل القلب والرئتين أيضا. جراحات استبدال المفاصل وعلاج السرطانات. جراحات التجميل ومنها زراعة وجه كامل بما فيه العيون والأنف والفم والشرايين والأوردة والأعصاب. كلها منذ عشرين عاما على أكثر تقدير كانت فى مخيلة الإنسان أحلاما، فهل حقا انتهى أمرها بتحقيقها ونحن الآن فى انتظار ثورة على تلك الجراحات التى تعتمد فى المقام الأول على الإنسان الجراح وأن الإنسان الآلى أو الروبوت الجراح سيحل محله؟! الواقع أنه من المتوقع أن تشهد البشرية خلال العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين مرحلة انتقالية من الجراحة التى تدعمها تقنيات حديثة ويقوم بها جراح إنسان إلى الجراحة الكاملة التى يؤديها الروبوت بأكملها. جراح آلى لا ترتجف له يد ولا يخفق له قلب إذا فاجأه حدث وعقل قادر على حساب آلاف الخطوات الجراحية فى كسر من الثانية.
تتوارد الأخبار عن نجاحات متتالية لاستخدامات الروبوت الجراح منها فى مجال عمليات القلب والشرايين وأكثرها نجاحا فى استئصال البروستاتا أما آخرها ففى علاج السمنة المفرطة.
يرى مخترعوها أنها توفر الوقت خاصة الذى يحتاجه المريض عند التخدير أيضا توفر الجهد وعدد المساعدين فى العملية وأيام البقاء فى المستشفى إلى جانب أن يد الروبوت الرشيقة تصل إلى أماكن قد لا تطالها أصابع الجراح، الأمر الذى معه تتحقق سلامة أكبر ومضاعفات أقل، أكثرها شأنا النزيف.
هل بالفعل سيطمئن الإنسان لتنقية الروبوت الجراح فيسلمه نفسه ليجرى له عملية جراحية مستخدما المشرط ليفتح ويستأصل ويخيط الجرح ويلئم العظام؟
سؤال ستجيب عنه أيام قادمة وإن كانت النتائج تنبئ بنجاحات يحققها الروبوت الجراح تحت إشراف الجراح الإنسان بالطبع.
الحديث عن الروبوت الجراح هذا الأسبوع يعلن عن بداية العمل بتلك التقنية الحديثة فى مجالات أخرى ربما قريبا أصبحت كل مجالات الجراحة العامة والخاصة.
هذا الأسبوع أعلنت (مايوكلينك) عن دراسة علمية قاد فريق البحث فيها الجراح إيريك مور Eric Moor تشير إلى أن نجاح الجراح الآلى فى إجراء عمليات جراحات سرطان الفم (Squamous cellcaric noma) الناشئة عن الإصابة بالفيروسات الحليمية (HPV) يفوق نجاح العمليات التقليدية منها والتى يجريها الجراحون من الأطباء.
الجراحات أجراها روبوت متطور يسمى دافنشى Da Vinei oobotic system لستة وستين مريضا. متابعة تطور حالات المرضى بهدف مراجعة إذا ما كان أحدهم قد عاوده النشاط السرطانى ولمدة سنتين كاملتين أسفرت عن سلامتهم بنسبة 92٪ الأمر الذى يماثل تقريبا نفس النسبة فى حالة إجراء الجراحة بالطرق التقليدية.
نظرا لأن استئصال سرطان الفم يحتاج إلى مهارة خاصة فى استعمال المشرط إلى جانب عملية إعادة بناء لعظم الفك والرقبة واللسان فقد كان الجميع فى لهفة لمعرفة كيف يمكن لإنسان أجرى له الروبوت الجراحى العملية كاملة أن يتمكن من ابتلاع لعابه أو مضغ طعامه بعد العملية.
جاءت النتائج مذهلة إذ إن المرضى خلال أربعة أيام استعادوا قدراتهم على البلع وابتلاع اللعاب بصورة طبيعية، الأمر الذى يؤكد نجاح الروبوت الجراحى فى إجراء العمليات التى تحتاج مهارات جراحية عالية.
ليست تلك النجاحات العالمية للسيد دافنشى الجراح وحدها وراء حديثنا اليوم عن الجراح الآلى! إنما المحلية أيضا فقد دعت هيئة صحية خاصة أحد الجراحين الألمان المعروفين فى هذا المجال د.رالف سينر ورفيقه الآلى بالطبع للعمل لمدة عام فى مجال جراحات السمنة المفرطة.
هل ستنجح التجربة؟
هل نحن بحاجة لهذا النوع من التقنيات الحديثة قبل أن نصلح من أوضاعنا الطبية المتردية؟
العاقل لا يتردد فى أن يتعلم الجديد دائما وإن ادخر جهدا لإصلاح القديم فى ذات الوقت.