كانت سلمى منهمكة فى الفرجة على شاشة سينمائية فى ساحة عابدين لمظاهرات الثمانية عشر يوما التى كانت تشارك فيها بالهتاف «الشعب يريد إسقاط النظام»، وفجأة انفتحت عيناها عن آخرهما مع صرخة انبهار بريئة. ببراءة سنواتها الأربع قالت: بصى!».
ركضت لتشاهد عن قرب مجموعة من العرائس العملاقة تتقدم فى الساحة الواسعة أمام قصر عابدين، التى تستضيف اليوم الفنى والثقافى الشهير «الفن ميدان»، السبت الأول من كل شهر.
لم تخف سلمى من مشهد العرائس العملاقة التى تصور أربع شخصيات من العسكر ذات وجوه عابسة، وجوه أهلكتها السنوات وكرمشتها الصرامة والاستبداد، بل راحت تهتف مع صيحات تتعالى من خشبة المسرح المجاور «يسقط يسقط حكم العسكر». كانت عرائس العسكر العملاقة مصنوعة من الفوم والاسفنج والورق الميكانيكى والغراء الأبيض، يحملها شباب على أكتافهم فى مسيرة فنية مبهرة تنتمى لفنون مسرح الشارع.
أما صانعها فهو فنان العرائس ناصف عزمى الذى انشغل بالمسرح من التسعينيات وقدم العديد من عروض مسرح الشارع بفرنسا، فى إقامته الموازية بين باريس ومدينة الفيوم، حيث اعتكف فى مسكنه بمدينة تونس يصنع العرائس ويقيم الورش الفنية ليعيد إحياء فن الأراجوز ومسرح خيال الظل، الذى يتأسى لتدهور حاله «بعد أن كان لدينا مسرح العرائس للأطفال هو الوحيد فى الشرق الأوسط»، كما يقول عزمى.
أما قصة العرض «كشك عرائس» فقد ولدت كما يروى ناصف عزمى عندما رأى مجموعة من الشباب يحملون عروسة تجسد شخصية عسكرية فى الاحتفال بمرور عام على ثورة 25 يناير، وكانت عروسة ضعيفة الصنع، فقام الفنان بدعوة الشباب لحضور ورشة صناعة العرائس فى الفيوم وفى خلال ثلاثة أسابيع كانت الشخصيات الأربع قد أنجزت.
لا يقصد ناصف عزمى شخصنة أفراد بعينهم لكنه يجسد فكرة رفض الحكم العسكرى فى أى زمان ومكان، لأنه يصير دائما فى التاريخ الإنسانى كاملا حكما مستبدا يمارس سلطته محملا على أكتاف الشعوب. أما الشخصية الخامسة التى سيقدمها الفنان مع مجموعة الشباب المشارك فستكون شخصية لحيوان أسطورى يجسد الوجوه المتعددة للحكم العسكرى ويسميها «آلة القمع».
أما الفن ميدان الذى ينظمه ائتلاف الفنانين المستقلين بعد اندلاع ثورة 25 يناير، فسيحتفل السبت الأول من شهر أبريل المقبل بمرور عام على ميلاده وسيقدم اكتشافات فنية جديدة تتوازى دائما مع روح ثورة يناير.