يعتبر ساويرس بن المقفع أول من كتب باللغة العربية من الأقباط فى مصر؛ ونحن لا نعرف إلا النذر اليسير عن حياته؛ تاريخ ميلاده غير معروف على وجه الدقة؛ غير أنه على أرجح الآراء ولد خلال الفترة من 905 915 م وتسمى باسم أبا بشر؛ وكان اسم والده المقفع ومعناها «المنكس الرأس دائما» أو «المتشنج اليد»؛ وعندما كبر عمل كاتبا ماهرا فى الدولة الإخشيدية؛ التى حكمت مصر خلال الفترة من 935 969م. لكن سرعان ما اشتاقت نفسه إلى حياة الرهبنة؛ فترك مركزه ليترهب بدير القديس مكاريوس بوادى النطرون؛ واتخذ لنفسه اسم ساويرس؛ وبعد فترة اختير أسقفا للأشمونين؛ وهى حاليا قرية تقع على بعد 8 كم شمال غرب ملوى؛ وكانت تدعى قديما خمونو؛ وكانت مركزا ضخما لعبادة الإله توت الذى يعرف فى اللغة المصرية القديمة باسم «خمنو» ومنه اشتق اسم المدينة الأشمونين؛ وفى العصر اليونانى عرفت باسم «هرموبوليس، ولقد كتب ساويرس بن المقفع طبقا للقائمة مؤلفاته التى أعدها ابن كبر (شمس الرئاسة بن الشيخ الأسعد أبوالبركات؛ وكان يعمل كاتبا للأمير ركن الدين بيبرس) فى كتاب مشهور له بعنوان «مصباح الظلمة فى إيضاح الخدمة» حوالى 25 كتابا. وتشهد جميع هذه الكتب على سعة اطلاعه؛ ففى أحد كتبه «الدر الثمين فى إيضاح الدين» نجد 1161 نصا كتابيا من الكتاب المقدس؛ وفى نفس الكتاب نجد 191 مرجعا لآباء الكنيسة كما أحصاها العالم الألمانى جورج جراف (1875 1955)، غير أن أشهر كتبه وأهمها هو كتاب «تاريخ البطاركة» المعروف بسير البيعة المقدسة؛ وقد جمع مادته باللغة القبطية واليونانية من السجلات التى وجدها بدير أبو مقار بوادى النطرون؛ وبدير نهيا نواحى الجيزة؛ وغيرها من أديرة الصعيد. ولقد مضى ساويرس حوالى 8 سنوات فى جمع مادة كتابه هذا؛ واستعان فى ترجمة المصادر اليونانية بالشماس ميخائيل بن بدير الدمنهورى، وقد دون الأنبا ساويرس فى موسوعته تاريخ البطاركة بداية من مارمرقس الرسول حتى البابا شنودة الأول البطريرك ال55 من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (859 880 ). ولقد قام العالم الفرنسى رينودو بترجمة الكتاب إلى اللغة اللاتينية، فأصبح هو المصدر الرئيسى لتاريخ الكنيسة القبطية فى العصور الوسطى؛ ثم قامت جمعية الآثار القبطية بطبعه نقلا عن المخطوط العربى المحفوظ بالمكتبة الوطنية بباريس تحت رقم 302 من ورقة 287ظ إلى ورقة 355 ج. وقام بتحقيق المخطوط كل من الأستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة يوتا (1898 1988) والأستاذ يسى عبدالمسيح أمين مكتبة المتحف القبطى (1898 1959) والمستر أوزوالد برومستر أستاذ اللغة اليونانية بالكلية الأكليركية بالقاهرة، وصدر عن جمعية الآثار القبطية عام 1943 فى ثمانية مجلدات.
والجدير بالذكر أن الأنبا ميخائيل أسقف تنيس قام باستكمال العمل من بعده، فقام بكتابة سير البطاركة من البابا خائيل الأول (880 909م) البطريرك 56 إلى البابا شنودة الثانى (1032 1046) البطريرك 65. ثم استكمل الشماس موهوب بن منصور السلسلة بحياة البابا خريستوذولوس (1047 1078) البطريرك 66، ثم أضاف يوحنا بن سعيد بن يحيى بن مينا الملقب بابن القلزمى سيرة البابا كيرلس الثانى (1078 1092) البطريرك 67؛ والبابا ميخائيل الرابع (1092 1102) البطريرك ال 68، والبابا مكاريوس الثانى (1102 1128) البطريرك ال 69، ثم أضاف البابا مرقس الثالث (1166 1189) البطريرك ال73 الثلاثة بطاركة الذين سبقوه وهم: البابا غبريال الثانى بن تريك (1131 1145) البطريرك ال70؛ والبابا خائيل الثانى الخامس (1145 1146) البطريرك ال71؛ والبابا يؤانس الخامس (1146 1166) البطريرك ال72. أما كتاب سير الثلاثة البطاركة اللاحقين فهو غير معروف على وجه الدقة. ثم قام المؤرخ كامل صالح نخلة باستكمال السلسلة من تاريخ البطاركة من البابا كيرلس بن لقلق (1235 1243م) البطريرك ال75، حتى البابا ديمتريوس الثانى (1862 1870) البطريرك ال111، وأخيرا أتم القمص صمويل تاوضروس السريانى سيرة البطاركة من البابا كيرلس الخامس (1847 1927) البطريرك ال112 حتى البابا كيرلس السادس البطريرك (1959 1971 ) البطريرك ال116. والجدير بالذكر أن الكاتب الصحفى الأستاذ عبدالعزيز جمال الدين قد عكف على تحقيق مخطوطة تاريخ البطاركة لمدة ثمانى سنوات متواصلة حتى صدرت فى ستة مجلدات ضخمة.