قصتان عن الشفافية، الأولى من مصر والثانية من الولاياتالمتحدة، استهل بهما المتحدثون فى مؤتمر انعقد صباح أمس، لخصتا رسالة حول أهمية تداول المعلومات فى مكافحة الفساد. القصة المصرية رواها يحيى حسين عبدالهادى، عضو لجنة تقييم صفقة خصخصة عمر افندى الشهيرة، تبدأ بالطلب الذى تقدم به للمحكمة للحصول على نسخة من عقد الصفقة، والذى بالرغم من وصف البعض له بأنه أحسن عقد خصخصة فى تاريخ مصر ولكنه ظل مخفيا لمدة عام بحسب قوله، وعندما أيدت المحكمة مطلب حسين وطلبت من الشركة القابضة للتجارة صورة العقد لم تتم الاستجابة للطلب. أما القصة الثانية فرواها اندرو بودفرت، مدير منظمة الشركاء الدوليين الحقوقية فى بريطانيا، الذى سعى لتتبع صفقات مالية فى بلاده تشكك فى أن تكون بها عمليات غسيل أموال من خلال بنوك أمريكية، وعندما سأل جهاز المخابرات الأمريكى عن تلك المعلومات، أرسلوا له كل التحقيقات المتاحة فى هذه القضية بدون أى تعقيدات «حدث ذلك عندما كنت شابا فى مقتبل حياتى، وتفاجأت من أن مواطنا عاديا مثلى وليس أمريكيا يستطيع أن يحصل على المعلومات بهذا الشكل الميسر».
ولا يتضح تأخر مصر فى مجال الشفافية ومكافحة الفساد فقط من تلك القصة، ولكن أيضا من خلال المعلومات التى عرضها المؤتمر الذى نظمه منتدى البدائل العربى، عن قوانين الحق فى تداول المعلومات، والتى كانت السويد أول من تبناها عام 1766 وانضمت إليها 17 دولة من أوروبا الغربية، من آخر ما تبنوها بريطانيا عام 2000 وألمانيا عام 2005، و20 دولة من أوروبا الشرقية و19 دولة فى الأمريكتين، بينما لم تشرع أية دولة عربية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غير الأردن، والذى خرج بصورة سيئة، ويقيد تداول المعلومات، بحسب ما قاله ماجد عثمان، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الا أن مصر كان لها السبق فى أن تكون من أولى الدول التى وقعت على ميثاق مكافحة الفساد فى 2003، وفى نفس الوقت كانت تأتى فى ترتيب متأخر للغاية فى مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدار السنوات الماضية، كما يقول العجاتى.
اتساع النطاق الجغرافى لتبنى تشريعات حرية تداول المعلومات على مدار العقود الماضية، طور من مفهوم تداول المعلومات، ليصبح بمثابة «حق للمواطن وليس منحة من الحكومة» كما يقول بودفرت، وساهم أيضا فى تطور المفاهيم الدستورية الخاصة بالشفافية «قد يكون الدستور المصرى لعام 1971 به العديد من الفصول الجيدة، ولكنه مبنى على مفاهيم قديمة، يجب أن نراعى أحدث التجارب الدولية فى صياغة دستور يراعى مبادىء الشفافية والافصاح ونحن نصيغ الدستور الجديد» كما يقول محمد العجاتى، مدير مركز البدائل العربى.
وبعض الممارسات الدولية التى عرضها المؤتمر تعالج مشكلات حيوية فى مصر، كقضية اخفاء العقود التى تحدث عنها أبرز معارضى صفقة عمر افندى، وفى المقابل قال بودفرت إن البرازيل تخصص موقعا الكترونيا لعرض العقود على الرأى العام.
كما استعرض المؤتمر أبرز أوجه ثقافة سرية المعلومات المتوارثة من الأنظمة السابقة، كإخفاء المعلومات تحت دعوى الأمن القومى، دون أن تكون هناك محددات واضحة للمعلومات التى يضر نشرها الأمن القومى بالفعل، وانتشار مفهوم «عفا الله عما سلف» بعدم وجود المحاسبة الملائمة للمسئولين عن كوارث سابقة ككوارث عبارة السلام وانهيار صخرة الدويقة، هذا بالإضافة التى تضارب المعلومات حتى بين الأجهزة الحكومية.
وأكد بودفرت على ضرورة وجود المساندة الشعبية لقضية الشفافية والإفصاح «المواطن لن يهتم بتلك القضية إلا إذا شعر أنها تمس مطالبه الحياتية كالحصول على فرصة عمل، لذا إذا ناقشنا القضية من منطلق مثلا أن الافصاح سيكشف التعاملات الفاسدة بين الشركات الكبرى والحكومة، وبالتالى سيتيح للمشروعات الصغيرة فرصة أفضل فى النمو سيجعل المواطنين أكثر اهتماما بالموضوع، ونفس الحال فيما يتعلق بتأثير الفساد على خدمات الصحة والتعليم وغيرها».