تشارك مصر غدا الاثنين فى اجتماعات اللجنة الفنية الثلاثية المشتركة المصرية السودانية الأثيوبية التى تعقد فى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا لدراسة أثار وأضرار سد النهضة الأثيوبى على دولتى المصب مصر والسودان والمزمع إنشاؤه بمنطقة بني شنقول على بعد 40 كيلو مترا من حدود أثيوبيا مع السودان والمطل على النيل الأزرق وقد أكدت أثيوبيا انه بغرض توليد الطاقة مما يساعدها على تحقيق خطط التنمية بها . وقد أكدت مصر على ضرورة أن يكون هذا الاجتماع البداية للتحرك الثلاثى من جانب الدول الأطراف به من أجل التوصل الى رؤية مشتركة بشأن هذه القضية وازالة كل ماأثير حول هذه السدود من مخاوف وعوامل قلق .
وكان ميليس زيناوى رئيس وزراء أثيوبيا قد تعهد خلال زيارته للقاهرة فى سبتمبر الماضى بأن أديس ابابا لن تقدم على اى خطوة من شأنها ان تمس حقوق مصر فى مياه النيل أو تلحق أى أضرار بمصالحها .. ولو ثبت ذلك ستقدم على اجراء تغييرات فى هذه السدود ، كما اكد زيناوى التزام أثيوبيا باتفاقية 1993 التى تنص على عدم بناء أى مشروعات على نهر النيل تضر بمصر.. مؤكدا أنه قد حان الوقت ليكون نهر النيل فرصة للتعاون الأقتصادى وليس فزاعة سياسية للشعوب .
وتأمل مصر فى التوصل الى اتفاق يكون بمثابة صيغة مرضية لكل الأطراف وتسهم فى انهاء هذه القضية التى تسببت فى قلق كبير سواء لمصر أو السودان من جراء مايعتقد بأنه سيكون لهذه السدود تأثير سلبى على حصة البلدين من مياه نهر النيل .
وجدير بالذكر أن تشكيل هذه اللجنة الثلاثية جاء وفقا لأقتراح ومبادرة من رئيس الوزراء الأثيوبى الذى دعا وزراء المياه فى الدول الثلاث الى الالتقاء ودراسة موضوع السدود من جميع جوانبها. ووعد بأن تقدم بلاده جميع التسهيلات اللازم للجنة لتأكيد ما قالته ان السد سيعود بالخير على مصر والسودان قبل أثيوبيا .
ويرى المراقبون أن مصر ليس لديها موقف معارض لبناء السدود أو تحقيق التنمية فى أثيوبيا أو غيرها من بلدان حوض النيل.. وان الموقف المصرى انما يركز فقط على احترام مبدأ الاخطار المسبق الذى يعنى من الناحية العملية التأكد من أن اى مشروع على مجرى النهر لن يؤدى الى التأثير سلبا على كميات المياه المتدفقة الى مصر .. فاذا كانت هذه الشبكة من السدود كما تؤكد التصريحات الأثيوبية لن ينجم عنها أية أضرار بمصالح مصر المائية فليست هناك ثمة مشكلة ..الأمر الذى يتنافى مع الاصرار الأثيوبى على عدم الاعتراف بمبدأ الاخطار المسبق .
ومن المعروف ان مصر رفضت التوقيع على اتفاقية عنتيبى وذلك للتحفظ المصرى على ثلاثة بنود أساسية تتمثل فى ضرورة الاعتراف بالحقوق التاريخية لمصر طبقا لحصتها الحالية ، والثانى ضرورة الاقرار بمبدأ الاخطار المسبق ، والثالث يتمثل فى طريقة التصويت لتعديل الاتفاق الاطارى فى المستقبل وضرورة أن تكون بالاجماع أو الأغلبية المشروطة بموافقة مصر والسودان .
ومن المعروف ان هذه التحفظات مازالت قائمة رغم فتح صفحة جديدة من العلاقات بين مصر وأثيوبيا بعد زيارة زيناوى لمصر فى سبتمبر الماضى ..وان الهدف هو الحفاظ على مصالح وحقوق مصر المائية المكتسبة وأيضا تلبية احتياجات أثيوبيا التنموية .
وفى نفس الوقت فأنه من وجهة نظر المتخصصين فان من حق أثيوبياايضا أن تستفيد بكل شىء يحقق النمو الأقتصادى لشعبها بما فى ذلك المياه التى تنبع من أراضيها سواء فى توليد الكهرباء أو الرى ، فهى من الدول التى لاتتوافر الكهرباء فيها ل80 % من شعبها..وتتعرض بعض أقاليمها للجفاف لدرجة ان نحو مليونى أثيوبى ماتوا جوعا عام 1984 ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب حياة شعب مصر الذى يعتمد بنسبة 95 % على مياه النيل فى حياته وليس له مورد مياه بديل ، فالأمطار شحيحة لاتمثل أكثر من 2% من استهلاكه من المياه وتمثل المياه الجوفية 3 % فقط .
وبالرغم من تأكيدات الجانب الأثيوبى أن سد النهضة لن يمس قطرة واحدة من حصص باقى الدول فأن مصر والسودان باعتبارهما دولتى مصب تريان أن مثل هذا السد قد يؤثر على حصتيهما ، ففى الوقت الذى تحتاج فيه مصر الى 11 مليار متر مكعب اضافية على حصتها البالغة 55 مليار لتر مكعب بسبب زيادة السكان والحاجة الى زيادة مساحة الأراضى القابلة للاستصلاح ، وأن أى تهديد لحصتها سيؤثر على قدرات التنمية لديها فى الوقت الذى تتمتع فيه سائر دول حوض النيل بموارد كبيرة من مياه الأمطار والأنهار الأخرى التى لاتجعل مياه النهر مصدرا رئيسيا للحياة بهذه الدول.
حيث يمثل نهر النيل 1\% من مصادر المياه بأثيوبيا و2 % لكينيا ، و3 % لتنزانيا و1% للكونغو ، و5 % لبوروندى ، و15 % للسودان. ويرى بعض الخبراء ان أثيوبيا تعتبر انشاء هذه السدود مشروعا قوميا من شأنه أن يلبى تطلعات وطموحات داخلية نحو التنمية مما يساعد النظام على حشد تأييد القوميات والأثنيات المختلفة وراء ميليس زيناوى .
ومن ناحية أخرى فأن انشاء هذا السد يحتاج الى تمويل ضخم يقدر بنحو 8.4 مليار دولار وقد عرضت الحكومة الأثيوبية هذا الأمر للاكتتاب الداخلى ولم يتم تدبير سوى1% فقط من هذا المبلغ ، وأن أى تمويل أجنبى من جانب أطراف دولية بما فيها البنك الدولى للسدود الأثيوبية مرهون بألاتلحق أية أضرار بأى من دول النهر وهما دولتى المصب مصر والسودان .
تجدر الأشارة الى أن الحكومة الأثيوبية قد أعلنت فى الثانى من ابريل الماضى تدشين انشاء مشروع سد النهضة أو سد الألفية لتوليد الطاقة الكهرومائية ، وتوقعت أن يتم الانتهاء من بنائه خلال أربع سنوات ليكون له القدرة على توليد 5250 ميجاوات من الكهرباء وحجز 63 مليار متر مكعب من المياه .
واذا كانت هناك تأكيدات بالتزام أثيوبيا بعدم استخدام هذه السدود الجديدة لأغراض تخزين المياه وتكون فقط لتوليد الكهرباء فهى لاتحتاج الى انشاء سد بهذا الحجم والارتفاع ، ولذلك فمن الأمور المهمة التى ينبغى للجانب الأثيوبى الألمام بها هى ان سد النهضة وماسيتكون خلفه سيؤثر على وصول 9 مليارات متر مكعب من مياه النيل وحجز 2 مليار متر مكعب منها عن مصر والسودان وعجز فى انتاج كهرباء السد العالى وتقليل دور السد العالى فى تخزين المياه الزائدة فى سنوات الفيضانات العالية لأستخدامها فى سنوات الفيضانات المنخفضة بالاضافة الى حدوث عجز فى ايراد النهر يصل الى 20 % من الايراد الكلى .
وبالتالى فأن اللجنة الفنية ستبحث بما تضمه من فريق خبراء كبير تأثير هذا السد فى كل المجالات سواء البيئية أو الاجتماعية.. وقد أكد وزير خارجية أثيوبيا ان بلاده لن تستخدم نقطة مياه واحدة للاستهلاك كما أنه لاأحد سيؤثر على حصة مصر .ويأمل المراقبون ان تلتزم جميع الأطراف بنتائج تقرير اللجنة فأذا كانت تطمينات الجانب الأثيوبى فى محلها فلابد ان تتعاون مصر والسودان مع أثيوبيا.. وان لم يكن فعلى أثيوبيا الالتزام بالنتائج وتوفيق أوضاع ذلك السد طبقا لتقارير اللجنة .