لم يكن عيد الأضحى الماضى عاديا لأهالى محافظة دمياط الذين اعتادوا على مدى عشرات السنين قضاء أيام العطلات فى مصيف رأس البر.. تحولت أيام العيد إلى معارك كر وفر على الطرق المؤدية لرأس البر بين أهالى قرية السنانية المعارضين لإنشاء مصنعى أجريوم وموبكو للأمونيا واليوريا بالمنطقة الحرة الصناعية بميناء دمياط، والأهالى الراغبين فى فتح الطرق، فى ظل غياب أمنى كامل غير مبرر. «الشروق» كانت حاضرة فى رأس البر لأربعة أيام كاملة ترصد مظاهر تقطيع الأوصال بين دمياط ومصييفها، قبل أن تتمكن من «الجلاء» بالانتقال إلى مدينة عزبة البرج بواسطة معدية نيلية ظهر الجمعة الماضية.
بحلول منتصف ليل ثانى أيام العيد أصبح رواد رأس البر محاصرين فى مساكنهم، بعدما قطع أهالى السنانية الطريقين الشرقى والغربى بين دمياط ورأس البر.. ولأول مرة يقتحم سيناريو «قطع الطرق بواسطة مجموعات مسلحة» الذاكرة الدمياطية.. حتى أن بعض الأهالى شككوا فى كون من أقدموا على هذا التصرف «دمايطة».
استطاع بعض رواد رأس البر فى ثالث ورابع أيام العيد الخروج منها بأمان عبر طرق وعرة وملتفة حول مركزى كفرسعد وفارسكور، رفعت أجرة الراكب الواحد من جنيه إلى 5 جنيهات، وبدأت المدينة التى تكتظ أعيادها بالزحام البهيج وحفلات الزفاف تتحول إلى مدينة أشباح.
حفلات الزفاف التى كان مقررا استضافتها فى أندية رأس البر تم إلغاؤها جماعيا ونقلها إلى مساجد وشوارع دمياط وضواحيها.. مسجد واحد استضاف 19 حفلا فى يوم واحد هو 11/11/2011 الذى كانت تعده عشرات الأسر الدمياطية ليكون «ليلة العمر» لأبنائهم وبناتهم برأس البر.. أما من أصروا على إقامة حفل الزفاف فى المصيف فلم يجدوا طريقا لنقل «العرسان» إلا قوارب صغيرة عبرت بهم من مدينة عزبة البرج إلى رأس البر فى جنح الليل.
حتى الموتى أصبحوا من ضحايا الحصار، حيث نقل الدمايطة جثامين من توفاهم الله فى رأس البر إلى مدافن دمياط بالقوارب والمعديات أيضا، حيث لم يسمح محاصرو المدينة بعبور الجنازات.
الوجود الأمنى برأس البر كان مقتصرا على منطقة اللسان السياحية حتى ثالث أيام العيد فقط، وأمام منطقة الجربى التى يبدأ منها طريق دمياط المقطوع، تجد عربة أمن مركزى محشوة بجنود يحتمون بها من البرد القارس، وأمامها ضباط يحاولون أداء واجبهم ومساعدة المارة, وأمام الفشل الأمنى فى التعامل مع الموقف يعتقد بعض الدمايطة أنه تواطؤ ازداد محاصرو رأس البر جرأة، فقطعوا جميع الطرق المؤدية أيضا إلى مدينة دمياطالجديدة المتاخمة لميناء دمياط غربا، بل وحاولوا قطع الطريق الزراعى بين دمياطوالمنصورة المار بقريتهم السنانية.
بمرور الساعات بدأت محال المواد الغذائية برأس البر تخلو من البضائع بسبب الحصار، والأمر ذاته عانت منه بعض محال دمياط التى تجلب بضائعها من المنصورة تحديدا بسبب عدم تأمين الطريق وحدوث اشتباكات متقطعة به.
أما طلاب كليات دمياطالجديدة التابعة لجامعة المنصورة فوجدوا أنفسهم فى إجازة مفتوحة لعجزهم عن الوصول إلى المدينة عبر الطريق الغربى حتى أمس الأول، ولاتزال الدراسة غير منتظمة فى بعض الكليات.
على رصيف المعدية التى ستعبر بنا من رأس البر إلى عزبة البرج احتشد عشرات من راغبى العودة لدمياط.. تسمع آراء مختلفة ومتناقضة.. البعض يلتمس العذر لأهالى السنانية الذين رأوا مزروعاتهم تذبل ودوابهم تلد أجنة مشوهة بعد نحو عامين من تشغيل مصنع موبكو المتاخم لهم والمطل على القناة الملاحية لميناء دمياط، والبعض الآخر طالب بتحكيم العقل واللجوء لوسائل ضغط أخرى بدلا من قطع الطرق.
لكن الركاب اتفقوا على أن التعامل الرسمى مع الأزمة الحالية هو امتداد لفشل تعامل حكومة النظام البائد مع أزمة أجريوم الأولى.