«تيار الاستقلال لم يتوان لحظة عن أداء واجبه تجاه الوطن، ووقف بقوة فى وجه النظام السابق، وشارك، فرادى وجماعات، فى الثورة، كما ساهم فى إعداد رؤيته حول التعديلات الدستورية، ولا يزال على تواصل مع كل الأطراف بشأن تنفيذ مطالب الثورة، فيما يخص استقلال القضاء وعدالة المحاكمات، والإشراف على الانتخابات وضمان نزاهتها». هكذا تحدث المستشار أحمد صابر رئيس محكمة باستئناف القاهرة ل«الشروق»، هو أحد رموز تيار استقلال القضاء، وكان عضوا بمجلس إدارة نادى القضاة والمتحدث الرسمى له، إبان ترأس المستشار زكريا عبدالعزيز للنادى، كما كان صاحب تقرير انتخابات 2005، الذى رصد ما حدث من تجاوزات فى الانتخابات تجاه القضاة.
وإلى نص الحوار:
● كيف تقيم الدور التاريخى لتيار استقلال القضاء؟ يحسب لتيار استقلال القضاء، الوقوف فى وجه النظام السابق، وتنظيم أول اعتصام للقضاة فى تاريخهم عام 2006، ويعد المستشار يحيى الرفاعى هو رائد هذا التيار، وقد ناضل خلال عهد الرئيس عبدالناصر، وتم عزله فى مذبحة القضاة الشهيرة عام 1969، فيما قاد هذا التيار عبر أكثر من 4 عقود النضال ضد الأنظمة المتعاقبة، من أجل استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية أسوة بالدول المتحضرة، وشهد عام 2005 ذروة نضالهم فى وجه النظام.
● هل «استقل» القضاء بعد الثورة؟ إلى وقتنا الحالى لم ينجح القضاء فى الاستقلال عن السلطة التنفيذية، أو تفعيل الحركة الإصلاحية المطلوبة، مع الوضع فى الاعتبار أن الإصلاح القضائى يجب أن يكون على رأس أولويات مصر ما بعد الثورة.
● وما أسباب عدم استقلال القضاء؟ الثورات عادة تمر بثلاث مراحل «التغيير، التطهير، والتطوير»، والثورة مفترض أنها صنعت التغيير، وتسير صوب الإصلاح بمختلف القطاعات، إلا أن القضاة ألقى على عاتقهم مسئولية أهم مرحلتين يتبعا التغيير، وهما مرحلة التطهير التى تتركز فى محاكمات رموز النظام السابق، والإسهام فى مرحلة التطوير بإشرافهم على الانتخابات المقبلة، مما ضاعف الجهد على القضاة.
● فى تقديرك.. كيف يستقل القضاء عن السلطة التنفيذية؟ البداية تكون فى نقل صلاحيات وزير العدل، وأبرزها: «التفتيش على القضاة، تعيين رؤساء المحاكم الابتدائية، وإحالة المستشارين إلى الصلاحية»، إلى مجلس القضاء الأعلى، مع إلغاء الانتدابات ومنصب النائب العام، على أن يعقد مؤتمر علمى يجمع كل القوى الوطنية، لأن استقلال القضاء «حق مقدس للأمة»، وليكن تحت اسم مؤتمر العدالة الثانى على غرار مؤتمر العدالة الأول الذى عقد عام 1986.
وفى هذا المؤتمر يجب أن يتم طرح كل أوجاع العدالة، بدءا من بطء إجراءات التقاضى وانتهاء باستقلالية القضاة وإنهاء اختصاص المحاكم الاستثنائية، على أن يتم مناقشة كل الأوضاع التى تمس استقلال القضاء بكل وضوح وشفافية، والأهم أن يتم ذلك ب«شكل علمى»، لاسيما أن القضاء يزخر بالكفاءات، فضلا عن غنى مصر بالفقهاء المتخصصين، والمراكز البحثية القادرة على وضع الإطار الصحيح للبحث العلمى.
● ما تقييمك لأداء نادى القضاة فى مرحلة ما بعد الثورة؟ دعنى أتحدث فقط عن مرحلة ما قبل الثورة، والتى شرفت بالمشاركة فيها، ولنترك ما بعدها ليحكم عليها شهودها، والحقيقة أن نادى القضاة له دور تاريخى منذ إنشائه عام 1939، وقد ترك بصمة واضحة فى الحركة الوطنية المصرية، وانعكس أداء القضاة فى 2005 على المجتمع بأسره.
ويكفى وصف الأستاذ «هيكل» لحركة القضاة حينها، بأنها توازى حركة 23 يوليو، لكونهما «تمردا لسلطة» من سلطات الدولة. وحركة استقلال القضاة ضد النظام السابق كانت جزءا مهما من نضال الأمة، ونجد دوما تطابقا بين مطالب القضاة والشعب، سواء فيما يخص استقلال القضاء أو الانتخابات النزيهة. ونحمد الله إن أحد رموز تيار الاستقلال، أصبح الآن على رأس السلطة القضائية، وسيجاهد المستشار حسام الغريانى، رئيس مجلس القضاء الأعلى، لاستكمال مسيرة الاستقلال.
● فى رأيك.. من أشعل أزمة المحامين والقضاة؟ لنترك التحقيقات تكشف من وراء هذه الأزمة «المفتعلة»، خاصة وأنها مشكلة بلا موضوع، ولا توجد مشروعية لأسباب نشوب الأزمة، ويكفى أن المستشار الغريانى صاحب القول الفصل اعترض فى أول جلسة استماع، على وجود المادة 18 شكلا فى مشروع السلطة القضائية، كما أعلن عقب لقائه بوفد المحامين، بأن المادة محل الأزمة تقرر عدم قبولها شكلا، فكيف يتم الحديث فى موضوعها.
لكننا وجدنا «مزايدات انتخابية»، ووجدنا أعوانا للنظام السابق تحولوا فجأة إلى «ثوار» ولكن للأسف ثوار ضد مصلحة الوطن، إلى أن وصلت الأزمة إلى وضعها الراهن، نتيجة للتغاضى عن الصالح العام، والبحث عن المصالح.
● وما تعليقك على صلح القضاة والمحامين بعد اجتماع شرف؟ كلمة صلح تعنى أن هناك خصمين، ورسالة القضاء تنأى بالخصومة، والمستشار «الغريانى» بحكم موقعه ورجاحة عقله، وضع الأمور فى نصابها الطبيعى، بعدما وضح جليا أن هناك أيدى خفية، تحاول العبث بملف القضاة لتعطيل مسيرته تجاه الاستحقاقات التى أوجبتها عليه الثورة، فيما يتعلق بالمحاكمات والإشراف على الانتخابات والاستقلال الكامل للسلطة القضائية. ويجب تجاوز الأزمة وإجراء التحقيقات حول ما حدث لمعرفة أسبابه وأهدافه، وحجم الضرر الذى حققه، ومحاسبة كل من يثبت خطأه.
● وماذا عن استمرار تعليق العمل بالمحاكم؟ يقينى أن تعليق العمل بالمحاكم، ليس بسبب أزمة المحامين والقضاة، وإنما رسالة وجهت بالأساس إلى المجلس العسكرى والحكومة الحالية، لتقاعسهما عن القيام بدورهما المنوط نحو العدالة، وأهمها، تأمين المحاكمات وحماية دور العدالة، خاصة أن المرحلة الحالية تفرض على القضاة استحقاقات استثنائية، وعلى الحكومة أن تعى طبيعة المرحلة نظرا للسيولة الثورية التى تتطلب أمنا وتأمينا مضاعفا، حتى يتمكن القاضى من أداء عمله على أكمل وجه، على أن يترك للجمعيات العمومية تقدير مدى ملاءمة الأوضاع لاستئناف العمل بالمحاكم.
● هل تعتبر أن هناك «صخبا إعلاميا» زائدا حول مشروع قانون السلطة القضائية؟ تكرار الكلام عن مشروع «السلطة القضائية» قبل صدوره، يضير أكثر مما ينفع، والإعلام فى الوقت الحالى أصبح يلعب دورا بالغ الخطورة، وواجب عليه أن يحذر ممن يحاولون تهديد استقرار البلاد، وتعطيل مسيرة الإصلاح، وأن يحد من تأجيج النار، ولا يعمل على إشعالها، كما تفعل حاليا بعض الفضائيات والصحف.
● هل العدالة فى خطر؟ بالتأكيد هى فى خطر، طالما لا يزال هناك بطء فى إجراءات التقاضى، وكارثية صدور الأحكام بعد مرور سنوات، بالإضافة لعدم وجود آليات لتنفيذ الأحكام بعد صدورها. كما أن قوام العدالة أن يكون لدى عموم الناس ثقة ويقين فى عدالة القاضى، وأفضل الأشياء التى تدل على مدى تقدم المجتمع وتحضره، هو احترام الأحكام القضائية، ولدينا مثل شهير، عندما أصدر قاض إنجليزى حكما، إبان الحرب العالمية الثانية، بنقل مطار حربى مجاور لمدرسة لما يسببه من إزعاج وخطر للطلاب وقال حينها تشرشل «تخسر بريطانيا الحرب خير من أن يقال إنها لم تنفذ حكم القضاء». والقاضى يحكم باسم الشعب، ولابد أن تسخر جميع الإمكانات لتنفيذ الحكم القضائى، حتى يتحقق مبدأ سيادة القانون.
● وماذا عن بطء محاكمات رموز النظام السابق؟ الأصل هنا يعود لتأخر الرغبة السياسية فى بدء المحاكمات من الأساس، إلا أنه يحسب لثورة يناير أن هذه هى المرة الأولى فى العالم التى يحاكم فيها رئيس الدولة أمام قاضيه الطبيعى، ومن قوام المحاكمة الطبيعية كفالة حق الدفاع، والثقة العامة فى القضاء، وهو ما نشهده من طلب الشهود ومراجعة الأدلة، ورد هيئة المحكمة وخلافه، وما يحدث من تأخير حاليا لا يتحمله القضاء وحده.
● ماذا عن قضية تعيين أبناء المستشارين بالنيابة وملف التوريث فى القضاء؟ القضاء لا يوجد به توريث بالمعنى الصريح، وإنما كان هناك بعض المجاملات تشبه ما كان يحدث فى بقية قطاعات وهيئات المجتمع، ونجل القاضى الذى تخرج فى كلية الحقوق، من حقه دخول سلك النيابة العامة، طالما يخضع للضوابط والمعايير شأنه شأن غيره دون تمييز ويجرى حاليا وضع ضوابط واضحة للتعيين بالوظيفة القضائية تنطبق على الجميع، فى المشروع الجديد، ويقينى أن عدل القاضى سيغلب رغبته، وسيقدم القضاء نموذجا يحتذى به فى طرق الاختيار، وفق ضوابط محددة وموضوعية ومعلنة.
● فى رأيك.. هل يجب الأخذ فى الاعتبار مبدأ الكفاءة بديلا عن مبدأ «الأقدمية» السائد فى القضاء المصرى؟ القضاء يعرف ثلاث طرق للاختيار، الأولى: تكون من قبل الحاكم الذى يصدر القرار، وأبرز سوءاته أنه يكرث الاستبداد، فالحاكم غالبا يعين أعوانه والمقربين إليه بدون أفضلية للمعايير، والثانية: يكون الاختيار بالأقدمية، وهو السائد منذ فترة وفى الأغلب لا يفرز الأفضل، والثالثة: الاختيار عن طريق الانتخاب، الذى يعد أفضل تجربة أفرزتها البشرية، رغم ما لها من بعض العيوب.
والغريب أنه كان هناك القانون 66 لسنة 1943 الذى حدد اختيار أعضاء مجلس القضاء بالانتخاب، لكن تم إلغاؤه بعد ثورة 1952، ومن حينها أصبح الاختيار بالأقدمية موروثا فى القضاء، وليس من السهل تغييره فى الوقت الحالى، لأنه أصبح ثابتا ومستقرا بما له من عيوب، ومن مقتضيات الإصلاح فى المرحلة الحالية، الأخذ بأفضلية السبل، حتى وإن وجدت مقاومة من القضاة أنفسهم.
● ما تعليقك على أداء اللجنة العليا للانتخابات بعد الثورة؟ القضاء يعرف مبادىء مستقرة منها أن «الحقيقة بنت المداولة»، وطالما القرار ليس بيد رئيس اللجنة وحده، نضمن أن رئيس اللجنة بما لنا عليه من تحفظات ليس المهيمن أو صانع القرار، وإنما القرار ملك للجنة كلها، وما يميز اللجان هذه المرة أنها قضائية خالصة، لذا الوضع أصبح أفضل كثيرا، ومن المستحيل حدوث أى شكل من أشكال التزوير فى الانتخابات المقبلة.
ومرحليا لا توجد مشكلة فى اختيار رؤساء اللجنة عن طريق الأقدمية، ومع الوقت يمكن تعديل معايير اختيار اللجنة العامة للانتخابات خلال المرحلة المقبلة، وأما فى حال حدوث قصور أو عوار خلال هذه التجربة فمن الممكن معالجته مستقبلا، نظرا لأن حالة الجمود التى سبقت الثورة انتهت بلا رجعة.
● كيف ترى أبرز معوقات تصويت المصريين بالخارج فى الانتخابات؟ أعتقد أن الأمر سيكون أكثر يسرا خلال الانتخابات الرئاسية، أما الانتخابات البرلمانية ستواجهها صعوبات عملية، ونتمنى أن تتكاتف الجهود لتذليلها، حتى يتم تنفيذ الحكم الصادر من القضاء الإدارى، بتمكين المصريين بالخارج من المشاركة فى الانتخابات المقبلة.
● ما تعليقك على تهديد بعض القضاة بعدم المشاركة فى الإشراف على الانتخابات فى ظل استمرار غياب الأمن والقصور الشرطى؟ إشراف كل القضاة على الانتخابات «فرض عين» توجبه رسالة القضاء، ولا يجوز لأى قاض الاعتذار عن أداء رسالته، والإشراف القضائى الكامل على الانتخابات، هو أحد أبرز مطالب الشعب التى تبلورت بوضوح خلال ثورته، وحالة القلق المبالغ فيها من ضعف الحالة الأمنية لن يؤخر القاضى عما تفرضه عليه مقتضيات العدالة والوطنية.
● هل أنت مع إقصاء القضاة ممن شاركوا فى تزوير انتخابات 2010 عن الإشراف بالانتخابات المقبلة؟ القائمة التى أصدرتها نقابة المحامين بهذا الشأن لم تتعد ال 18 قاضيا، ولم يجر تحقيق حول ثبوت الاتهام بحق هؤلاء القضاة من عدمه، والسلطة القضائية دائما تطالب بالإصلاح من الداخل، ولم نر أى مؤسسة قبل الثورة طالبت بإصلاح نفسها سوى القضاء، وهذا يعد دلالة واضحة على أن الجسد القضائى سليم. كما أن مواثيق الأممالمتحدة أوضحت أن القاضى عندما تتم محاكمته، لا يعلن هذا للعامة ليس حفاظا على القاضى بقدر ما هو حفاظ على الثقة العامة فى القضاء وحق المجتمع والقضاء هو أهم أركان بناء المجتمع، فالقضاء يوضع وعليه تبنى قواعد الدولة.
● هل ترى أنه لايزال هناك قضاة تابعين لنظام ما قبل الثورة؟ القضاء يطهر نفسه بنفسه، لكونه دائرة مغلقة، ولا يوجد من لديه مصلحة، للتستر على قاض فاسد، فلا حصانة لفاسد، وهناك إدارة التفتيش القضائى، وأى قاض تحوم حوله الشبهات، يخرج «صلاحية». ولو كان هناك قضاة تابعين للنظام السابق، لم يكن النظام ليعدل الدستور فى 2006، خصيصا لينتزع اختصاصات القاضى، بعد أدائهم المشرف فى انتخابات 2005، ووصول الأمر للاعتداء جسديا عليهم، وتحرير 214 بلاغا من القضاة عن تلك الوقائع حينها، إلا ان هذه التعديلات «المشبوهة» نزعت كل صلاحيات القاضى على اللجان الانتخابية، لإقصاء وتهميش دور الإشراف القضائى فى انتخابات 2010، لذا شهدت هذه الانتخابات كل أشكال التزوير.
● هل هيبة «القاضى» تأثرت جراء الأزمات المتلاحقة بملف القضاة مؤخرا؟ هيبة القاضى يستمدها من عدله، والقاضى يكرهه نصف الخصوم، ولكن يجب على جميع الخصوم أن يثقوا فى عدله، وكان القاضى فى السابق يقضى بالإعدام ويسير بين الناس دون حراسة، لكون عدله يحميه، والثوار تجلى تقديرهم للقضاة خلال الثورة، عندما طالبوا بمطالب القضاة أنفسهم قبل الثورة، سواء باستقلال القضاء أو إشرافهم الكامل على الانتخابات.
● كيف ترى فرص المستشار البسطويسى كمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية، وخاصة مع كونه أحد أبرز رموز الاستقلال؟ القضاء المصرى الذى قدم الإمام محمد عبده، والزعيمين محمد فريد وسعد زغلول، اعتاد دوما أن يقدم من يقود ويشارك حركة نضال الأمة، والمستشار البسطويسى أحد رموز تيار الاستقلال، الذى كان له دور واضح فى تصدى القضاة للنظام السابق، والمشاركة فى التخلص من طغيان نظام «مبارك»، وبعد الثورة طالب الكثير من رموز التيار «البسطويسى» بإعلان ترشحه للرئاسة، وتم الضغط عليه حتى نزل عن مطالبهم، وبالنسبة لفرصه فى الانتخابات، فهذا لن يتضح فى الوقت الحالى، والأمر فى النهاية بيد الشعب، ليختار من يمثله فى انتخابات نزيهة.
● أخيرا.. كيف تقيم أداء المجلس العسكرى خلال المرحلة الانتقالية؟ «العسكرى» لم ينجح فى إدارة المرحلة الانتقالية، وهذا واضح لقلة خبرتهم السياسية، وجميعنا نلمس تقاعسا ملموسا من المجلس عن أداء دوره، وتحديدا فيما يخص أمور العدالة، سواء على مستوى التواصل مع قيادات القضاء، أو ما يخص تأمين دور العدالة والمحاكمات، والقضاة لا يريدون فى المرحلة الحالية، سماع عبارات التبجيل والإشادة من أعضاء المجلس العسكرى، نظرا لأنها مرحلة «أفعال لا أقوال».