فى أثناء أزمة كرة القدم بين مصر والجزائر كتبت ما يلى: يبدو أن التكوين العلمى والثقافى لبعض القائمين على الإعلام والفن فى مصر، لا يسمح لهم بتفهم النتائج غير المقصودة لما يتبنون من مقولات وما يرفعون من شعارات؛ فالنتائج غير المقصودة هذه تكون أخطر كثيرا مما يقصده المرء بما يقول. وهو ما يجعلنى أتذكر التوجيه القرآنى: «وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم» أى أنهم غير قادرين على فهم ما هى النتائج غير المقصودة وغير المتوقعة لما يقولون لاسيما إن كان ما يقول المرء أصلا يقال فى إطار ما هو أسوأ.
وهكذا يقع بنا بعضُ المناضلين فى استوديوهات التليفزيون وعلى صفحات الجرائد فى هذا الفخ ويخلقون فجوة فى غير صالح مصر والمصريين بمبالغتهم فى تذكير الآخرين ب«أفضالنا عليهم». وسأستدل على ما أدعيه فى هذا المقام بما سجلته من عبارات وردت على ألسنة بعض الفنانين والإعلاميين الذين شاركوا فى إحدى حلقات برنامج «البيت بيتك». وهى عبارات قيلت بهدف توضيح قيمة مصر وفضلها على العرب للمشاهدين المصريين والعرب، ولكن أحسبها كانت هادمة لذاتها.
وها هى بعض الاقتباسات مما قاله الحاضرون والمتصلون تليفونيا: «مصر أم العروبة»، «إحنا اللى بناخد كل مشاكل الأمة العربية فى حضننا» و«إحنا اللى بندفع الثمن»، «إحنا الأفضل والأحسن»، «مصر الدولة العربية الوحيدة التى حصلت على جائزة نوبل»، «مصر الدولة المتحضرة اللى شالت هم كل حد»، «الفن المصرى هو اللى بيلم كل الناس دى»، «عندنا أهم فنانين وأهم مثقفين»، «إحنا هوليود الشرق»، «إحنا الدور وإحنا المكانة»، «إحنا كل حاجة وهم ولا حاجة»، «إحنا ناس متحضرين جدا»، «مصر الوحيدة التى ذكرت فى القرآن»، «مصر هى أم الدنيا اللى أبوابها مفتوحة لكل الدنيا»، «إحنا مصر، إحنا الحضارة»، «كل العالم دى ما كانوش بنى آدمين»، «كان خيرنا عليهم»، «إيه الجزائر دى... إحنا نعرف الجزائر دى من حريمها»، «كل الكبار اللى فى الدول العربية كبار لأننا علمناهم»، «إحنا اللى حاربنا إسرائيل وانتصرنا عليها،» «لولا مصر كانت إسرائيل برطعت فى المنطقة من غير حد يوقفها عند حدها».
انتهت الاقتباسات المصرية، تعالوا نرى كيف كانت مثل هذه العبارات هادمة للهدف منها. بمتابعة موقع ال«بى بى سى» وموقع العربية نت، نجد كيف علق بعض العرب على الخطاب الدعائى الإعلامى المصرى الذى لا يأخذ فى اعتباره النتائج غير المقصودة لشعاراته. أحد العرب من الجزيرة العربية: «كل العرب مع الجزائر بسبب نظرة المصريين الاستعلائية، أنا بأكره مصر من كل قلبى لأنهم فاكرين العرب بدو وهمج وهم المتحضرين مع أنهم شحاتين ونصابين»، شخص آخر: «يا ريت المصريين المغرورين يبطلو غرور وتعالى عالغير»، فيرد عليه مصرى قائلا: «إلى الأخ صاحب التعليق رقم كذا إن مصر ستظل أم الدنيا وقائدة العرب رغم أنف الجميع ومين اللى قال لك إن مصر فى زيل الأمم هو مين العرب؟ هم مصر. وكانت وستظل إن شاء الله عالية بأبنائها العلماء والمثقفين ويروح واحد يجى عشرة هو مين مشرف العرب غير مصر؟»
التذكرة بما كتب فى الماضى الهدف منه فقط أن نعى أننا لا نريد تكرار أخطائه. نريد أن تمر مباراة اليوم بود ومحبة، وليفز من يفوز، وليخسر من يخسر. هى فى النهاية لعبة، وما بيننا وبين أشقائنا من دول عربية أبقى وأهم وأنفع.