ارتفاع الأسهم الأوربية وسط تفاؤل بمصير الفائدة الأمريكية    محافظ مطروح: استقبلنا 3.3 ألف طن قمح بصومعة الحمام    مصدر رفيع المستوى: الوفد المصري يكثف اتصالاته لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وحماس    خبير تحكيمي: مستوى البنا في تراجع شديد.. وسموحة يستحق ركلة جزاء أمام الزمالك    بعد مشاركة وسام أساسيا في المباريات السابقة .. هل سيعود محمود كهربا لقيادة هجوم الأهلى أمام الاتحاد السكندري ؟    قبل أولمبياد باريس.. زياد السيسي يتوج بذهبية الجائزة الكبرى ل السلاح    محافظ المنوفية يعلن جاهزية المراكز التكنولوجية لبدء تلقى طلبات التصالح غدا الثلاثاء    محافظ الغربية يتابع استمرار الأعمال بمشروع محطة إنتاج البيض بكفر الشيخ سليم    ارتفاع الأسهم الأوروبية بقيادة قطاع الطاقة وتجدد آمال خفض الفائدة    وزير فلسطيني: مكافحة الفساد مهمة تشاركية لمختلف قطاعات المجتمع    من يعيد عقارب الساعة قبل قصف معبر كرم أبو سالم؟    ماكرون يؤكد ضرورة الحوار الصيني الأوروبي أكثر من أي وقت مضى    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    بالأرقام والتفاصيل.. خطة لتحويل "مناخ" بورسعيد إلى حي أخضر    وزير الرياضة: 7 معسكرات للشباب تستعد للدخول للخدمة قريبا    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج عن القانون    كشف ملابسات مقتل عامل بأحد المطاعم في مدينة نصر    طلاب مدرسة «ابدأ» للذكاء الاصطناعي يرون تجاربهم الناجحة    6 عروض مسرحية مجانية في روض الفرج بالموسم الحالي لقصور الثقافة    «شقو» يحقق 62 مليون جنيه إيرادات في شباك التذاكر    ماجدة الصباحي.. نالت التحية العسكرية بسبب دور «جميلة»    بالفيديو.. مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية: شم النسيم عيد مصري بعادات وتقاليد متوارثة منذ آلاف السنين    وفاة شقيق الفنان الراحل محمود ياسين.. ورانيا ياسين تنعيه: مع السلامة عمي الغالي    «المستشفيات التعليمية» تناقش أحدث أساليب زراعة الكلى بالمؤتمر السنوى لمعهد الكلى    استشاري تغذية ينصح بتناول الفسيخ والرنجة لهذه الأسباب    لاعب نهضة بركان: حظوظنا متساوية مع الزمالك.. ولا يجب الاستهانة به    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    بعد نفي علماء الآثار نزول سيدنا موسى في مصر.. هل تتعارض النصوص الدينية مع العلم؟    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    انتصار السيسي: عيد شم النسيم يأتي كل عام حاملا البهجة والأمل    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    إصابة 7 أشخاص في تصادم سيارتين بأسيوط    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة مواجهة الاتحاد السكندرى    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    طقس إيداع الخميرة المقدسة للميرون الجديد بدير الأنبا بيشوي |صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    نصائح لمرضى الضغط لتناول الأسماك المملحة بأمان    طريقة عمل سلطة الرنجة في شم النسيم    نيويورك تايمز: المفاوضات بين إسرائيل وحماس وصلت إلى طريق مسدود    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاد المعلم أن يموت (محسورًا)
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 10 - 2011


بدأ العام الدراسى بدون معلم

«الحق معنا.. والحقيقة نعرفها.. وإننا لمنتصرون»

بتلك الثقة وهذا الحماس بدأ المعلمون اضرابهم، كما أوضحوا فى بيان نقابتهم المستقلة، وبتجاهل ورد فعل غير مساو للإضراب، تعاملت وزارة التربية والتعليم مع المحتجين على أنهم أقلية، وأصدر الوزير توجيهات للمديريات التعليمية، بالاستعانة بالموجهين ومدرسى المتابعة بالإدارات والإخصائيين الاجتماعيين والتربويين، لسد عجز هيئات التدريس بالمدارس.

ما لا تدركه الوزارة أنه لا مجال للعناد عندما يطالب الإنسان بحقه فى حياة كريمة، واصل المعلمون إضرابهم للأسبوع الثانى، وأصبح الطالب وحده هو المتضرر فى صراع غير منطقى بين وزارة تستخف بطلبات تابعيها، فتراهم حسب وصف الوزير أحمد جمال الدين موسى «أقلية تستهدف إثارة البلبلة»، وترد على صراخهم أمام مجلس الوزراء بمقولة «دعهم ينبحون»، كما ورد على لسان أحد مسئولى الوزارة، وبين معلمين فقدوا القدرة على العطاء لأن أغلبهم تحول إلى متسولين والباقى مستغلين.

يوم 23 فى الشهر، يوم مميز جدا عند موظفى الدولة ومنهم المعلمون، فهو بلغتهم يوم «القبض»، الذى تبدأ الحسابات فيه بالورقة والقلم منذ الصباح الباكر، وعند الاستاذ منير كان الحساب معقدا.

على ظهر ورقة صغيرة من النتيجة حملت تاريخ 12 يناير 2010، «بالمصادفة كان تاريخ تطبيق نظام الكادر عليه بعد نجاحه فى الامتحانات»، بدأ يكتب: 500 جنيه باقى حساب غرفة نوم مها، و500 جنيه مصروف البيت «مؤقتا»، و400 جنيه الايجار، و350 جنيها دروس محمد، و300 جنيه جمعية مدام هناء.

ترك الاستاذ منير خانة المجموع فارغة، كما تنازل عن عدة بنود منها نثريات لابنته العروس من ملابس وأدوات مطبخ وخلافه، وتراجع أيضا عن كتابة بعض متعلقات دروس الثانوية العامة لابنه محمد مثل الكتب الخارجية والأوراق.

«مش هاحسب غير لما تبقى الفلوس فى ايدى»، هكذا قال لنفسه، واقتنع بأن مكافأة الامتحانات التى يقبضها كل عام فى شهر أغسطس، مضافا اليها 200% حوافز أعلنت الحكومة عن منحها للعاملين بالدولة، ستشكل فرقا فى المرتب يمكن ان يحل مشكلات كثيرة.

الأستاذ منير مدرس تاريخ منذ 30 عاما بإحدى مدارس غمرة، ولأن طبيعة مادة التاريخ لا تجعلها من المواد التى يبدأ الطلاب دروسها الخصوصية قبل شهر من بدء العام الدراسى، كاللغة الانجليزية أو الكيمياء مثلا، فإنه يعتمد بشكل أساسى فى معظم أيام السنة على راتب الحكومة.



الحافز هو الكادر

فى العاشرة صباحا توجه الأستاذ منير إلى الخزينة، وبابتسامة عريضة وآمال طلت من عينيه، حيا زميله موظف الصرف «صباحك زى الفل يا ابو على»، فكر ان يسأله عن الزيادة لكن رغبته فى الاستمتاع بالمفاجأة جعلته يتراجع.

«كام؟!» بذهول قرأ الرقم فى كشف الرواتب، وبانزعاج قال «دا المرتب زى ما هو»، وأجاب الموظف بإيماءة روتينية توحى بأنه جاوب على السؤال ذاته عدة مرات سابقة.

«أمال فين...؟».

قاطعه حسن موظف الخزانة قائلا «ال 200% مش هيتطبقوا عليكم لأنكم بتقبضوا كادر، لكن الوزير طلع قرار بإن الحافز هيكون بنسبة حسب درجة كل مدرس، يعنى بالنسبة ليك معلم أول «أ»، هتزيد 25 % على الراتب الأساسى، والمعلم الأول هيزيد 50 % والمعلم بس 75 %».

لم تكن صدمة الاستاذ منير من مساواته بالمعلم حديث التعيين فقط «ما هو لما نحسبها هنلاقى ان النسبة اللى هناخدها على الاساسى هتخلينا متساويين»، لكن الفرحة التى غمرت وجه زوجته عند سماعها خبر الزيادة، وورقة الطلبات التى كتبها محمد ابنه عشما فى الحافز، لم تفارق ذهنه.

عودته اليهما بخيبة أمل وبنفس الراتب كانت ثقيلة.

كانت الحسبة بسيطة جدا.

راتب الأستاذ منير الأساسى بعد 30 سنة شغل، لا يتعدى 450 جنيها.

الزيادة التى حسبها بعد الحافز 900 جنيه تقريبا، ليصل صافى ما يتقاضاه إلى 2000 جنيه.

«وهو حتى المبلغ ده يعمل ايه، يجوز البنت ولا يعلم الولد ويساعده يدخل كلية محترمة ويجهز نفسه، ولا نعيش منه أنا ومراتى».

هرب من سؤال زملائه المتجهين نحو الخزينة، ودخل الفصل ليخفف من غضبه منفردا.

على السبورة فاجأه لفظ خارج كتبه أحد الطلاب فى حق أستاذه، وبحركات سريعة بحث حوله عن ممسحة ليمحو بها آثار تلك الاهانة، وعندما لم يجدها ضحك بسخرية.

تذكر أنه كمدرس يشترى كل مستلزمات الفصل على حسابه، الطباشير والممسحة. «حتى السبورة اشتريناها على حسابنا، أصل الادارة مش ملزمة توفر لنا السبورة الجديدة عشان ترحمنا من أمراض الصدر اللى بيعملها الطباشير».

نظر إلى المقاعد الخالية من الطلاب والمتهالكة من كثرة اللعب والخناق عليها، واسترجع مشهدا رآه بالمصادفة ذات يوم أثناء مروره بالدور، ألقى فيه أحد الطلاب الكتاب فى وجه مدرسه، لأنه حاول طرده خارج الفصل لكثرة شغبه.

«يومها الاستاذ على مدرس الرياضيات ضرب الطالب، وفى اليوم الثانى كان مضطرا للاعتذار له عشان ولى أمره اشتكاه فى الادارة وكان عنده واسطة كبيرة».

عندها أدرك الاستاذ منير أن دخوله الفصل لم يخفف عنه، بل زاده حزنا وضيقا. قرر الرحيل.

الطريق من المدرسة إلى البيت كان طويلا تلك المرة. مرت خلاله السنوات برأس الأستاذ منذ تم تعيينه بالوزارة عام 1982. «وقتها كان التعليم مختلفا، كان المدرس له هيبة، لما يشوفه ولى الأمر فى الشارع يجرى يسلم عليه، وكان الطالب بيحس بفضل الاستاذ، وكنت لما أدخل بيت أخطب عروسا يبقى كأن زارهم نبى».


مهانة الكادر

اقتحمت عليه خلوته مع ذكريات الثمانينيات فجأة عام 2009، صورته فى الفصل أمام ورقة امتحان الكادر لم تفارقه من يومها.

الامتحان كان صعبا، خصوصا وأنه تم اختباره فى قواعد اللغة العربية التى لم يستخدمها يوما فى عمله، كما تم اختباره «تربويا» رغم انه خريج كلية الآداب وليس التربية.

شعور بالاهانة وعدم التقدير انتابه لفترة طويلة عقب امتحانات الكادر، ورغبة شديدة فى الاستقالة منعته منها ظروف البلد «هو حد لاقى شغل»، وزواج ابنته الكبرى.

لم يستطع التخلص من مشاعره السلبية حتى بعد أن ظهرت نتيجة الامتحانات التى تحددت على أساسها الزيادة فى الراتب والتى تراوحت بين 50% و125% على الراتب الاساسى، «الكبير اللى باقى له سنتين على المعاش هو اللى زاد بنسبة 125%».

معظم المعلمين اعتبروا ان امتحانات الكادر مهانة، «امتحنونا زى الاطفال بعد خدمة 30 سنة»، لكنهم اضطروا اليها من أجل زيادة لا تذكر.

« ما تروح مدرسة هشام صاحبك»، هكذا اقترحت عليه زوجته وقتها، ورد عليها مستنكرا «دى مدرسة خاصة».

لم يرد فى تفكير الاستاذ أن يلتحق بالعمل فى مدرسة خاصة يوما، «المدرسين فى المدارس الخاصة زى الأنفار، معاملة سيئة وشغل كتير ومرتب عادى، واللى مش عاجبه الباب يفوت جمل».

سألته عن الفرق بينها وبين مدرسته الحكومية فقال «الفرق ان المدارس الخاصة بتعين 10 مدرسين بس والباقى مؤقتين وغالبا بتغيرهم كل سنة عشان ماتلتزمش تجاههم بأى حاجة».

أما المدارس الاستثمارية فوضعها مختلف، «بيجيبوا المدرسين الاجانب يحاسبوهم بالدولار ويعاملوهم معاملة الخبراء، ما هى كده بتيجى على المصرى ابن البلد وتقف».

«أمال فين النقابة؟». سألته ابنته ذات يوم، معبرة عن اندهاشها من تردى أوضاعهم دون أن يطالب بتحسينها أحد.

«النقابة متواطئة»، باختصار أجاب عليها، لأن الوزارة من وجهة نظره تدير النقابة وتتحكم فى نقيبها، وتمنحها أموالا مهولة من راتب المعلمين تصل إلى أكثر من 100 مليون جنيه سنويا بواقع 1% من راتب كل معلم شهريا، لن تقف فى وجه «ولى نعمتها»، لتطالب بحق المعلم فى حياة كريمة ومنظومة تعليمية محترمة.

قطع عليه تفكيره نداء سائق الميكروباص على محطة وصوله، قرر أن يجلس على القهوة القريبة من منزله قبل أن يواجه من بالبيت بالخبر الحزين، عندما دق هاتف تليفونه المحمول ليجد المتصل زميله الاستاذ أحمد الوكيل.


الإضراب مشروع

« المسألة كده زادت عن حدها أوى» فى نظر أحمد الوكيل، «احنا هنسكت لغاية امتى، لحد ما نشحت، الشغل بقى مقرف واليوم كله قلة قيمة من أوله لآخره، من المدير للطالب، احنا لو سكتنا يبقى نقعد فى بيوتنا احسن».

كانت ثورة غضبه شديدة، وانفعل معها الاستاذ منير قائلا «عندك حق، طيب ايه العمل»، فأخبره بأن أغلب المعلمين على مستوى الجمهورية، اتفقوا مع النقابة المستقلة على تنظيم وقفة احتجاجية كبيرة أمام مجلس الوزراء فى 10 سبتمبر، والاعلان عن اضراب شامل عن العمل بدءا من أول العام الدراسى، اذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم.

وافق الاستاذ منير بدون تردد، واعطاه ذلك القرار حماسا كبيرا وقدرة على مواجهة زوجته التى كانت تسأله دائما «وساكتين ليه عا الأوضاع دى»، ولم يجد الاجابة قبل ذلك أبدا.

«يمكن يكون قرار الاضراب صعب لكن الوزارة قفلت فى وشنا كل الابواب»، هكذا برر لها انضمامه، وعاد يردد على مسامعها الأزمات والضغوط التى يتعرض لها هو وزملاؤه من أبناء المهنة.

« الدرجات المالية موقوفة من 2009 بحجة تنظيم العمل بالكادر، وقلة التعيينات بتضغط جدول حصص المدرس، غير الكثافة العالية للطلبة فى الفصل، ومدة الحصة القصيرة اللى مش بيلحق يعمل فيها المطلوب منه، والاهانة اللى بيتعرض لها تحت شعار الطالب دايما على حق».

وبحرقة شديدة قال «الحال وصل بينا لدرجة تحولنا لبوابين، المدرس مننا بياخد 4 حصص أمن يقعد على بوابة المدرسة لحراسة الباب، هو ده المعلم ومربى الاجيال؟!».

أكدت له زوجته ان الناس لن تتعاطف مع المدرس اذا تعارضت مصلحته مع مصالح ابنائها، «خصوصا ان كل بيت بيدفع الشئ الفلانى فى الدروس الخصوصية وده بيديهم فكرة ان المدرس مليونير».

اتفق مع كلامها لكنه نقل لها رغبة عدد كبير من المدرسين فى انتهاء مهزلة الدروس الخصوصية بقوله « نفسنا دخلنا يتحسن بدون دروس، وعشان كده اتفقنا ان اول مجلس شعب محترم ييجى فى مصر لازم يصدر قانون تجريم الدروس الخصوصية».

وقف الاستاذ أمام مجلس الوزراء مع زملائه ولم تأت استجابة، فشارك فى الاضراب الذى دخل اسبوعه الثانى دون نتيجة حقيقية، فقرر المشاركة فى «مليونية المعلم» أمام مجلس الوزراء.


فى المليونية

أمام مجلس الوزراء آلاف المعلمين ينادون على وزير التعليم «بتهينوا المعلم ليه..حسنى راجع ولا ايه»، يؤكدون أن مخطط النظام الساقط فى إفساد التعليم مازال مستمرا، وأن بشائر الثورة لم تهب بعد على تلك الوزارة، «مليارات مليارات والمعلم بقى شحات».

تعرف الاستاذ منير أثناء المشاركة على زملاء جدد من حلوان والغربية والسويس ومحافظات مختلفة، كان الكل يؤكد أن وقفتهم ليست من أجل المال فقط كما يصورها الاعلام على حد تعبيرهم، وقفتهم لإصلاح التعليم.

الاستاذ ياسين وكيل مدرسة ومدرس لغة عربية حكى له كيف رفض منصب ناظر المدرسة لأنه سيدفعه للتحايل بطرق غير قانونية لتحسين دخله، «يا اما هاخد من الكانتين، أو المدرسين يلمولى، أو يجاملونى، او استنى مكافأة كل فين وفين».

وجد ان العمل بالطباشير على السبورة احسن من مقعد الناظر، رغم أنه يبلغ من العمر 57 عاما، « لكن كده هاقدر أدى مجموعة أو درس يسندوا الزير، أنا عندى 3 عيال فى التعليم».

الأستاذ عبدالكريم مدرس كيمياء، رفع لافتة بأهم مطالب المعلمين: الحفاظ على كرامة المعلم، وانتهاء الإرهاب الإدارى، والثانوية العامة سنة واحدة، وتجريم الدروس الخصوصية، وتحسين دخل المعلم.

ابتسامة بسيطة على وجه الاستاذ منير بعد قراءة المطالب، جعلت صاحب اللافتة يسأله «معترض على أى طلب من دول يا أستاذنا؟».

الإرهاب الادارى هو ما أضحك الاستاذ. تذكر يوما طلب فيه مدير المدرسة من زميل له حديث التعيين أن يخرج ليشترى له ساندوتشات فول وطعمية، وعندما رفض الشاب هدده بالخصم أو النقل.

«التكليف بمراقبة الامتحانات مكتوب عليه عبارة هذا التكليف واجب قومى، وفى نهاية الورقة مكتوب من تخلف تطبق عليه القواعد والأحكام»، يضرب الاستاذ عبدالكريم مثالا للارهاب الادارى، معتبرا أن الوزارة تتبع اسلوب التهديد والوعيد مع المعلمين بشكل مستفز لا يقبله أحد.


الدرس فى الحصة

المحور العام الذى ربط بين كل الحوارات الدائرة بين المعلمين فى الوقفة كان « المدارس ضاعت».

الاستاذ محمود مدرس الرياضيات قال «فى الثانوى الطالب ما بيعرفش المدرسة ولا يحتاجها، وفى اعدادى المدرسة مملة والمدرس مجهد من الدروس الخصوصية وما عندوش وقت يشرح، وفى ابتدائى بيضغط على الطلبة عشان المجموعات أو الدروس».

تجزم الاستاذة هدى مدرسة المكتبة أن الدرس الخصوصى يكون داخل الحصة فى بعض المدارس الابتدائية. «المدرس بيجمع الطلبة اللى معاه فى الدرس على جنب والباقى بيديهم تمرين يحلوه لغاية ما يخلص درسه». يقاطعها الاستاذ عبدالكريم قائلا «هو بعد ما يتقفل الباب على المدرس والطلبة يبقى مفيش رقيب عليه غير ربنا، والمدرس اللى يعمل كده مايستحقش لقب معلم». «شوف وصلوا بالمدرس لحد فين، دى أشكال ناس تقدر تربى أجيال»، صوت الاستاذ محمود، جعل المجموعة الواقفة بجوار الاستاذ منير تلقى نظرة سريعة حولها.

على الرصيف بقمصان بيضاء وبنطلونات متهالكة رمادية اللون من اختلاط تراب الرصيف بلونها الاسود. آخرون بتى شيرتات تبدو قديمة، تختلط على وجوههم علامات الاكتئاب والارهاق، ولوهلة يصعب التفريق بينهم وبين الباعة المتجولين الذين انتشروا فى المكان.

اختتم المشهد بلافتة بدأ يكتبها أحد المعلمين تقول «مطلوب بدل هندام (بدلة)»، وتعليق من أحد الواقفين بجواره «زى الزبالين والكمسارية»، ليتأكد الاستاذ منير أن الصورة أصبحت سوداء للغاية.


مضروبًا أو مشتومًا.. محروقًا أو مقتولا

تقرير أعده المركز المصرى لحقوق الإنسان عن الشهر الأول للعام الدراسى 2010 2011، رصد 15 حالة اعتداء وعنف ضد المدرسين والمديرين والنظار من قبل أولياء الأمور، تباينت ما بين الضرب بالأيدى، أو الشبشب، أو تكسير المكتب، أو السب اللفظى والإهانة أمام التلاميذ، أو اقتحام المدرسة للانتقام بسبب ضرب تلميذ، أو منع دخوله المدرسة.

حدد التقرير 7 حالات توضح عنف الطلاب تجاه مدرسيهم، وتنوعت أساليب العنف ما بين إلقاء زجاجة ملوتوف على مدرس للانتقام منه، أو الاعتداء عليه بمطواة، أو سب الدين له، والاعتداء بالأيدى، أو صفع المدرس، أو الضرب، بل وصل الأمر إلى الشروع فى قتل المدرس بحسب التقرير.

التقرير الربع سنوى الأول عن ظاهرة العنف المدرسى الذى أعده مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية، فى الفترة من يناير مارس 2009، وصف المدرسة فى المجتمع المصرى بأنها أصبحت مستباحة، عندما تطورت العلاقة فيها بين المعلم والطالب إلى ما يشبه حلبة الصراع. كما أكد أن مثول المعلمين مجرمين أمام القضاء، أسقط هيبة المدرس.

وحدد التقرير نوعا جديدا من حالة العنف داخل المدارس، وفقا للحالات التى يتعرض فيها عناصر المؤسسة التعليمية للعنف من عناصر خارجها لكن داخل أسوارها، «ما يؤكد ذلك أن هناك وقائع حديثة فى بعض المدارس المصرية تشهد دخول عناصر من خارج المدرسة (أهالى لبعض الطلاب الدارسين بالمدرسة) للاعتداء على عدد من عناصر المدرسة كالطلاب أو المعلمين والقائمين على المدرسة.

وكانت دراسة حقوقية أجراها «المركز المصرى للحق فى التعليم» 2007 أكدت أن المدارس المصرية تعانى من العنف منذ السبعينيات، خاصة فى الأحياء الفقيرة والقرى والصعيد، وأنها كانت تمد جماعات العنف الدينى برصيد هائل من أعضائها، كما كانت هذه المدارس نفسها مكانا ملائما لحوادث عنف بين الطلبة والمدرسين.

وأرجعت الدراسة حالات العنف بالمدارس إلى ثمانية أسباب هى: الاعتماد على التلقين كوسيلة وحيدة لتوصيل المعلومة، ولجوء المدرسين للعقاب البدنى، وإساءة المعاملة للسيطرة على الطلاب، وضعف الرقابة الحكومية على التعليم، إلى جانب الكثافة العالية للفصول، وعدم وجود أنشطة مدرسية لقصر مدة اليوم الدراسى، بسبب عمل المدارس أكثر من فترة فى اليوم الواحد.


دراسة ميدانية في المدارس أجراها فريق بحثي من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية:

%20هو ما تنفقه الأسرة المصرية من دخلها على التعليم، خاصة الدروس الخصوصية، بالاضافة إلى باقى أوجه التعليم كالرسوم المدرسية، ومصروفات الكتب، والأدوات المدرسية، والمواصلات وغيرها.

%51هى نسبة الطلاب الفقراء الذين يلجأون للدروس الخصوصية ومجموعات التقوية.

%63نسبة الطلاب من الطبقة المتوسطة.

%60حجم انفاق الفقراء على الدروس الخصوصية من إجمالى انفاقهم على التعليم.

%35نسبة انفاق الأغنياء.

%44هى نسبة الاسر التى تلجأ للدروس الخصوصية بسبب وجود قصور فى أداء المدرسة، أو ضعف مستوى التلاميذ فى القدرة على الاستيعاب.

%37كانت بسبب التطلع إلى درجات أعلى للأبناء.

%30بسبب وجود ضغط من المدرس.

%36من الأسر المصرية لا تلجأ إلى الدروس الخصوصية بسبب عدم قدرتها المادية وليس الموقف المبدئى من الدروس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.