عندما ذهب الجزء الأكبر من الجماعة الإسلامية الطلابية للانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين برروا لرفقائهم من السلفيين هذا الاندماج بأنهم ذهبوا بمنهجهم السلفى ليصلحوا الإخوان ويطهروهم من «الدخن» وأبدى هؤلاء إعجابهم بالرموز المحافظة فى جماعة الإخوان المسلمين والتى تميل للسلفية مثل كمال السنانيرى ومصطفى مشهور الذين لولاهم لما دخلوا جماعة الإخوان على حد تعبير عبدالمنعم أبوالفتوح فى شهادته على ذلك العصر فى البداية اقتربوا من المحافظين الذين كانوا يعون جيدا المكونات الفكرية لهذا الجيل فأخذوا يقتدون بالهدى الظاهر وارتدوا الجلباب وأعفوا اللحى لا عن اقتناع منهم بل ترويضا للجيل الجديد والذين استقبلوه باسطين أذرعهم له. رويدا رويدا بدأ هذا الإصلاح يتغير لينتقل من السلفية إلى تخوم الليبرالية الإسلامية متأثرين بشدة بشخصية عمر التلمسانى المرشد الثالث للجماعة الذى كانوا من قبل يرفضونه بشدة كونه كان يميل للتصوف ولا يتشدد فى الأمور الفقهية ثم تحولت الديمقراطية سريعا من مفهوم غربى كافر إلى مفهوم إسلامى مشروط بألا يخالف شرع الله وبالحرية مضافا إليها نفس القيد ثم بدأ هذا القيد والشرط يتلاشى من خطابهم بعد ذلك. كان رفقاؤهم السلفيون يرصدون تحولات خطابهم فهاجموا إصلاحيى الإخوان متهمين إياهم بأنهم من تسبب فى أخذ جماعة الإخوان بعيدا عن التسلف وبأنهم تسببوا فى الانقلاب على أمور كان موقف الجماعة فيها غاية فى الوضوح كموقفهم من مشاركة المرأة فى الانتخابات والذى كانوا يرفضون مشاركتهم فيها كنائبه ثم تحول إلى موافقتهم على دخولها فيه كمرشحه ثم الموافقة أخيرا على جواز توليها منصب رئاسة الجمهورية. كما هال السكندريون ما فعلته زوجة القيادى الإصلاحى إبراهيم الزعفرانى فى الانتخابات البرلمانية وخلعها النقاب من أجل إعداد ملصقات الإعلانات وغضبوا بشدة من زيارة أبوالفتوح لنجيب محفوظ ومطالبته بإعادة نشر الرواية كما نال عصام العريان قسطا من الهجوم. وفى أزمة جماعة الإخوان المسلمين الأخيرة «عدم تصعيد العريان لمكتب الإرشاد وما تبعها من استقالة المرشد السابق محمد مهدى عاكف» رحب السلفيون بشكل واضح وصريح بما سموه هم أنفسهم «بالإقصاءات لما يطلق عليهم بالإصلاحيين داخل جماعة الإخوان المسلمين» فياسر برهامى يقول فى محاضرة له «إن إقصاء ما يسمى بالتيار الإصلاحى هو من مصلحة الجماعة ومصلحة الدعوة» وذلك برأيه لأن «الاصلاحيين قالوا من المنكرات ما يجعلهم لا يصدرون فى المسلمين فهم يقبلون بالعلمانية كما يريدها أهل العلمانية». ودعا عبدالمنعم الشحات إلى ابتعاد الجيل السبعينى من صدارة المشهد ومن سدة القيادة لأنه أصبح عبئا على جماعة الإخوان المسلمين ومسببا للحرج البالغ لكوادر الجماعة فضلا عن رموزها ثم دعا بشكل واضح وصريح إلى عودة الإصلاحيين إلى جذورهم السلفية وإذا كان هذا المطلب بعيدا فلا أقل من أن يبقوا مع إخوانهم من المحافظين ولو من باب إعطاء الفرصة واتهمهم الشحات بأن فى عهدهم تأخرت دعوة الإخوان وشوهت دون أن يقدموا لدعوتهم أى نجاح يذكر حتى انفجر بركان الغضب أخيرا فلا أقل من يتركون الفرصة للجناح الآخر أن يقود الدفة. قوبل هذا التضامن والتآذر من قبل السلفيين تجاه إخوانهم محافظى الإخوان بغزل صريح من رموز التيار المحافظ ودعاته فوجدى غنيم يدافع عن سلفيى الإسكندرية ولا يرى سوى فروق بسيطة بين المنهجين ويتبنى الرجل تقريبا المنهج السلفى السكندرى ويتوافق موقفه من الديمقراطية وامتدت حالة الغزل للتيار السكندرى لقيادات اخوانية توصف بالسلفية كجمعة أمين ومحمود غزلان وعبدالرحمن البر. وفى ظل هيمنة التيار المحافظ على جماعة الإخوان وتراجع التيار الإصلاحى فيها يقترب سلفيو الإسكندرية بشدة من الجماعة وتمثل ذلك فى إعلان التيار بشكل صريح فى اصطفافه خلف الجماعة للعبور بالدستور إلى بر الأمان والحفاظ على هوية الدولة الإسلامية فى مواجهة التيارات العلمانية والليبرالية وتظل هذه المعادلة قائمة كلما استمرت سيطرة المحافظين على أعصاب جماعة الإخوان المسلمين كلما تعالت مؤشرات التحالف بينها وبين التيار السلفى والعكس صحيح.