«العلاج الطبيعي»: غلق 45 أكاديمية وهمية خلال الفترة الماضية    محمد علي السيد يكتب: دروب الحج ..سيدي أبوالحسن الشاذلي 93    محافظ المنيا يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى    الإسعاف تعلن خطة تأمين احتفالات عيد الأضحى والعائدين من الحج    وزير المالية الأسبق: أؤيد تدخل الدولة لضبط الأسعار وحماية المستهلك من جشع التجار    ذبح الأضاحي مجاناً بكفر الشيخ خلال عيد الأضحى المبارك    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: ميزانية الصحة والتعليم اختيار وليس قلة موارد    وزير المالية الأسبق: مفهوم التنمية يتجاوز مجرد استغلال الموارد الاقتصادية    وزير المالية الأسبق: كل مواطن يستفيد من خدمات الدولة لابد أن يدفع ضريبة    إصابة 8 فلسطينيين خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم الأمعري بالضفة    ألمانيا تحقق أكبر فوز في تاريخ مباريات افتتاح أمم أوروبا    جيش الاحتلال يستعد للهجوم على لبنان.. وإسرائيل تدرس العواقب    بيسكوف: مقترح بوتين للتسوية غير محدد زمنيا لكن الوضع فى الجبهة يتغير    الصحة العالمية قلقة بشأن الأزمة الصحية المتزايدة في الضفة الغربية    السعودية: تطبيق 32 تقنية حديثة في حج هذا العام    واشنطن تقرر نقل الرصيف العائم مؤقتا من غزة إلى أسدود    يورو 2024.. صدام بين إسبانيا وكرواتيا.. وحاملة اللقب تفتتح مشوارها    محمد شريف: كولر رفض رحيلي عن الأهلي    بعد تدخل المحامي السويسري.. فيفا ينصف الإسماعيلي في قضية سعدو    كاف يعتمد دورات تدريبية في مصر لرخص المدربين    كرة سلة - سيف سمير يكشف حقيقة عدم مصافحته لمصيلحي    ملف يلا كورة.. الأهلي يقفز 5 مراكز.. مصير موديست وسامسون.. وتطورات صفقة بلعيد    ذروة الموجه الحارة.. تحذيرات من الأرصاد الجوية حول طقس وقفة عيد الأضحى    رئيس بعثة حج الجمعيات الأهلية يكشف الحالة الصحية لضيوف الرحمن بعد تصعيدهم لعرفات    اندلاع حريق داخل مخزن كرتون فى فيصل والإطفاء تحاول إخماده    الأوقاف: صلاة عيد الأضحى بجميع المساجد الكبرى والساحات المختلفة    أخبار × 24 ساعة.. بداية صرف الخبز المدعم للمصطافين بالمحافظات الساحلية اليوم    مصرع طالبين غرقا في نهر النيل بقرية الديسمي في الصف بالجيزة    طه دسوقى وعصام عمر يشاركان صورا من بداية تصوير فيلم سيكو سيكو    «مفيش ممنوع» يجمع لطيفة مع كاظم الساهر    «إللي حصل فيه مش قليل».. رد ناري من شوبير على رفض أحمد الطيب المصالحة معه    عمرو سعد يشارك في دراما رمضان 2025 بتوقيع محمد سامي    على الحجار: صلاح عبد الله كتبلى أغنيتين ولم يأخذ أجرهما واعتبرهما إهداء لى    لا تفوت هذا الدعاء في يوم عرفة.. ردده بين العصر والمغرب وانتظر الاستجابة    أعراض التهاب مفاصل الركبة وطرق علاجها المختلفة    طريقة عمل لحمة الرأس مثل الجاهزة.. اعرف أسرار المطاعم    الفتة والرقاق والممبار.. أشهر أكلات المنايفة في عيد الأضحى    «البحوث الإسلامية» يوضح أفضل كلمات دعاء فجر يوم عرفة: احرص عليها    يوم عرفة 2024.. أفضل الأعمال المستحبة وخير الدعاء المستجاب وكيفية اغتنامه    مدير المسرح القومي: الحضور يكون كامل العدد في الأعياد.. وعروضنا ترسم البهجة    لطيفة تتحدث عن وفاة والدتها لأول مرة    الأرصاد تحذر من طقس اليوم السبت 15 يونيو.. وتوجه نصائح هامة للمواطنين    حظك اليوم برج الأسد السبت 15-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء في بداية الأسبوع السبت 15 يونيو 2024    وفاة الكاتب السوري فؤاد حميرة نتيجة أزمة قلبية حادة    ارتفاع سعر الذهب اليوم بالسعودية وعيار 21 الآن السبت 15 يونيو 2024    عامر حسين: اختيار بيكهام أفضل لاعب بمباراة الزمالك وسيراميكا خطأ    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    عيار 21 يعود لسابق عهده في وقفة عرفات.. أسعار الذهب اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    إذا أردت ثواب يوم عرفة افعل هذه الأمور    مصرع طفلة وشقيقتها الرضيعة سقطتا من شرفة منزلهما بالشرقية    النصر يغري ريال مدريد ب 100 مليون لضم مدافعه    الإفتاء تؤكد: برُّ الوالدين أحد أسباب تكفير الذنوب    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك فى حفل تخرج الكلية المعمدانية    قد تسبب أمراض القلب، ما هي أضرار المشروبات الغازية على الجسم؟    6 سنوات على ميلاد تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين: مستمرون في النجاح والبناء    وكيل «الصحة» بمطروح: تطوير «رأس الحكمة المركزي» لتقديم خدمات طبية متميزة للمواطنين    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحداث رمضانية.. غزوة بدر الكبرى
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 08 - 2011

رمضان شهر البطولات والفتوحات، شهر التضحيات والتجليات، وفي هذا الشهر المبارك نصر الله المسلمين في غزوة بدر الكبرى على أعدائهم المشركين، وسَمَّى ذلك اليوم يوم الفرقان؛ لأنه سبحانه فرق فيه بين الحق والباطل بنصر رسوله والمؤمنين، وخذل الكفار المشركين، كان ذلك في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة.
سبب الغزوة
كان سبب هذه الغزوة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بلغه أن أبا سفيان قد توجه من الشام إلى مكة بِعِيرِ قريش، فدعا أصحابه إلى الخروج إليه لأخذ العير؛ لأن قريشاً حَرْبٌ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ليس بينه وبينهم عهد، وقد أخرجوهم من ديارهم وأموالهم وقاموا ضد دعوتهم -دعوة الحق- فكانوا مستحقين لما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بعيرهم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً على فرسين، وسبعين بعيراً يعتقبونها، منهم سبعون رجلاً من المهاجرين، والباقون من الأنصار، يقصدون العير لا يريدون الحرب، ولكن الله جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ويتم ما أراد، فإن أبا سفيان علم بهم فبعث صارخاً إلى قريش يستنجدهم ليحموا عيرهم وترك الطريق المعتادة، وسلك ساحل البحر فنجا.
أما قريش فإنهم لما جاءهم الصارخ خرجوا بأشرافهم عن بكرة أبيهم في نحو ألف رجل معهم مائة فرس وسبعمائة بعير؛ {بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} سورة الأنفال (47)، ومعهم القيان يغنين بهجاء المسلمين، فلما علم أبو سفيان بخروجهم بعث إليهم يخبرهم بنجاته ويشير عليهم بالرجوع وعدم الحرب، فأبوا ذلك، وقال أبو جهل: "والله لا نرجع حتى نبلغ بدراً ونقيم فيه ثلاثاً؛ ننحر الْجَزور، ونطعم الطعام ونسقي الخمر، وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً.
أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه لما علم بخروج قريش جمع من معه من الصحابة فاستشارهم ، فقام المقداد بن الأسود -وكان من المهاجرين- وقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله -عز وجل- فوالله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} سورة المائدة (24)، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك، وقام سعد بن معاذ الأنصاري -سيد الأوس- فقال: "يا رسول الله، لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت، وصِلْ حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالهم ما شئت، وأعطنا منها ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا فيه تبعاً لأمرك، فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البِرَك من غَمدان لنسيرن معك، ولئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك، وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غداً، إننا لصبر عند الحرب، صُدْقٌ عند اللقاء، ولعل الله يُرِيكَ منا ما تقر به عينك".
فَسُرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمع من كلام المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم-، وقال: «سيروا وأبشروا، فوالله لَكَأَنِّي أنظر إلى مصارع القوم» دلائل النبوة للبيهقي -874- (3/4). وصححه الألباني في فقه السيرة ص (223).
فسار النبي -صلى الله عليه وسلم- فنزل بالعدوة الدنيا مما يلي المدينة، وقريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة، وأنزل الله تلك الليلة مطراً، كان على المشركين وابلاً شديداً ووحلاً زلقاً يمنعهم من التقدم، وكان على المسلمين طَلّاً طهرهم ووطَّأ لهم الأرض، وشد الرمل ومهد المنزل، وثبت الأقدام.
وبنى المسلمون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عريشاً على تل مُشْرِف على ميدان الحرب، ثم نزل -صلى الله عليه وسلم- من العريش فسوَّى صفوف أصحابه، ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده إلى مصارع المشركين ومحلات قتلهم، يقول: «هذا مصرع فلان إن شاء الله، هذا مصرع فلان». فما جاوز أحد منهم موضع إشارته، رواه مسلم.
ثم نظر -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه وإلى قريش فقال: «اللهم هذه قريش جاءت بفخرها وخيلائها وخيلها تُحَادُّك وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تُعْبَد، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعْبَد»، رواه البخاري.
واستنصر المسلمون ربهم واستغاثوه فاستجاب لهم: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} سورة الأنفال (12-14).
ثم تقابل الجمعان، وحَمِيَ الوطيس واستدارت رَحَى الحرب، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العريش، ومعه أبو بكر وسعد بن معاذ يحرسانه، فما زال -صلى الله عليه وسلم- يناشد ربه ويستنصره ويستغيثه، فأغفى إغفاءة ثم خرج يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} سورة القمر (45). وحَرَّضَ أصحابه على القتال، وقال: «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقْتَل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة»"، فقام عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن فقال: يا رسول الله، جنةً عرضها السماوات والأرض ؟
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نعم». قال: بَخٍ بَخٍ يا رسول الله، ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟! لئن حَيِيتُ حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم ألقى التمرات، وقاتل حتى قُتِلَ -رضي الله عنه، رواه مسلم.
وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفاً من تراب أو حصا فرمى بها القوم فأصابت أعينهم، فما منهم واحد إلا ملأت عينه، وشُغِلوا بالتراب في أعينهم، إنها آيةً من آيات الله -عز وجل-. فهُزِمَ جمعُ المشركين وولوا الأدبار، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون فقتلوا سبعين رجلاً وأسروا سبعين، أما القتلى فأُلْقِيَ منهم أربعة وعشرون رجلاً من صناديدهم في قليب من قلبان بدر، منهم أبو جهل وشيبة بن ربيعة وأخوه عتبة وابنه الوليد بن عتبة.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استقبل الكعبة فدعا على هؤلاء الأربعة، قال: "فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمْ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا"، رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي طلحة -رضي الله عنه- أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: «يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ: أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» رواه البخاري.
مشاركة الملائكة:
وكانت الملائكة يومئذ تبادر المسلمين إلى قتل أعدائهم، قال ابن عباس –رضي الله عنهما- بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ» رواه مسلم.
وقال أبو داود المازني: إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري.
وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً، فقال العباس إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً ، على فرس أبلق ما أراه في القوم. فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله. فقال: «اسكت، فقد أيدك الله بملك كريم».
شهداء المسلمين:
واستشهد من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلاً: ستة من المهاجرين، وستة من الخزرج، واثنان من الأوس، وفرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم من شأن بدر والأسارى في شوال.
مع الأسرى:
وأما الأسرى فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- استشار الصحابة فيهم، وكان سعد بن معاذ –رضي الله عنه- قد ساءه أمرهم، وقال: كانت أول وقعة أوقعها الله في المشركين وكان الإثخان في الحرب أحب إلي من استبقاء الرجال.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان -يعني قريباً له- فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها"، وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: هم بنو العم والعشيرة، وأرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الفدية، فكان أكثرهم يفتدي بالمال من أربعة آلاف درهم إلى ألف درهم، ومنهم من افتدى بتعليم صبيان أهل المدينة الكتابة والقراءة، ومنهم من كان فداؤه إطلاق مأسور عند قريش من المسلمين، ومنهم من قتله النبي -صلى الله عليه وسلم- صبراً لشدة أذيته، ومنهم مَنْ مَنَّ عليه بدون فداء للمصلحة.
هذه هي غزوة بدر، انتصرت فيها فئة قليلة على فئة كثيرة: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} سورة آل عمران (13).
انتصرت الفئة القليلة؛ لأنها قائمة بدين الله تقاتل لإعلاء كلمته والدفاع عن دينه فنصرها الله -عز وجل-، فقوموا بدينكم أيها المسلمون لِتُنْصَروا على أعدائكم، واصبروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
آية محمدية:
لقد ظهرت آيات النبوة المحمدية في ذلك اليوم في عدد من المواقف العجيبة لا يتسع المقام لذكرها، لكن نذكر واحدة منها هنا، وهي: أنه لما كانت المعركة دائرة والقتال مستمراً كان سيف عكَّاشة بن محصن –رضي الله عنه- ينقطع من الضرب في يده، فاحتار كيف يقاتل! فأتى النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو في العريش –مركز القيادة- وشكا إليه انقطاع سيفه، فأعطاه النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- عوداً من حطب، وقال: "قاتل بهذا يا عكاشة".
فلما أخذه من يد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-هزَّه في يده فعاد سيفاً في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، وكان ذلك السيف يسمى: "العون"، وما زال مع عكاشة يقاتل به حتى قتل –رضي الله عنه- في حرب الردة على عهد أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-، فكان هذا السيف آية من آيات النبوة المحمدية القوية.
دروس وعبر من معركة بدر:
من النتائج والعبر التي استفيدت من هذه الغزوة ما يلي:
1- بيان تاريخ غزوة بدر، وأنها كانت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة، مما يدل على أن رمضان شهر العبادة والجهاد لا شهر الكسل والنوم.
2- العمل بمشروعية جزاء السيئة سيئة مثلها،إذ قريش طردت المؤمنين وصادرت أموالهم، فاعتراض عيرها لأخذ ما معها من أموال كان عدلاً لا ظلم فيه.
3- مشروعية الشورى وأنها من الواجبات الضرورية في كل ما يهم أمر المسلمين؛ لاستشارة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أصحابه في أمر قتال المشركين في بدر.
4- ضرورة استعمال الرأي والمكيدة في الحرب.
5- ظهور الآيات النبوية المحمدية المتمثلة في عدة مواقف كانقلاب العصا سيفاً لعكاشة، وحفنة الحصا التي رمى به النبي –صلى الله عليه وسلم- القوم فأصابت جيشاً فخبَّلته، وأصابته بالتمزق والهزيمة.
6- تقرير مبدأ لا موالاة بين الكافر والمؤمن؛ إذ قاتل الرجل ولده وقاتل أباه وقاتل ابن عمه في معركة بدر.
من موقع رمضانيات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.