خلال سبعة أشهر من الربيع العربى، تغلب قادة إسرائيل على الصدمة الأولى، والحيرة فى كيفية رد الفعل، وبدأوا فى اغتنام حالة عدم الوضوح الجديدة فى المنطقة. وعلى نحو متزايد، اتخذوا منها فرصة دبلوماسية للتأكيد على أهمية إسرائيل لدى أصدقائها التقليديين. وربما لا تروق للغرب سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما تشير بعض التقديرات، ولكن إسرائيل هى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى ستظل بالتأكيد دولة ديمقراطية موالية لأمريكا. وبهذا المنطق، ينبغى أن تكون الحليف المختار للغرب فى منطقة مضطربة. وهى رمية حظ بالنسة لدبلوماسية رجل يسيطر على السلطة كالسيد نتنياهو. غير أنه لم يدرك بعد الفرصة الكبرى ويستغلها، كما أنها فرصة لتفادى الفشل الدبلوماسى هذا الخريف عبر العمل مع الرئيس أوباما من أجل بحث السلام مع الفلسطينيين، فالمهلة الزمنية الباقية لذلك تتناقص بسرعة. ●●● وخلال معظم فترة الثلاثين عاما الفائتة، كان باستطاعة إسرائيل الركون إلى استقرار الحكومات الاستبدادية المجاورة وإمكانية التنبؤ بتصرفاتها. ففى ظل حسنى مبارك، حافظت مصر على اتفاقية السلام وعملت كحارس شخصى لإسرائيل. وبينما كانت الحكومة التى أسسها حافظ الأسد معادية، لم يكن يصدر عنها مفاجآت. واعتبرت إسرائيل أن أى تغير سياسى فى الجوار يمثل خطرا، لأنه قد يجلب إلى السلطة حركة إسلامية معادية. كما حدث فى إيران 1979. وفى السنوات الأخيرة، مع تقدم مبارك فى السن، وظهور قضية الخلافة، تردد الحديث بين المسئولين الإسرائيليين عن أن مصر بسبيلها لأن تصبح «إيران المجاورة». غير أن التوقعات لم تذهب بعيدا أبدا، لأن محللى الاستخبارات الإسرائيليين والخبراء الأكاديميين توقعوا انتقالا سلسا للسلطة. ●●● وفى يناير، صدمت هذه التوقعات بالانتفاضة التى أطاحت بمبارك. ومع امتداد الانتفاضة إلى بلدان أخرى، حدث فى إسرائيل ما يشبه الهلع. فزاد نتنياهو الإنفاق العسكرى، باعثا شعور اليأس الذى واكب حصارا قديما. ويبدو أن أصعب لحظة جاءت فى مايو، عندما صار واضحا أن سوريا تعيش انتفاضة متواصلة. وتساءل الإسرائيليون عمن قد يسيطر على صواريخ سوريا، وما إذا كان رئيسها بشار الأسد سوف يحاول تشتيت انتباه الاحتجاجات عبر استفزاز إسرائيل. وفى مايو ويونيو، سمح بالفعل للاجئين الفلسطينيين بمواجهة القوات الإسرائيلية عند نقاط الحدود. غير أن الحيلة فشلت. واستمر السوريون فى تسليط غضبهم على الرئيس الأسد. وكانت تلك نقطة تحول بالنسبة لإسرائيل. فمع تعثر الأسد، بدا أن تحالفات إيران الإقليمية تشهد ضعفا: الحركة الإسلامية حماس، المسيطرة الآن على غزة، تتباعد عن إيران وتتقارب مع مصر. وألمحت تركيا التى تجافى إسرائيل منذ عام إلى رغبتها فى التحول عن الأسد، والتقارب مع المعسكر الأمريكى. وحتى حزب الله، فى لبنان، كان حذرًا، فظل بعيدا عن المعركة فى سوريا. والأهم من ذلك، أن الحكام الانتقاليين فى القاهرة، التزموا بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وكانت دائما أكثر ما يسبب قلقا عميقا لإسرائيل. العزلة الدولية. واستشعر نتنياهو فرصة لكى تحطم حكومته عزلة دولية بسبب تعنتها مع الفلسطينيين. فتقارب مع تركيا. وبدأ حملة دبلوماسية لإحباط محاولة فلسطينية للحصول على اعتراف من الأممالمتحدة فى سبتمبر. وأقنع اليونان بعرقلة قافلة احتجاج كانت متجهة إلى غزة. غير أن النجاحات الدبلوماسية، مثلها مثل الانتصارات فى ميادين الحرب، يمكن أن تدفع أصحابها إلى التمادى. ●●● وعندما زار نتنياهو أمريكا فى مايو، اختار أن يخوض معركة مع أوباما بخصوص صيغة مقترحات السلام. وهو ما زاد شعبيته فى الداخل، وأعجب الجمهوريين فى أمريكا. ولكنها قد تكلف إسرائيل غاليا على المدى الطويل. وتحتاج أمريكا إلى إسرائيل، ولكن حاجة إسرائيل إليها أكبر. فالمشكلة الفلسطينية لن تختفى، وربما يزيدها الغموض فى الشرق الأوسط حدة. وتستعد المنطقة لأزمة دبلوماسية فى سبتمبر، حيث يعتزم الفلسطينيون الذهاب إلى الأممالمتحدة سعيا للحصول على اعتراف بالدولة. وإذا امتدت الاحتجاجات على غرار الربيع العربى إلى الضفة الغربية قبل تلك المناورة الدبلوماسية، يمكن أن يتحول صراع الكلمات فى نيويورك إلى انتفاضة ثالثة فى الأراضى الفلسطينية. وكان ينبغى على نتنياهو أن يستغل هذا الربيع والصيف للتوصل إلى تفاهم جديد مع أوباما، يعتمد على الثقة فى الصداقة الأمريكية الإسرائيلية. كان يتوصل إلى اتفاق بشأن كيفية إعادة إطلاق عملية السلام، بدلا من معاداة الرئيس الأمريكى. ولم يفت بعد الأوان بالنسبة لنتنياهو كى يغير المسار. فقد جنى ثمارا دبلوماسية من الأزمة الإقليمية، بيد أنه امتنع عن خوض مخاطر سياسية فى الداخل. وسوف يكلف تردده وسخريته إسرائيل كثيرا، عندما تلقى العاصفة العربية رحالها. وعليه، قبل فوات الأوان، أن يعزز قوة إسرائيل للانضمام إلى أوباما فى دبلوماسية خلاقة، من أجل تجنب كارثة دبلوماسية فى سبتمبر، والسعر لتحقيق سلام مستقر مع الفلسطينيين.