فى مدونته «الطريق للدولة القوية العادلة» كتب عمرو العجماوى ما اعتبره نقدا لائتلاف شباب الثورة، أحد أهم الائتلافات الشابة حاليا على الساحة، وذكر أن أغلب أعضاء الائتلاف يشاركون فى العمل السياسى «وكأنهم الوحيدون الثائرون أو كأن الثورة هى عنوانهم حصريا». ويضيف قائلا: «أصبحت أشك أن تصديرهم فى مقدمة المشهد إعلاميا هو جزء من محاربة الثورة، إذ إن سلوكهم كفيل بإحداث حالة من نفور الناس من الثورة ومن ينتمى إليها».. هنا توقف عمرو العجماوى وبدأ فى سرد بعض المواقف الداعمة لوجهة نظره. ولم يكن ما كتبه منفردا إنما فى سياق يمكن تتبعه على الإنترنت فى مواقع أخرى، وخاصة على موقع التدوين القصير «تويتر» بواسطة شباب سخروا من فكرة الائتلافات المنتشرة حاليا، خاصة بعد لقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أول يونيو الحالى مع مجموعة من الائتلافات المغمورة. من وجهة نظر أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة الدكتور أحمد زايد فإن بروز الشباب بهذا الشكل فى المشهد السياسى يؤكد أننا أمام «نخبة فى طور التكوين». ويشرح قائلا: «من المؤكد أن النخبة السياسية السابقة قد أغلقت قنوات الحراك السياسى بحيث استبعدت الشباب، لكن المشهد الآن لا يوحى بأننا أمام نخبة شابة تستطيع تسلم العمل السياسى بعد الثورة، لن يحدث هذا إلا بعد سنوات من العمل والتجربة». فى مساحات أخرى، لم تكن هناك طاقة للصبر على ائتلاف شباب الثورة المتهم دائما بأنه احتكر المشهد لحسابه، من ضمن ذلك أن يكتب أحدهم فى صفحة الائتلاف على شبكة فيس بوك تحت عنوان: نصيحة إلى الأستاذ زياد العليمى المتحدث الرسمى باسم الائتلاف، ويكتب تحت هذا العنوان قائلا: «مداخلة برنامج صباح دريم كنت أشعر بالضبط أن المتحدث هو صفوت الشريف وذلك عن طريق نبرة التعالى والكبر فى الحديث مما أشعرنى بالغضب الشديد»، فما كان من مدير صفحة الائتلاف إلا أن أجاب: «نشكر للجميع التواصل والنصيحة.. وإن شاء الله نجتهد فى إيصالها للزميل زياد العليمى». هذه الروح المناهضة لشريحة من السياسيين الشباب يتصدرون واجهة المشهد انتقلت إلى العمل الحركى نفسه، إذ تمسك الائتلاف فى دعوات سابقة للتظاهر والاعتصام يوم الجمعة بميعاد مبكر للرحيل، وفى يوم الجمعة 27/5 «الثورة المصرية الثانية» وقع شباب الائتلاف فى تحدٍ حين طالبوا من تبقى فى ميدان التحرير حتى الساعة الواحدة صباحا بفتح الطرق المؤدية للميدان، وكذلك الاكتفاء ببقاء المعتصمين فى حديقة الميدان. وكان أحد شباب الائتلاف فى ذلك اليوم على اتصال بوزارة الداخلية خشية اقتحامها التحرير كما ورد إليه من مصدر فى الوزارة.. لكن بعض من كانوا فى الميدان لم يستجيبوا فى ذلك اليوم، لرفضهم أن يمارس أحدهم دورا نخبويا وسطهم. كل هذه الصراعات التى تعيشها فئة من شباب الثورة أرادوا استكمال العمل السياسى والحركى معا، وهذه المشكلات يدركها جيدا خالد تليمة عضو المجلس التنفيذى لائتلاف شباب الثورة.. فأحيانا ما توجه إليه اتهامات مباشرة فى الندوات أو الحوارات الوطنية من نوعية: «اشمعنى إنت هنا على المنصة؟! أنا مشوفتكش فى التحرير أيام الثورة..!»، ويعلق خالد على هذه التعليقات قائلا: «بعيدا عن كل هذا.. هناك نخبة سياسية بالفعل تتكون الآن، لكن الإعلام دوره مؤثر بشدة، لأن تركيز الإعلام على مجموعة أسماء بعينها فى الائتلاف أو غيره هو ما يصنع هذا الجدل». لكن بعيدا عن الإعلام فإن هناك أنشطة أخرى يشارك بها أعضاء الائتلاف سواء فى بعثات دبلوماسية ذات طابع خاص، أو فى الندوات والمؤتمرات. ويوضح خالد بهذا الشأن أن أعضاء الائتلاف من الشباب هم فى الأساس نشطاء فى أحزاب وكانت لهم أنشطتهم من قبل، ويكمل فكرته قائلا: «لا يمكن الحكم على الناس كلها بطريقة واحدة.. أنا عن نفسى أفضل أن أجلس مع ناس بسطاء على المقهى أفضل ألف مرة من الجلوس فى المؤتمرات والاحتفاليات الرسمية». الحكم بعد العمل فى الأول من يونيو اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بنحو 153 ائتلافا من مختلف المحافظات، بينما قاطع نحو 35 من الائتلافات والقوى السياسية الشهيرة هذا اللقاء، وكان ائتلاف 19 مارس (الأغلبية الصامتة) أحد هذه الائتلافات المغمورة التى التقت المجلس العسكرى، وتكفى زيارة إلى صفحة الائتلاف على الفيس بوك كى تتضح الملامح العامة لهذا الائتلاف. فهم مجموعة نشأت بتأثير لحظة الاستفتاء الأخير فى 19 مارس وخروجهم من الصمت والسلبية السياسية إلى الإدلاء بأصواتهم مع الجماهير المصرية. ويقول عبدالفتاح نصار عضو ائتلاف الأغلبية الصامتة: «إحنا مع الثورة لحد يوم التنحى.. لكن مش ممكن نفضل فى مظاهرات على طول واعتصامات، لأن كل المطالب ممكن تتحقق مع الوقت، وكمان المحاكمات أكيد هتاخد وقتها». لا يخفى عبدالفتاح نصار غياب خبرته السياسية السابقة، إذ كانت المرة الأولى التى يشارك فيها سياسيا فى يوم استفتاء مارس الشهير رغم تجاوزه الأربعين وعمله محاميا، ولا يختلف الأمر عن بقية المجموعة الأساسية لهذا الائتلاف الذين يصفون أنفسهم بأنهم : «طلبة جامعيون ومدرسون وصيادلة ومحامون ومهندسون وأعمال حرة وربات بيوت وغيرها من الوظائف، ليس بينهم شخصية معروفة أو مشهورة، ولم يجمعهم سوى خوفهم على ما يحدث بمصر حاليا». ينفى نصار أن يكون بينهم تيار سياسى معين. ويضيف: «لقد أراد المجلس العسكرى عرض نماذج أخرى مختلفة عن القوى السياسية التى احتكرت المشهد من الشباب بعد الثورة، ونحن بشكل عام مؤيدون للمجلس العسكرى كحاكم الآن حتى نجتاز هذه المرحلة بسلام». ورغم المشهد المزدحم حاليا بانقسامات وتضارب فى وجهات النظر فإن الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسى يجد رؤية أكثر واقعية لما يحدث الآن ضاربا المثل بالحركات الشبابية التى اجتاحت العالم فى عام 1968، ويقول: «كان يقال على ألسنة الشباب وقتها.. لا تثق فى أحد تجاوز الثلاثين، والمفارقة أن دراسات أجريت فيما بعد على من شاركوا فى هذه الانتفاضة فوجدوهم قد تبدلت أحوالهم إلى موظفين تقليديين ورجال أعمال.. إذن فالفيصل هنا هو أن ممارسة السياسة على أرض الواقع هى التى ستنتج نخبة المستقبل». ما يراه زايد من واقع حالى هو مجرد محاولات للحفاظ على المظهر الثورى بطرق مختلفة. لكن يبقى «الحكم بعد الممارسة السياسية» حسبما قال. وفى خضم الانتقادات التى يوجهها البعض إلى الائتلافات الشبابية المعارضة على الساحة وعلى رأسها ائتلاف شباب الثورة ما زال البعض فى المعسكر الآخر يجد فى كل ما يحدث الآن جانبا إيجابيا، أما خالد تليمة عضو المجلس التنفيذى لائتلاف شباب الثورة فيقول: «لن ننسلخ عن الشباب.. فنحن الخاسرون إن فعلنا هذا. نحن تحت أمر الشارع، لكن يجب أن يتذكر كثيرون أن أغلبنا كان يواجه الأمن المركزى طوال السنوات الماضية.. وكنا وحدنا، لذا فلنتفرغ لفرصة العمل الآن».