«ألسن عين شمس» تستقبل وفدا من جامعة ليون الفرنسية    تسريب غاز وتكافل وكرامة.. الحكومة تعلن نتائج شكاوى المواطنين خلال مايو 2024    بحضور ممثل عن الرئيس.. افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بجامعة القاهرة الدولية    أماكن صرف معاش تكافل وكرامة قبل عيد الأضحى 2024.. بداية من الاثنين المقبل    10 توصيات.. ماذا يوصي صندوق النقد الدولي مصر لتجنب التحديات الاقتصادية؟    توريد 605 آلاف طن قمح لشون وصوامع الشرقية    جيش الاحتلال الإسرائيلي: استعادة 4 محتجزين أحياء من قطاع غزة    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    تفاصيل استضافة مصر الملتقى الأول لبنك التنمية الجديد التابع لدول "بريكس"    روسيا: الغرب يواصل تزويد أوكرانيا بأسلحة تستهدف المدن الروسية وتُستخدم ضد الفلسطينيين    مصدر يكشف لمصراوي عن صفقة جديدة يسعى الزمالك لحسمها    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    لعدم تركيب الملصق.. سحب 1059 رخصة قيادة في 24 ساعة    الفوج الثاني من حجاج «المهندسين» يغادر إلى الأراضي المقدسة    السكة الحديد: تعديل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة/ الإسماعيلية    بحضور يسرا وعز ورمضان.. 51 صورة من حفل زفاف ابنة المنتج محمد السعدي    نيللي كريم بصحبة أحمد عز وترقص في حفل زفاف ابنة محمد السعدي (صور)    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    الإفتاء توضح حكم تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد علني بمعرفة جمعية خيرية    بالصور.. وزير التعليم العالي يزور أرض مستشفى بنها الجامعي الجديد    في اليوم العالمي لأورام المخ - احذر الأعراض والأسباب    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 142 مخالفة عدم التزام بقرار الغلق للمحلات    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    ضبط طن لحوم ودواجن مجمدة مجهولة المصدر في حملات رقابية بالشرقية    بدء أولى جلسات محاكمة ربة منزل وعشيقها بقتل الطفلة «ريتاج» في مدينة نصر    خبير اقتصادى: برنامج التنمية المحلية فى الصعيد أحدث طفرة تنموية    ساوثجيت يعلن قائمة انجلترا لخوض يورو 2024    إعلام إسرائيلى: عدد كبير من الطائرات يشارك فى قصف استثنائى على مخيم النصيرات    بعدما أعلنت انفصالها رسميًا.. من هي دانية الشافعي ؟    رسميًا.. مانشستر سيتي يجدد عقد سيتفان أورتيجا حتى عام 2026    ب100 شركة صغيرة ومتوسطة.. انطلاق فعاليات الدورة ال3 لمؤتمر ومعرض الأعمال الخضراء بالأقصر    وزيرة خارجية إندونيسيا تستقبل السفير المصري بجاكرتا    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    سفاح التجمع يعترف لزملائه بمرضه النفسى: أعانى من اضطراب ثنائى القطب    صحة مطروح: قافلة طبية علاجية مجانية بمنطقة جلالة بالضبعة اليوم وغدا    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    خبيرة فلك تبشر برج السرطان بانفراجه كبيرة    حفظ التحقيقات حول وفاة نقاش بالمنيرة    نجيب الريحاني وجه باك أضحك الجماهير.. قصة كوميديان انطلق من كازينو بديعة وتحول منزله إلى قصر ثقافة    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    صور.. بيان عاجل من التعليم بشأن نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد فصل    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    ب300 مجزر.. «الزراعة» ترفع درجة الاستعداد القصوى استعدادًا لعيد الأضحى    فتح باب التقدم بمسابقة فتحى غانم لمخطوطة القصة القصيرة.. اعرف الشروط    أزهري: العشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام الدنيا ويستحب صيامها    الأهلى يواجه النجوم استعدادا لمواجهة فاركو فى الدوري    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    بعد الزيادة الأخيرة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من المنزل    فريد زهران ل«الشاهد»: ثورة 1952 مستمدة من الفكر السوفيتي وبناءً عليه تم حل الأحزاب ودمج الاتحاد القومي والاشتراكي معًا    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقبات (ثقافية) على طريق التكامل العربى
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 07 - 2011

ننسى أحيانا أن حكام أوروبا أنشبوا فى القارة على امتداد قرون حروبا لم تنشب مثلها عددا وخرابا فى قارة أخرى، وأن هؤلاء الأباطرة والقياصرة والعسكريين الارستوقراطيين هم الذين بحروبهم هذه صنعوا لأوروبا أطول سلام فى تاريخ القارة. ننسى لأننا ربما ما زلنا، أو كنا إلى عهد قريب جدا، منبهرين بالانجازات التى تحققت بفضل دعاة الاندماج الأوروبى منذ أن قامت جماعة الحديد والصلب، وبعدها السوق الأوروبية المشتركة التى تطورت إلى اتحاد أوروبى ومنطقة عملة موحدة. كان عجزنا عن الانتقال بأفكار ونظريات التكامل الاقتصادى إلى حيز التطبيق السبب فى انبهارنا بنجاح التجربة الأوروبية، وزاد انبهارنا بتلاحق الفشل بعد الفشل فى استعادة الأمل، ولو نظريا كما كان، فى جهود إنعاش فكر التكامل العربى ولو فى قطاع واحد من قطاعات العمل العربى المشترك.
الانبهار بأوروبا الموحدة مستمر لدى القطاع الأعظم فى النخبة المثقفة العربية، ولكنه غير موجود بالدرجة نفسها، وفى الغالب غير موجود بالمرة، لدى القطاع الأعظم فى النخبة الحاكمة العربية، لا لشىء سوى أن الأمر يثير مقارنات غير مستحبة مثل التنازل عن جزء ولو ضئيل من السيادة لعرب آخرين، وربما لأن الثقافة السياسية الحاكمة فى العالم العربى ترتاح فى علاقاتها الدولية إلى التعامل مع الدول منفردة، والأفضل أفرادا منفردين مثل الحكام مطلقى الصلاحيات، عن التعامل مع تكتلات أو اتحادات دولية. أما انبهار المفكرين والمثقفين وغيرهم من الفئات الساعية للتنوير وغيرهم من حملة مشاعل التقدم على أمل أن يفلح مشعل منها فى إزالة العتمة الحضارية، التى نعيش فى ظلها ونشر التفاؤل بالمستقبل فى جميع الأنحاء اعتمادا على العلم والمعرفة، فهو انبهار بكفاءة الأوروبيين فى الاستفادة من تحولات النظام الدولى لإعادة بناء اقتصاداتهم، ثم كفاءة الاقتراب المتدرج من الولايات المتحدة مع كل صعود فى القوة السوفييتية، وأخيرا الابتعاد المتدرج عن الولايات المتحدة مع كل زيادة متدرجة من جانب واشنطن لجر دول أوروبا إلى المشاركة فى حروب خارجية لا تخصها مرة فى أفغانستان ومرة فى العراق ومرة فى ليبيا، وهى المرة التى كشفت عن المدى، الذى وصل إليه الأوروبيون فى الاتجاه نحو التخلى المتدرج عن المنظومة العسكرية التى تصدرها الولايات المتحدة.
●●●
ولكن لا يجوز أن ننكر أن انبهارنا الطويل بأوروبا وسياساتها الوحدوية أخفى عنا حقائق أوروبية عديدة كان الظن أن الاندماج الاقتصادى والوحدة النقدية ساهمتا فى تحسينها أو إصلاحها. إن الذين يعرفون أوروبا، بحكم طول العيش فيها أو متابعة شئونها وأخبار تقدمها الثقافى والعلمى، يدركون أكثر من غيرهم أن ما يفصل بين سلوكيات وثقافة شعب أوروبى عن سلوكيات وثقافة شعب أوروبى آخر أوسع كثيرا مما يتخيله أو يتصوره من يعرف أوروبا عن بعد، أى من لم يعش فيها ويختلط بأهلها. ندرك الآن أن جشع الحكام فى القرون الماضية لم يكن وحده الدافع للحرب الدموية، التى دمرت القارة أكثر من مرة، كان هناك أيضا اختلاف الأمزجة والسلوكيات بين الشعوب. ولن نذهب بعيدا بحثا عن أمثلة، فالمثال الأبرز والمتكرر هو الاختلاف «الثقافى» الشديد بين الألمان والفرنسيين، والتاريخ الطويل من عدم الاستلطاف المتبادل بين الإنجليز والفرنسيين، والسلوكيات «العنصرية» التى لازمت العلاقة بين الإيطاليين والألمان منذ أقدم الأزمنة.
كان أمل الكثيرين فى أوروبا، أن يؤدى الاندماج الأوروبى والوحدة الاقتصادية إلى إزالة هذه «الفوارق» وغيرها من المخلفات الثقافية الموروثة من عهد تقديس الدولة القومية، بل عهود قبلها كالعصر الإقطاعى ثم عصر الصراعات الامبراطورية، إلى أن تحققت مخاوف خصوم عصر «العولمة»، هؤلاء المتشككون الذين راقبوا مسيرتها بحذر شديد أو شك عظيم. فالعولمة، والاندماج الأوروبى، كما نعرف هو أحد أهم علاماتها وكذلك تقدم وسائل الاتصال الاجتماعى، مسئولة بشكل مباشر عن ظاهرة اقتراب الأفراد من بعضهم البعض بل وكثافة اختلاط الشعوب والجماعات الانسانية كافة. هذا التقارب نفسه هو أحد الأسباب المباشرة فى أن مسألة القيم صارت تحظى بموقع تتقدم فيه العلاقات بين الشركات وبعضها البعض وبين موظفى الشركة الواحدة وبين الشعوب وبعضها البعض وبين الأقوام والطوائف داخل الشعب الواحد فى الدولة الواحدة. صارت القيم «الجمعية» مسألة مهمة.
بمعنى آخر لم يعد الفرد، كالعهد به فى أزمنة سابقة، يتصرف بوازع فردى بقدر ما أصبحت تصرفاته تعكس «ثقافة» أو رؤية أو ولاءات جماعية، يريد بها أن يؤكد تميزه عن الآخر.
نقرأ منذ شهور عن تصريحات تكرر وصفها بأنها «متعالية» تصدر عن سياسيين وإعلامييين ومواطنين عاديين فى ألمانيا تعقيبا على الأزمة المالية اليونانية، الدولتان مندمجتان فى اتحاد أوروبى وشعباهما صارتا تجمعهما قوانين وإجراءات صادرة من جهة واحدة هى المفوضية الأوروبية، إلا أنهما وربما لهذا السبب نفسه صار سلوك كل منهما وتصرفاته محل انتباه ومراقبة الطرف الآخر. يقارن توماس فريدمان الكاتب بصحيفة نيويورك تايمز إن الخلافات الناشبة بين دولتين أو مجتمعين فى الاتحاد الأوروبى تشبه الخلافات الناشبة بين مطلقين كانا إلى عهد قريب جدا زوجين، ويسأل السؤال التقليدى، إن كانا على هذا النحو من الاختلاف والخلاف فلماذا تزوجا أصلا؟
●●●
أعود من أوروبا واندماجاتها وبوادر انفكاكات ومؤشرات متزايدة عن احتمال تدهور تصرفات بعض الأوروبيين ضد أوروبيين آخرين إلى عالمنا العربى واندماجاته وبوادر ارتفاع فى منسوب انفكاكاته وتدهور سلوكيات بعض العرب ضد عرب آخرين. لا يخالجنى شك فى أن كثيرا مما ورد فى السطور السابقة عن أوروبا يكاد ينطبق انطباقا مثاليا على عالمنا العربى باستثناء مسألة الحروب العديدة، التى شهدتها أوروبا عبر القرون. فالعرب لم يدخلوا فيما بينهم حروبا على هذا المستوى أو بهذه الكثافة. اشتبكوا فى خلافات ونزاعات من كل نوع، وربما أكثر من أى أمة أخرى.
ولكنهم كانوا من أوائل الامم التى فكرت فى تحقيق تكامل اقتصادى وتعاون عسكرى، ولا شك أنهم كانوا فى وضع يسمح لتكاملهم بأن يتواصل ويتدعم لولا أن ثقافتهم بدأت تتفكك إلى ثقافات «محلية» تزعم كل منها تميزها عن الأخريات.
التفاوت الثقافى فى النظام العربى ظاهرة لها أسبابها الخاصة إلى جانب الأسباب، التى يناقشها المفكرون الأوروبيون المهتمون بظاهرة التفاوت الثقافى فى النظام الأوروبى. هناك العولمة واقتراب الشعوب المتزايد من بعضها البعض، ولكن الأهم فى الحالتين العربية والأوروبية هو اتساع الفجوة بين الدول ذات الوفرة المالية والدول ذات العوز المالى. إذ إنه حين تبدأ الدولة الغنية فى تقديم العون أو حين يزداد عطاؤها سخاءا لسبب أو لآخر فإنها تتوقع من الدولة الأخرى المستقبلة للعون والقروض أن تتبنى سلوكياتها ومنظومة قيمها، ألمانيا مثلا تتوقع من اليونان تغيير سلوكيات شعبها ومنظومة القيم والأعراف اليونانية ليصبح الشعب اليونانى أكثر إنتاجية وإقبالا على العمل وأشد حرصا على الإدخار واقل استخداما لوقت الراحة والترفيه.
وأظن أننى لا أبالغ إن عبرت بوضوح عن مستور نتحرج من مناقشته، لأقول إنه فى عالمنا العربى صار أمرا مطلوبا وبإلحاح أكثر من أى مرحلة سابقة فى مراحل تطور النظام الإقليمى العربى أن تبدى الدول والجهات والمؤسسات المتلقية للمعونات والمنح استعدادا أكبر لتغيير أساليب الحكم فيها وتعديل محتوى ما تنتجه من فنون كالسينما والغناء وتطوير سلوكيات شعبها وقيمه لتصبح أكثر شبها، إن لم تتطابق، مع أساليب الدول العربية المانحة وسلوكيات شعبها وأمزجته ومنظومة قيمة.
●●●
أكاد أصل إلى نتيجة، أرجو أن أكون مخطئا فى مقدماتها، خلاصتها أن الاندماج العربى فى ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة فى النظام العربى سيكون أصعب منالا. ستزداد فى رأيى وتيرة الانفكاك وتتسع مساحات التفاوت الثقافى بالمعنى الذى ذهبت إليه فى هذا المقال، ولكن يبقى علينا واجب إعادة قراءة الخريطة الثقافية العربية على ضوء الصراعات الناشبة حاليا فى ميادين الثورات وبخاصة تلك الناشبة بين ثقافات بعينها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.