لا يكتفى الإنسان بما يعيشه من مظاهر التلوث البيئى التى تحاصره فى كل مكان، إنما يضيف إليها عامدا ما يضاعف خطره كالتدخين والاعتماد الكامل على الأدوية بحثا عن فوائدها دون معرفة أخطار استعمالاتها فى غير محلها أو جرعاتها الصحيحة. إلى جانب الاستسلام لضغوط الحياة المختلفة حتى تصبح جزءا من تفاصيل يوم عادى يتكرر أيضا العادات الغذائية الخاطئة والتناول غير الواعى للأطعمة التى قد تضر بحالته الصحية إذا ما كان يعانى من أى حالة مرضية كالسكر أوارتفاع ضغط الدم أو أمراض الشرايين. المعرفة تقى الإنسان بعضا من شرور تلوث البيئة والوعى يدفعه للدفاع عن نفسه فى مواجهة الخطر القادم. فكيف يستعد الإنسان للدفاع عن نفسه فى مواجهة السموم؟ بداية يجب محاولة الحد قدر الإمكان من تفادى الملوثات البيئة كمصادر المياه الملوثة أو الخضراوات والفواكه التى تم رشها بالمبيدات والأماكن المسموح فيها بالتدخين، أما الأهم فهو دعم آليات الجسم الدفاعية الطبيعية والتى مهمتها الأساسية التخلص من السموم التى تجد طريقها للجسم. من المعروف أن الكبد والكلى والقولون كل بطريقته يعمل مرشحا ذا كفاءة عالية وقدرة على تخليص الجسم من السموم التى تأتيه من البيئة أو الأطعمة التى يتناولها أيضا التى تنتج من عمليات التمثيل الغذائى المستمرة والتى ينجم عنها الطاقة التى يستخدمها الإنسان فى أنشطة يومه المختلفة لكنها فى الوقت ذاته قد تخلف ما يمكننا أن نشبهه بعادم السيارات الناشئ عن احتراق البنزين اللازم لحركتها. السموم المتراكمة فى الجسم تمنح الأمراض بيئة ملائمة تماما للانتعاش فنرى العديد منها خصوصا التهابات المفاصل وأمراض الحساسية وأمراض الجهاز الهضمى، بل ارتفاع ضغط الدم وأمراض نقص المناعة إلى جانب ما نسميه بظاهرة الإجهاد المستمر وهى الظاهرة التى تجمع العديد من عوارض التعب لأقل مجهود بصورة مزمنة والخمول واعتلال المزاج والصداع المستمر بلا سبب واضح مما يقلل من إقبال الإنسان على الحياة ويمنعه من ممارسة أنشطته التى تعودها. تخليص الجسم من السموم بصورة مستمرة يخفف العبء من على أعضاء الجسم المختلفة ويمنح الإنسان فرصة العمل بهمة وحيوية قد يفتقدها إذا ما تراكمت تلك السموم كالصدأ على جدران شرايين وفى أنسجته. كثيرا ما تطالعنا الإعلانات عن مركبات تخلص الجسم من السموم أو تغسل الشرايين أو تنقى الدم، الواقع أنها كلها مركبات وإن كانت تحت مسميات براقة إلا أنها تقف عند حدود النوايا الحسنة إذا لم تنفع فإنها لن تضر، المفيد حتما هو الطرق الطبيعية التى تدعم عمل الكلى والكبد والقولون ولا تؤدى إلى استنفاد قواها باختيار أنواع الطعام المختلفة التى تحمل الفائدة وتتفادى الضرر ومنها: الحبوب الكاملة: إذ تحتوى على مكونات تعاون الجسم على التخلص من فضلات التفاعلات الحيوية التى يجريها الجسم باستمرار لإنتاج الطاقة التى يستخدمها فى أنشطته، أيضا لأهميتها فى تنظيم مستوى السكر فى الدم وتخفيض معدلات الكوليسترول العالية، كما أنها غنية بالألياف التى يقتصر وجودها على النباتات فقط ويرتبط اسمها بمقاومة السرطان خصوصا سرطان القولون والمستقيم وتأثيرها الخافض لمعدل الكوليسترول. والمقصود بالحبوب الكاملة الحبوب التى تحتوى على كامل أجزاء الحبة بما فيها القشور الغنية بالمعادن والفيتامينات والألياف ومضادات الأكسدة المختلفة ومنها القمح والشوفان والأرز الأسمر البلدى أو منتجاتها. النخالة أو الردة: متعددة الفوائد مرتفعة المحتوى من الألياف تساعد علي تنظيف القولون من المواد التى قد تسبب السرطان وتمتص الدهون التى يدفعها القولون للخروج بها فى عملية الإخراج. جنين القمح: محتواه العالى من مضادات الأكسدة يضعه على قائمة الأطعمة المهمة التى تحتاجها الخلايا لتجديد شبابها وعرقلة زحف الشيخوخة إلى جانب غناه بالأحماض الأمينية اللازمة لعمل المخ وسلامة الأعصاب، فائدة الحبوب الكاملة والردة وجنين القمح لا تتحقق إلا بالحفاظ عليها أو تخزينها فى أماكن جيدة التهوية منخفضة الحرارة إذ إن الاحتفاظ بها لمدة طويلة فى أماكن رطبة أو سيئة التهوية تجعلها عرضة للإصابة بالفطريات السامة التى تشكل خطورة لمن يتناولها. المكسرات: اللوز والجوز والفستق وحتى بذور القرع العسلى رغم محتواها العالى من الدهون إلا أن إضافتها لنظام غذائى متوازن صمم خصيصا لتفادى ارتفاع نسبة الكوليسترول تفيد كثيرا فى نجاحه. الفستق على سبيل المثال يعد ذا قيمة غذائية مرتفعة نظرا لما يحتويه من عناصر مهمة مضادة للأكسدة وخلوه من الكوليسترول إلى جانب أن ما يحتويه من دهون يعد دهونا ذات فائدة جمة، فمادة الفيتوستيرول، أيضا والتى توجد بسخاء فى الفستق لها علاقة بعمل المخ إلى جانب غناه بالألياف ومما يعلى من فائدته انخفاض مؤشر السكر فيه مما يجعله نافعا لمريض السكر أو من يبحث عن المتعة بأقل تكلفة من السعرات الحرارية. أما الجوز فغناه بالمواد الدهنية يحمى القلب من مخاطر ترسب الكوليستيرول الردىء على جدران الشرايين إذ إن أغلب دهونه أحماض دهنية وحيدة الإشباع التى تلعب دورا مهما فى الهبوط بمعدلات الكوليستيرول الردىء. كما أن احتواءه على الحامض الأمينى الأرجينى الذى يتحول لمادة أخرى لها أثر مماثل للنيتروجلسرين العامل الأشهر على توسيع الشرايين قد يقى الإنسان من جلطة قلبية محتملة. الجوز أيضا غنى بفيتامين E ذى الأثر الذى يماثل الأسبرين فى التأثير على سيولة الدم إلى جانب غناه أيضا بمعدنى النحاس والماغنسيوم وكلاهما نافع لعمل القلب وكفاءته. اللبن الزبادى: يصنع من اللبن بعد إضافة الخميرة، ومن المعروف أن هناك أنواعا عديدة من الجراثيم الضارة والنافعة تعيش باستمرار فى أمعاء الإنسان، المفيدة منها وبعضها مصدر لفيتامينات مهمة تتغلب دائما على الضارة فى ميزان إذا اختل بسبب المرض. تناول اللبن الزبادى خصوصا المدعم بجرعات إضافية من اللالكتوباسيلاس «البكتريا النافعة» يساهم بقوة فى تطهير الأمعاء ومقاومة التخمرات الضارة وتكوين الغازات وعلاج الإسهال. كما أنه يدعم جهاز المناعة إذ ثبتت علاقة بارتفاع مادة الأنيتروفيرون التى تعلى من قدرة كرات الدم البيضاء على مقاومة الجراثيم الوافدة إلى الدم. وما زالت الظواهر تربط تناول اللبن الزبادى بانتظام وظاهرة المعمرين خصوصا فى الأقاليم الباردة كسيبيريا وسكان القطب الشمالى، وقد نال العالم الروسى إيليا متيشينكوف عام 1908 جائزة نوبل لأبحاثه التى تربط بين اللاكتوباسيلاس أو الميكروبات العصوية «التى تشبه العصى فى شكلها تحت الميكرسكوب» وسلامة الصحة وطول العمر. الفواكه والخضروات: الفاكهة خصوصا الحمضية منها مثل البرتقال واليوسفى والجريب فروت إلى جانب المشمش والخوخ والتفاح خاصة لها فاعلية قوية فى تنظيف وصيانة الجهاز الهضمى إلى جانب غناها بالألياف والمعادن والفيتامينات ومضادات الأكسدة. الخضراوات خصوصا الكرنب والقرنبيط والبروكلى غنية بالألياف والمعادن والفيتامنيات ولها دورها الثابت حاليا فى مكافحة السرطان خصوصا سرطان القولون والجهاز الهضمى. تتميز الخضراوات عامة بقلة محتواها فى الدهون على الرغم من ارتفاع قيمتها الغذائية وانخفاض مستوى سعرات الحرارة فيها، فهى غذاء مثالى يجب أن ينال الإنسان منه قدر يومى كاف.. لاحتوائها على الفيتامينات والمعادن والألياف بنوعيها وغياب الكوليستيرول عنها يجعلها غذاء آمنا للسليم ومريض القلب والسكر معا. كلما تنوعت ألوان الخضر كلما تميزت وعلا قدرها فاللون الأحمر القانى فى الطماطم صغيرة الحجم «الشيرى» يعلن عن مجموعة من مضادات الأكسدة عالية القيمة التى تقف لشيخوخة الخلايا بقوة محارب عنيد. الأسماك: تعد مصدرا مهما للبروتين إلى جانب احتوائها على فيتامين «د» ومعادن مهمة أولها السيلنيوم، لكن المحتوى العالى من الدهون الجيدة والمسماه بالأوميجا 3 «Omega 3» تلعب دورا مهما فى الوقاية من أمراض شرايين القلب التاجية. والحرص على سلامة الإنسان قد يستدعى بعض المحاذير التى يمكن أن تحيل الأسماك من طعام عالى القيمة إلى طعام من الخطورة تناوله، التلوث البيئى قد يهدد سلامة الأسماك خصوصا التى تربى فى المزارع إذا ما امتصت الأسماك بعضا من مركبات الزئبق أو الديوكسين أو البيفنولات الكلورية المعددة، كلها مركبات سامة خصوصا إذا ما طالت امرأة حامل فإن جنينها يتعرض لأخطار قد تؤدى لإصابة مخه بأضرار ينجم عنها إعاقة، لكن الواقع أن الأوميجا 3 لازمة لنمو مخ هذا الجنين وسلامة أدائه فيما بعد. تناول أنواع مختلفة من الأسماك قد يجلب الفائدة ويتلافى تلوث البعض منها لكن ذلك يتم فى حدود التلوث المحدود وليس الخطير منه. وقد ربطت دراسة أمريكية حديثة بين تناول سمك التونة بانتظام وبين علاج حالات اعتلال المزاج أو الاكتئاب، وأكدت أن العلاقة صحيحة ومن الجدير بالذكر أن سمك التونة من أقل الأسماك تأثرا بالملوثات الكيمائية. الزيوت النباتية: منها يحصل الجسم على احتياجه من مركبات الأوميجا 3،6،9، التى تدعم عمل الخلايا، زيوت الزيتون والذرة وعباد الشمس والكانولا كلها مصادر جيدة للدهون عالية القيمة خصوصا إذا ما تم استخدامها بطريقة تضمن سلامتها، زيت الزيتون يؤتى كل فائدته إذا ما تم عصره على البارد وقلت نسبة الحموضة فيه عن 0.8٪ وتم استخدامه فى تحضير أنواع السلطات المختلفة أو إضافته دون تعريضه للنار لأى مكونات الطعام أو تناوله مخلوطا بقليل من الخل البلزمى والزعتر، أما إذا كان من الضرورى استخدامه على النار فأقله يكفى دون تعريضه لفترة طويلة لنار عالية، زيت الذرة يصلح لقلى الأطعمة أيضا عباد الشمس إذ إنه يتحمل درجات الحرارة العالية لفترة طويلة نسبيا وإلا تحول لمركب مختلف. عصير الخضراوات: من العادات الغذائية المهمة الصيام ليوم واحد فى الأسبوع لا يتناول فيه الإنسان إلا قدر استطاعته من الماء وعصير باقة من الخضراوات كيفما يتراءى له تضم الجزر والبقدونس والكرفس والفاصوليا الخضراء والطماطم والخيار وقد يضاف إليه بعضا من عصير الليمون أو البرتقال لتحسين الطعم، إنه يوم من الراحة للأنسجة والدعم للأجهزة التى تعمل على تنقية الدم بلا كلل طوال رحلة عمر الإنسان.