كان فوز نائب ولاية إلينوى السيناتور باراك حسين أوباما، فى الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر الماضى، مفاجأة هزت العالم. «بشارة أثارت أحلام الطامحين إلى التغيير فى مختلف أنحاء العالم»، كما قال الكاتب الأمريكى هوارد دودسون. «ربما لم يكن هناك قبل عام من يستطيع أن يتخيل أن يصبح أوباما، الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة، فيما عداه شخصيا وربما زوجته أيضا». ومن ثم، لم يكن مستغربا أن تحتل أنباء الرجل وصوره، الصفحات الأولى من صحف العالم وأن يصبح «فتى الغلاف» فى القارات الست. جميع الأوراق كانت ضده «حداثة سنه، وانتماؤه العرقى، وقلة خبرته السياسية نسبيا، ومحدودية شهرته، فضلا عن افتقاره تماما للخبرة بالحملات القومية.» غير أنه فعلها فى آخر المطاف، وسوف يُذكر الرابع من نوفمبر 2008 على الدوام بأنه يوم التحول فى التاريخ الأمريكى. فيما سيؤرخ للخامس من نوفمبر بفضل الصحف التى صدرت فيه عبر أنحاء العالم على أنه اليوم الذى أكد للأجيال المقبلة، الطبيعة التاريخية الحقيقية لانتصار أوباما. حلم مارتن لوثر حفلت عناوين صحف العالم منذ إعلان الحزب الديمقراطى أوباما مرشحه للرياسة فى الثامن والعشرين من أغسطس 2008 وحتى فوزه بالرئاسة فى الرابع من نوفمبر من نفس العام، بالنغمة المتحمسة المفعمة بالأمل والرغبة فى التغيير، التى صارت أكثر تداولا من أى وقت سبق. وجاء تطابق الكثير من العناوين مؤشرا على تطابق الأفكار، أكثر مما هو توارد للخواطر بين أولئك الذين صاغوا عناوين الصحف غداة نصره. فى اليوم التالى لإعلان فوز أوباما، لخصت صحيفة «أيريش اندبندنت» الأيرلندية، ما كان يدور فى أذهان الملايين، فى عبارة موجزة «روزا باركس جلست، فاستطاع مارتن لوثر أن يسير، وهكذا تمكن أوباما من أن يعدو، ومن ثم سوف يكون بوسع أطفالنا التحليق!» وكانت الصحيفة تشير إلى قصة الناشطة السوداء روزا باركس التى رفضت عام 1955 الانصياع لأمر رجل أبيض طالبها بإخلاء مقعدها فى الحافلة ليجلس عليه، اتباعا للقواعد التى تمنح الأولوية فى مقاعد الأتوبيسات للركاب البيض. وانتهى الأمر بالقبض عليها وتغريمها 14 دولارا وأدى اعتقالها إلى بدء 381 يوما من الإضراب عن ركوب الحافلات والمسيرات بقيادة القس مارتن لوثر كينج، الحائز بعد سنوات من هذا التاريخ على جائزة نوبل لإنجازاته فى مجال الحقوق المدنية. مثلما كان طبيعيا أن تتصدر صورة أوباما وخبر فوزه جميع صحف ومجلات العالم فى اليوم التالى لانتصاره، كان منطقيا أن تتصدر شعاراته مثل «التغيير» و«أمة واحدة» و«انتصار الأمل» و«نعم نستطيع»...إلخ مانشيتات هذه الصحف فى نفس اليوم. غير أن احتفاء الصحف العالمية بالشاب الاستثنائى، سبق تاريخ فوزه بالرئاسة بعدة شهور، وبالتحديد منذ يوم 29 أغسطس التالى ليوم إعلان الحزب الديمقراطى اختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية. فى ليلة تاريخية كتبت صحيفة «سان خوزيه ميركيورى نيوز» تحت عنوانها الرئيسى « مستعد للمعركة»، أن الانفعال بلحظة انتصار أوباما زاد من حماسه أن خطاب الانتصار واكب الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة التى قادها مارتن لوثر كنج إلى واشنطن معلنا: «لدى َّ حلم!»، وها هو أمريكى من أصل أفريقى يحقق هذا الحلم، ويصبح الرجل الأسود المرشح لدخول البيت الأبيض. ومنذ التاسع والعشرين من أغسطس هذا، ركزت الصحف اهتمامها على وعود المرشح الشاب وأحلامه. فها هى صحيفة «ذا دنيفر بوست أن بوليتيكو» تصدِّر صفحتها الأولى بعنوان «وعد أوباما» وتحته عنوان فرعى يقول «فى ليلة تاريخية، أوباما يتعهد بالمضى فى طريق الرخاء والعدل.» وبرز التعبيران «تاريخى» و«تاريخ» فى معظم الصحف التى صدرت سواء بعد إعلان اسم مرشح الحزب الديمقراطى للرئاسة يوم 29 أغسطس أو بعد إعلان فوزه أخيرا بالمنصب فى الرابع من نوفمبر. ففى اليوم الأول كان العنوان الرئيسى لصحيفة «إل نوفو هيرالد» التى تصدر بالإسبانية فى ولاية فلوريدا «أوباما كامبا لا هيستوريا» (أوباما يصنع التاريخ)، وذلك بمجرد إعلان ترشيح الحزب له فى انتخابات الرئاسة، فما الذى يمكن أن يقال بعد فوزه بالرئاسة فعلا؟ إنه نفس التعبير بالضبط.. حيث كان العنوان الرئيسى لصحيفة «أنكوريدج ديلى نيوز» الصادرة فى آلاسكا غداة إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية «أوباما يصنع التاريخ» ونقلت الصحيفة فى صفحتها الأولى عن إليانور أندروز رئيسة جمعية التنمية الحضرية فى أنكوريدج بآلاسكا، قولها: «إنه ليس فوز أمريكيا/أفريقيا، وإنما هو فوز للجميع. فالعالم كله يحتفل.» أصوات التغيير والأمل ويبدو أن توارد الأفكار كان السائد لدى معظم كتاب عناوين الصحف فى يوم الخامس من نوفمبر، حيث كان العنوان الرئيسى فى «ذى واشنطن بوست» أيضا «أوباما يصنع التاريخ» «ذى أريزونا ريبابليك» فى طبعتها الصادرة خصيصا فى اليوم التالى فإعلان نتيجة الانتخابات «أوباما يحقق نصرا تاريخيا.» ولم يغب لفظ «تاريخ» أيضا عن صحيفة لوس أنجليس تايمز» التى عنونت صفحتها الأولى: «إنه أوباما.. نصر حاسم يصنع التاريخ.» وكان عنوان «ذى أطلنطا جورنال كونستيتيوشن» فى نفس السياق «فوز تاريخى» وكان عنوان الموضوع الرئيسى للصحيفة «الولاياتالمتحدة تنتخب رئيسها الأسود فى انتصار للإيمان على الخوف.» ومثلها «ذا بوستن جلوب» التى كان عنوانها «نصر تاريخى». كما لم تخف صحيفة «هونولولو أدفايزر» الصادرة فى هاواى إحساسها بالفخر، وعنونت صفحتها الأولى بعنوان «أوباما ابن هاواى يصنع التاريخ» فى إشارة إلى أن أوباما هو أول شخص من مواليد هاواى ينتخب رئيسا للجمهورية. منذ إعلان ترشح أوباما، تردد تعبير «التغيير» فى وسائل الإعلام المختلفة، وعلى أفواه الملايين فى أنحاء العالم، من النخب المثقفة وحتى المواطنين البسطاء، على نحو لم يسبق له مثيل. فقد تصدرت صورة أوباما مبتسما رافعا ذراعه اليمنى بالتحية غلاف «ذا دو موان ريجستر» التى تصدر فى أيوا، ومعها عنوان «أوباما..أمريكا تتخذ خيارا تاريخيا بالتغيير»، وقالت فى موضوعها الرئيسى «إن أصوات التغيير والأمل تعالت إلى أن غطت على سياسات العجائز، حتى مع ظهور تحديات اقتصادية جديدة.» حلم الآباء المؤسسين ولا شك أن فكرة انتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة كانت المفاجأة التى أكدت أقوى انتصار حققه دعاة مكافحة التمييز العنصرى منذ إلغاء قانون الرق، فاحتفلت معظم صحف العالم وعلى رأسها الصحف الأمريكية بهذا التحول. فخرجت صحيفة لورانس جورنال وورلد، التى تصدر فى كنساس، تحمل عنوان الموضوع الرئيسى «الولاياتالمتحدة تنتخب أول رئيس أسود» مع صورة توضح أفراح الناخبين السود. وتناقلت الصحف ووسائل الإعلام العالمية صورة داعية حقوق الإنسان جيسى جاكسون، دامع العينين حاملا علم الولاياتالمتحدة، وهو يستمع إلى خطاب رئيسها الجديد. وجاء العنوان الرئيسى لصحيفة «ذى كوريير جورنال» مؤكدا «أوباما يفتتح صفحة تاريخية». أما صحيفة «نيوز ليدر » فكان عنوانها الرئيسى «جاء التغيير». ومثله كان عنوان «التغييرات جاءت إلى أمريكا» فى صحيفة أوكلاهومان. وتصدرت صورة الأسرة الأولى السوداء الصفحة الأولى فى صحيفة «ذى كلاريون ليدجر» تحت عنوان«الرئيس أوباما.. حلم آبائنا المؤسسين مازال حيا». وتحت عنوانها الرئيسى «زمن أوباما» كتبت صحيفة «بايلينجز جازيت» قائلة: «إن انتخاب أوباما لم يجلب فقط أمواجا من التغيير فى السياسة، باعتباره أول ملوَّن يسكن البيت الأبيض، لكن أولئك الذين هزمهم طرحوا مثلا للمساندة والاتحاد يعتبر نموذجا فى حد ذاته. فالمرشح الجمهورى المنهزم جون ماكين ألقى خطاب تقبله للهزيمة يعتبر واحدا من أكثر خطابات رجل الدولة تأثيرا وإلهاما.» ويتجلى توارد الأفكار أيضا فى أن تتخذ مجلة «ذى أوريجونيان» نفس العنوان «زمن أوباما» وتحته عنوان فرعى «أمريكا تصوت من أجل تغيير تاريخى». أما صحيفة لينكولن جورنال ستار، فكان عنوانها الرئيسى «فوز أوباما.. فجر جديد للزعامة الأمريكية». وعلى صدر صفحتها الأولى تحمل صحيفة «سياتل بوست إنتليجانس» عنوانا مماثلا «التغيير جاء إلى أمريكا» وهو نفس مانشيت صحف كثيرة أخرى صدرت فى الخامس من نوفمبر مثل: «ذا دالاس مورننج نيوز» و»هيوستن كرونيكل». فيما اختارت صحيفة جورنال سنتينل» عنوانا لها «فجر جديد» وكان عنوان الموضوع الرئيسى «دعوة المرشح للتغيير تردد صداها عبر أنحاء الأمة» وجاء فيه «دفع الاشتياق إلى التغيير والانغماس فى الاستياء، والتعثر الاقتصادى، بالناخبين إلى الالتفاف إلى مرشح لم يكن من السهل تصور انتخابه فى العقود السابقة، وكان مغمورا سياسيا قبل خمس سنوات.» وفى إيطاليا كان عنوان «كوريير ديلا سيرا» منسوبا إلى الرئيس الجديد «أوباما: سوف أغير أمريكا». أما عنوان صحيفة «كالكتا» الهندية فكان «نعم، أوباما أتى بالتغيير». وفى إيران عنونت صحيفة طهران صفحتها الرئيسية التى تصدرتها صورة من الظهر لأوباما «رئيس أسود فى البيت الأبيض». نعم.. يستطيع ولعل الصيحة التى أطلقها باراك حسين أوباما «نعم.. نستطيع!» كانت أبرز الشعارات التى لخصت عزمه على التحدى ويقينه بالفوز فى آن واحد، وهى الصيحة التى ضخت دماء الحماس والثقة فى عروق مؤيديه، كما تصدرت عناوين صحف عديدة، غداة فوزه بالرئاسة. فتوجت صحيفة «هيرالد ليدر» صفحتها الولى بعنوان «نعم، يستطيع: أوباما يفوز». واتخذت صحيفة «ذى نيوزيلاند هيرالد» شعار أوباما عنوانها الرئيسى «نعم، نستطيع». وكان عنوان «نعم فَعَلها»، هو أيضا عنوان صحيفة «تولسا وورلد». فيما عنونت صحيفة «ذى جاكارتا بوست» الإندونيسية صفحتها الأولى «بارى فعلها!». واحتلت صورة أوباما وابنته الصغيرة ميليا غلاف مجلة «تل أبيب» الإسرائيلية، تحت عنوان «أمل أمريكا». فيما دمجت صحيفة «جازيتا» البولندية اسمى أوباما وأمريكا ليصبح عنوانها الرئيسى «أوبامريكا». ولم يكن عنوان «ذى ديلى تليجراف» بعيدا عن الحقيقة، عندما قال: «الحلم يتحقق». والآن، وبعدما تحقق الحلم، وبدأ التغيير فعلا بصعود أول رئيس من أصل أفريقى إلى سدة الحكم فى العالم، لم يتبق سوى تحقيق الوعود.