بينما تمضى الثورة المصرية عبر شهور إعادة بناء المجتمع العصيبة، يسعى كل فرد إلى القيام بدوره من خلال مجال خبرته. إننى الآن فى فلسطين أستعد لتصوير فيلم سينمائى قصير، لكننى أفكر دائما فى مصر، وما يمكننى القيام به من أجل تعزيز صناعة الفيلم هناك. بالرغم من أننى أفكر فى مصر خاصة، فإن التحديات التى يواجهها صناع الفيلم، نتيجة هيمنة الثقافة الشعبية خلال القرن الماضى، تتشابه فى مناطق العالم المختلفة، ولعل السؤال الأساسى هو كيف يمكن وجود صناعة سينما صادقة وجديدة ومؤثرة، بينما ترتبط وسائل الإنتاج بصناعة معولمة، تخضع بصورة شبه كاملة لإدارة هوليوود. تتضمن صناعة الفيلم أربع مراحل، هى التصوير والإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وتمثل جميع هذه المراحل جزءا من دورة مترابطة، فعندما تصنع فيلما جيدا، تبيع المزيد من التذاكر، وتنفق أكثر على الفيلم الذى يليه، ثم يشترى عددا أكبر من الناس التذاكر وهكذا. لكننا نحتاج إلى البدء من نقطة ما، فلتكن الاستهلاك. إذا افترضنا أننا لن نقاطع النموذج الرأسمالى العالمى هذه السنة، فسوف نجد أرقاما علينا استيعابها. ذلك أنه وفقا للحكمة الشائعة فى استوديوهات هوليوود، فإن الفيلم الأمريكى، الذى يحقق انتشارا واسعا وفى الخارج يفترض أن تأتى 50٪ من إجمالى إيراداته من الداخل، ويولد الشرق الأوسط بأكمله 2٪ فقط من الإيرادات، وبالنسبة لمنطقة تضم 350 مليون نسمة، فإن هذا المعدل لا يساوى شيئا. من الصعب الحصول على أرقام رسمية فى مصر، حيث توجد 200 دار عرض سينمائى وجرى إنتاج 25 فيلما فى العام الماضى، بينما عرض 103 أفلام أجنبية حققت إيرادات كلية بلغت نحو 13 مليون دولار. وبالنسبة لبلد يزعم عن غير حق أنه يحتل المرتبة الثالثة فى صناعة السينما فى العالم، بعد أمريكا والهند، تعتبر هذه أرقاما بائسة، وإذا نظرنا إلى وجود الفيلم المصرى، فسوف نجد أن صناعة الفيلم فى مصر أصبحت مجرد خط إنتاج للأفلام العاطفية الكوميدية، والأعمال الدرامية الضعيفة، ولعل من بين الأعراض الناتجة عن تبنى مصر السريع لليبرالية الجديدة، إن الإنتاج والتوزيع يخضعان لسيطرة حفنة من اللاعبين الكبار، الذين يحققون أرباحا مريحة عبر بيع بضاعة رديئة، وبالرغم من أن مصر بدت «مفتوحة أمام الاستثمار»، فإن المستنقع الإدارى «وثيق الصلة بالفساد»، الذى يواجه كل من يريد الاستثمار فى مصر أدى إلى هروب الإنتاج الخارجى «36٪ فقط من الأفلام التى بها مشاهد تتعلق بمصر صورت فى مصر بالفعل»، والنتيجة أن صناعة الفيلم هناك ترتكز تماما على حماقة الترفيه من أجل الترفيه، بينما تطرد فى الوقت ميزتين تقليديتين لهذه الصناعة، هما المهارة الفنية والعمالة. ذلك أن أعمال الترفيه من أجل الترفيه المجردة من أى قيمة فنية حقيقية تعتبر منتجات بائسة عندما تبيع لك هوليوود الأفلام الحمقاء، فإنها على الأقل تنفق عليها كى تبدو جيدة، ولا يحدث ذلك فى مصر. وينطبق الأمر نفسه على إعادة البناء ذلك أننا نحتاج إلى إعادة تأسيس بنية العرض والاستهلاك. نحتاج إلى المزيد من دور العرض وتخفيض سعر التذاكر، وبعض دورو العرض المستقلة توجد وسائل واضحة يمكن من خلالها تعاون رجال الأعمال والفنانين لتحقيق ذلك. لكن الحكومة أيضا يقع على عاتقها دور أساسى «ما دمنا نسير فى طريق الحكومة الجديدة المجيدة». ربما تكون صناعة الفيلم الفرنسى هى الأقوى فى العالم، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، من أهمها السياسة الحمائية التى تتبعها الحكومة وتوجيه نسبة من مبيعات التذاكر إلى الإنتاج. وتحدد الحكومة الفرنسية نسبة دور العرض المخصصة للأفلام الفرنسية. ونتيجة ذلك أن 31 من بين الأفلام المائة الأعلى من حيث الإيرادات فى العالم عام 2010 كانت قد انتجت فى فرنسا، وجلبت أكثر من 300 مليون دولار للاقتصاد القومى. ولا تقوم الحكومة البريطانية بمثل هذا الدور التنظيمى، ومن بين الأفلام المائة الأعلى مبيعا فى العالم عام 2010 كان هناك ستة أفلام بريطانية بلغ إجمالى حجم إيراداتها 38 مليون دولار. ويعد ذلك أداء بائسا، بالنظر إلى إجمالى مبيعات التذاكر فى بريطانيا، الذى وصل إلى 1.68 مليار دولار. ويعبر ذلك حقا عن تدنى مكانة الفيلم البريطانى. بينما يلوح شبح المساعدات الخارجية والاستثمار الأجنبى السريع فى مصر، يتعين على الحكومة اتخاذ خطوتين حاسمتين. ويمثل التنظيم وإعادة التوزيع اثنين من العوامل المطلوبة كى تعطى صناعة الفيلم المنفذ، الذى تحتاجه من أجل البدء فى إنتاج أفلام مهمة وناجحة ومتفوقة تكنولوجيا. وقد بدأ هذا التوجه قبل الثورة، فى ظل تطور السينما المستقلة الجديدة، حيث صدر قرار يقضى بأن 50٪ من الأفلام المعروضة يجب أن تكون إنتاجا مصريا و10٪ من هذه الأفلام يجب أن تكون مستقلة. وتعتبر وهذه بداية جيدة، وإذا جرى إعادة تدوير 10٪ من مبيعات التذاكر وفى البنية التحتية السينمائية المصرية، فيمكنك البدء فى إعادة تأهيل الأرشيف السينمائى الوطنى المتعفن، وتجديد معهد السينما، وإنشاء لجنة للفيلم والتدريب على المهارات الفنية الضرورية. وبالطبع ما نحتاج إلى استهدافه ليس مجرد إنتاج أفلام تحقق مبيعات مرتفعة، بل إنتاج أفلام مصرية عن حق، إنتاج أفلام تعبر بالفعل عن الجمالية القومية. وعلى سبيل المثال، لا يوجد فى اليابان مثل هذا التنظيم الحكومى. ومع ذلك تنتج اليابان وتستهلك نسبة كبيرة من السينما اليابانية، وقد أنتجت السينما اليابانية 55 من الأفلام المائية الأعلى إيرادات فى العالم عام 2011، وقدمت ما يزيد على 1.1 مليار دولار للاقتصاد القومى، وبالرغم من أن نصيب الولاياتالمتحدة من السوق لا يزال كبيرا، فإن صعود السينما اليابانية يعد من أهم عوامل النهوض السينمائى الجديد، الممتع والشيق والمتناغم مع الجماليات الثقافية مما يجعل الجمهور المحلى كبيرا. ولا تتوقف صناعة الفيلم الكفء كلية على التنظيم الحكومى. لكنه فى الوقت الذى نسير فيه نحو مستقبلنا الجديد، يصبح التنظيم الحكومى ضرورة. وتسير التحديات الاقتصادية والفنية جنبا إلى جنب. وإذا كانت لدينا فرصة لتطوير أشكال سينمائية تمثل تعبيرا حقيقيا عن الشكل والفلسفة والجماليات المصرية، فيجب علينا مواجهة التحديين فى الوقت نفسه.