أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد محمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، توافق كوكبة من المثقفين المصريين بمختلف انتماءتهم الفكرية وعدد من كبار المفكرين في الأزهر على "وثيقة الأزهر" بشأن مستقبل مصر في الفترة المقبلة. وقال شيخ الأزهر، في بيان للأزهر الشريف ونخبة من المثقفين حول مستقبل مصر، ألقاه بمقر المشيخة اليوم الاثنين: "اجتمعت كوكبة من المثقفين المصريين على اختلاف انتماءتهم الفكرية مع عدد من كبار المفكرين في الأزهر الشريف، وتدارسوا مقتضيات اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها مصر بعد أحداث 25 يناير، وأهميتها في توجيه مستقبل مصر نحو غاياته النبيلة وحقوق شعبها في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية". وأضاف، "أن المجتمعين توافقوا على ضرورة تأسيس مسيرة الوطن على مبادئ كلية وقواعد شاملة تناقشها قوى المجتمع المصري لتصل في النهاية إلى الأطر الفكرية لقواعد المجتمع ونهجه السليم"، مشيرا إلى أن المجتمعين أكدوا أهمية دور الأزهر القيادي في بلورة الفكر الإسلامي الوسطي السديد. واعتبر المجتمعون أن الأزهر المنارة الهادية التي يحتكم إليها في تحديد علاقة الدولة بالدين، وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة، والتي ينبغي انتهاجها ارتكازا على خبراته المتراكمة وتاريخه العلمي والثقافي الذي ارتكز على الأبعاد التالية، البعد الفقهي في إحياء علوم الدين وتجديدها طبقا لمذهب أهل السنة والجماعة الذي يجمع بين العقل والنقل ويكشف عن قواعد التأويل المرعية لنصوص الشريعة، والبعد التاريخي لدور الأزهر المجيد في قيادة الحركة الوطنية نحو الحرية والاستقلال، والبعد الحضاري لإحياء مختلف العلوم الطبيعية والآداب والفنون، والبعد العملي في قيادة حركة المجتمع، وتشكيل قادة الرأي في الحياة المصرية. وشدد الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على ضرورة التأكيد على المواثيق والقرارات الدولية والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الإنسانية المتوافقة مع التقاليد السمحة في الثقافة الإسلامية والعربية، والمتسقة مع الخبرة الحضارية الطويلة للشعب المصري في عصوره المختلفة وما قدمه من نماذج فائقة في التعايش السلمي. وأكد ضرورة الحرص التام على صيانة كرامة الأمة الإسلامية والحفاظ على عزتها الوطنية، وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لاتباع الديانات السماوية الثلاث، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية معوقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف أشكالها دون تسفيه لثقافة الشعب أو تشويه لتقاليده الأصيلة، وكذلك الحرص التام على صيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي في إطار منظومة قيمنا الحضارية الثابتة. ونبه إلى ضرورة اعتبار التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري في مصر، وتكريس كل الجهود لتدارك ما فات في هذه المجالات، وحشد طاقة المجتمع كله لمحو الأمية واستثمار الثروة البشرية، وتطبيق المشروعات الاستثمارية الكبرى. وشدد على ضرورة تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء على البطالة، بما يفجر طاقات المجتمع وإبداعاته في الجوانب الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية والثقافية والإعلامية، على أن يأتي ذلك على رأس الأولويات التي يتبناها شعبنا في نهضته الراهنة، مع اعتبار الرعاية الصحية الحقيقية والجادة واجب الدولة تجاه كل المواطنين جميعا. وأكد الإمام الأكبر ضرورة بناء علاقات مصر بأشقائها العرب ومحيطها الإسلامي ودائرتها الإفريقية والعالمية ومناصرة الحق الفلسطيني، والحفاظ على استقلال الإرادة المصرية، واسترجاع الدور الريادي التاريخي على أساس التعاون على الخير المشترك، وتحقيق مصلحة الشعوب في إطار من الندية والاستقلال التام، ومتابعة المشاركة في الجهد الإنساني الكبير لتقدم البشرية، والحفاظ على البيئة، وتحقيق السلام العادل بين الأمم. ودعا إلى ضرورة تأييد مشروع استقلال مؤسسة الأزهر وعودة هيئة كبار العلماء واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر، والعمل على تجديد مناهج التعليم الأزهري، ليسترد دوره الفكري الأصيل وتأثيره العالمي في مختلف الأنحاء، واعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التي يرجع إليها في شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، مع عدم مصادرة حق الجميع في إبداء الرأي متى تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة، وبشرط الالتزام بآداب الحوار واحترام ما توافق عليه علماء الأمة. وفي ختام البيان، أهاب علماء الأزهر والمثقفون بكل الأحزاب والاتجاهات السياسية المصرية أن تلتزم العمل على تقدم مصر سياسيا واقتصاديا في إطار المحددات الأساسية التي وردت في هذا البيان.