فى الجزء الثانى من حواره مع «الشروق»، وقبل لحظات من رحيله عن مصر، يتحدث السفير البريطانى دومينيك آسكويث، والذى انتهت فترة عمله فى القاهرة أمس الأول، عن رؤيته ودولته للقضايا العالقة فى الأفق السياسى للمنطقة العربية، بما فيها الوضع فى سوريا وليبيا، وبالطبع، السلام العربى الإسرائيلى. ولا يفوته العودة إلى السنوات الأربع التى قضاها فى مصر، وما سيتذكره منها مستقبلا. سوريا وليبيا لم تكن مصر الجزء الوحيد من الشرق الاوسط الذى اختلف حاله ما بين تولى دومنيك آسكويث، منصبه كسفير لبريطانيا فى القاهرة فى ديسمبر 2007، وخروجه منه فى 30 مايو 2011. فثورات الربيع العربى التى بدأت بتونس وتلتها مصر يتسع أفقها بكل وضوح. وجارتا مصر: ليبيا وسوريا تعرضتا بالفعل لرياح الربيع العربى، كل بقدر وبطريقة. ولكن مع مغادرة آسكويث إلى بريطانيا كان كل من معمر القذافى وبشار الأسد ما زالا فى حالة مواجهة، تختلف من حال الاول إلى الثانى، مع موجات الغضب الشعبى فى بلديهما. «التيار يتصاعد بشدة فى وجه السيد القذافى ولكنه مثل كل الحكام الذين يرفضون ترك السلطة، مازال يقاوم ويتمسك بها»، يقول آسكويث. وعلى عكس التوقعات الدبلوماسية التى سادت بعد اسابيع من بدء التظاهرات فى ليبيا ورغم استمرار ضربات حلف الناتو لحماية المعارضة الليبية من الضربات العسكرية التى يشنها القذافى ضد ابناء شعبه فإن القذافى مازال يناور. ويرفض آسكويث الدخول فى دائرة التوقعات حول الوقت الذى ستحتاجه المعارضة الليبية او الناتو لوضع حد للدماء التى تسيل فى ليبيا كل يوم منذ قرابة الأشهر الأربعة، كما ان السفير البريطانى المنتهية ولايته يرفض ايضا ان يتوقع ما إذا كان ذهاب القذافى، الذى يقول كثيرون انه قريب اكثر من كونه بعيدا، سيكون من خلال صفقة سياسية أو خلال نهاية قاسية. ما يقره آسكويث أنه أصبح من الصعب جدا للقذافى أن يبقى بأية صورة وأن أحدا لم يعد لديه أية ثقة فيه وان شرعيته فى الحفاظ على حكم ليبيا الموحدة ذهبت إلى غير رجعة، كما أن المجلس الانتقالى الليبى يتحرك بكفاءة نحو التأكيد على قدرته على التفاعل مع مختلف القوى السياسية ليكون معبرا عن ليبيا الموحدة. وبالنسبة لسوريا فإن آسكويث يقول ان الوصول إلى ما يريده الشعب السورى سيتم أيضا ولكن بطريقة وبسرعة مختلفة، فلكل بلد من بلدان المنطقة طريقته وسرعته فى تحقيق ما يرغبه شعبه. ويرفض آسكويث الرأى القائل بان الدول الغربية التى تحركت نحو فرض حظر جوى على قوات القذافى فى ليبيا تتعامل بصورة اقل حسما مع الحالة السورية، ويصر، دون اشارة إلى رفض روسيا العضو الدائم فى مجلس الأمن مع بريطانيا وامريكا وفرنسا والصين تحويل الملف السورى إلى المجلس الاممى، على أن التعاطى الدولى مع الشأن السورى متوافق مع مجمل التعاطى العربى. «السؤال الحقيقى ينبغى أن يكون حول ردة الفعل التى اتخذتها الحكومات العربية إزاء الوضع فى سوريا، وبالنسبة لنا فإن الموقف الجماعى الذى اتخذته الجامعة العربية إزاء ما يقوم به القذافى ضد شعبه فى ليبيا والحاجة لتأمين الشعب كان حاسما فى الجهد الغربى فى فرض الحظر الجوى على قوات القذافى»، يقول آسكويث. ويضيف آسكويث أن الغرب ليس سلبيا بالكامل تجاه ما يحدث فى سوريا، مشيرا إلى قرار اخير اتخذه الاتحاد الأوروبى بوضع عقوبات اقتصادية على عدد من كبار المسئولين السوريين بما فى ذلك بشار الاسد رئيس سوريا. السودان والسودان أيضا الذى يترك آسكويث المنطقة لم يعد نفس السودان الذى كان عليه قبل اربع سنوات، فالسودان اليوم فى مرحلة العد التنازلى نحو تنفيذ الانفصال فى تاريخ قررته الأممالمتحدة فى التاسع من شهر يوليو المقبل تنفيذا لما خلص اليه الاستفتاء الذى جرى فى يناير من العام الحالى برغبة عارمة من ابناء الجنوب فى الاستقلال عن الشمال. «لقد تمت إدارة الاستفتاء بنجاح ولكن الفترة التى تفصلنا عن تاريخ التاسع من يوليو هى فترة بالغة الأهمية وسيكون من الضرورى ان تستعد كل الاطراف للحقيقة القادمة للسودان»، حسب آسكويث الذى يقر بأن هناك الكثير من الأمور التى تحتاج الحسم فى إطار القبول بالحقيقة الجديدة بما فى ذلك الخلاف الذى ما زال دائرا بين الشمال والجنوب حول انتماء منطقة آبيى الحدودية بين الطرفين والغنية بالنفط. أسكويذ يرفض القول بما إذا كان من شأن استمرار الفشل فى التوصل إلى اتفاق حول ابيى فى اعاقة تنفيذ الانفصال فى التاسع من يوليو ام ان الانفصال سيتم على اية حال لتنتظر ابيى توافق الاطراف المختلفة. ويقول آسكويث ان «الدور المتنامى للسياسة الخارجية المصرية فى مرحلة ما بعد الثورة وهو الدور الذى يقوم به بكفاءة الوزير نبيل العربى الذى مثل مكسبا كبيرا للسياسة الخارجية المصرية كما سيكون مكسبا كبيرا ايضا للجامعة العربية التى انتخب امينا عاما لها يمكن ان يسهم فى تسوية الكثير من الامور فى السودان بما فى ذلك ملف ابيى خاصة فى ضوء الحرص الواضح للسياسة الخارجية فى حالها الجديد لمد جسور التعاون مع كل افريقيا». السلام المفقود الشىء الذى لم يمسسه أى تغير خلال السنوات الأربع الماضية هو بالتأكيد ملف التسوية للصراع الفلسطينى الاسرائيلى والذى لا يبدو فى ضوء الخطاب الذى القاه رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس قبل أيام والذى حمل كل آيات الرفض لاساسيات التسوية المتفق عليها أنه مرشح للتغير حتى فى السنوات التى سيمضيها جيمس وات خليفة آسكويث الذى سيصل مصر فى السادس من يونيو الحالى. لا يود آسكويث الدخول فى الكثير من التعليقات على خطاب نتنياهو ويكتفى بالقول إن الموقف الذى تدعمه بلاده هو «حث الطرفين (الفلسطينى والإسرائيلى) على التفاوض من اجل السلام بناء على أسس متفق عليها وفى اطار زمنى متفق عليه أيضا وهذا ما دعا إليه (الرئيس الأمريكى باراك) اوباما أخيرا». وكل ما يقبل آسكويث ان يقوله حول خطاب نتنياهو انه «إذا كان أى من الأطراف مقدما على اتخاذ خطوات من شأنها ان تحول دون تحقيق هذا السيناريو فإننا نفعل ما بوسعنا لنذكره أن وضع الشروط المسبقة لا يجدى نفعا». وبعد بضع من الوقت يقول آسكويث إنه «إذا ما نظر إلى ما جاء فى خطاب نتنياهو (امام الكونجرس) على انه شروط مسبقة فإن ذلك لن يكون مفيدا ولكن اذا ابدى نتنياهو انفتاحا على التفاوض فإن ذلك سيكون مفيدا». ويسرع آسكويث ليضيف الاضافة الحتمية التى لا يمكن ان يخلو منها حديث اى دبلوماسى غربى «وبنفس القدر فإن الفلسطينيين عليهم الا يتخذوا ذريعة من خطاب نتنياهو لغلق الطريق امام التفاوض»، رغم الإدراك أن أحدا ليس لديه تفاؤل مفرط حول ما يمكن أن تأتى به المفاوضات إذا وقعت. وبنفس القدر من التحسب يقول آسكويث إنه لن يقرر مسبقا الموقف الذى ستتخذه لندن إزاء المطلب الفلسطينى باعتراف الاممالمتحدة بدولة فلسطين وهو الطلب الذى اعلنت الجامعة العربية انها ستتقدم به إلى الجمعية العامة القادمة للأمم المتحدة والتى تنعقد فى الاسبوع الثالث من شهر سبتمبر القادم. «إن الامر يتعلق بما سيحدث ما بين الآن وسبتمبر،» حسب ما قال آسكويث للشروق. الحياة فى مصر وقبل ذهابه يقول آسكويث انه سيذكر دوما السنوات التى قضاها فى مصر بانها جمعت العمل بالتعرف الشيق على البلد واهله. آسكويث الذى عرف عنه كثرة التنقل فى أنحاء القاهرة وأنحاء مصر بأسرها يقول انه استمتع بالعمل من مقر السفر ومقر اقامة السفير «الذى تتسع مساحته دون أن يفقد الجو الحميمى» فى جاردن سيتى ولكن استمتاعه الاكبر كان بالتجول فى القاهرة الإسلامية وامضاء بعض الامسيات فى حى الزمالك. الصحراء المنفتحة والشواطئ الرائعة، خاصة على شاطئ المتوسط فى منطقة مرسى مطروح على وجه الخصوص، كانت جاذبة لآسكويث واسرته. «سوف اتذكر دوما أياما أمضيتها فى منطقة الجلف الكبير مع زوجتى وأصدقاء لى برفقة اشخاص رائعين من بدو الواحة البحرية». فى واحدة من تلك الأمسيات، كما يذكر آسكويث، استمتع الجميع بالغناء والسهر حول النيران المشعلة لشى اللحوم للعشاء. «لقد غنى ليلتها البدو كثيرا من أغانيهم وفجأة قال أحدهم لقد غنينا نحن كثيرا لماذا لا تغنون لنا اغنية، وعندئذ أدركنا أن أيا منا لم يكن يستطيع ان يغنى أغنية انجليزبة من البداية للنهاية بالكامل اعتقد ان هذا شيئا اصبحنا نفتقده». الطعام المصرى أيضا بدءا من الفول والطعمية مرورا بالملوخية والبامية والحمام وكلها اصناف كانت على موائد مصرية لتوديع آسكويث وأسرته كانت من الأشياء التى استمتع بها آسكويث. لكن الاستمتاع الحقيقى له وللويز كان بالفن التشكيلى المعاصر فى مصر، حيث حرصا على ارتياد المعارض واقتناء اللوحات. «نأخذ معنا اربع لوحات وكنا نتمنى لو كان بمقدرونا اقتناء المزيد»، يقول آسكويث. من ديانا إلى كيت أما حال العلاقات المصرية البريطانية فإن آسكويث يتركه بالتأكيد فى حال اكثر تفاعلا عما كان عندما وصل لمصر، حيث يؤكد الكثير من المسئولين الرسميين المصريين أن «هذا السفير قام بجهد كبير» فى سبيل تحسين العلاقات. آسكويث يرى أن العلاقات بين البلدين يسودها ود وتقدير، يرفض مقارنته بحال العلاقات بين مصر وأمريكا التى تقع سفارتها الضخمة فى مقابل مقر السفارة القديم لبريطانيا. وبالنسبة لآسكويث فإن الفارق الكبير بين الاهتمام الذى ساد فى مصر كما العديد من بلدان العالم بمتابعة الزواج الملكى للامير تشارلز ولى العهد البريطانى وليدى ديانا سبنسر فى الثمانينيات من القرن الماضى وبين الزواج الملكى للامير ويليام وكيت ميدلتون شهر ابريل الماضى لا يعبر بالضرورة عن تراجع الاهتمام ببريطانيا فى مصر. «حفل زفاف تشارلز وديانا كان استثنائيا.. وكذلك كان الحال بالنسبة لليوم الذى ماتت فيه ديانا» بعد ذلك بسنوات، ولكننى كنت فى المركز الثقافى البريطانى يوم زواج ويليام وكيت وهناك وجدت كثيرين يتابعون حفل الزفاف». ويقر آسكويث ان هناك الكثير مما يمكن القيام به لتعزيز العلاقات الثقافية والشعبية بين مصر وبريطانيا لتتماثل مع ما يراه انها علاقات رسمية جيدة للغاية.