نشر هذا المقال بتاريخ : 22/2/2009 لم تدم سيطرة أوبك على الأسعار، والتى يمثل النفط العربى ثلاثة أرباع نفوطها، أكثر من عشر سنوات، اذ نجحت الدول الصناعية الغربية، بقيادة الولاياتالمتحدة، فى وضع وتنفيذ خطط لاستعادة تلك السيطرة، ومن ذلك انشاء وكالة الطاقة الدولية IEA عام 1974 بهدف تنسيق مواقفها ومن بينها وضع نظم لتخزين النفط داخل الدول الصناعية لمواجهة الأزمات، ثم تشجيع الانتاج خارج أوبك فارتفع بنحو 8 مليون برميل يوميا (ب/ى)، كما استخدمت برامج صارمة لترشيد الاستهلاك فأمكن توفير 6 ملايين ب/ى. كذاك، لم تتوقف الدول الغربية، بقيادة الولاياتالمتحدة، عن ممارسة أساليب مختلفة للضغط على الأسعار. فبالاضافة لتنشيط الإنتاج خارج أوبك ولو بتكلفة أعلى، قامت بالاحتفاظ بمخزون نفطى تجارى واستراتيجى كبير لاستخدامه فى الأزمات النفطية. وكان الضغط الغربى يأخذ أحيانا شكلا دبلوماسيا إذ يقوم ممثلو الدول الغربية بزيارة أقرانهم بالدول المصدرة للنفط، وبخاصة دول الخليج، "لإقناعهم" بزيادة الإنتاج وخفض الأسعار. وكانت تلك البعثات تقابل بزيادة الإنتاج فعلا وبالاعتذار عن ارتفاع الأسعار. ومن أحدث الأمثلة على ذلك ما دعى اليه الرئيس بوش ونائبه اثناء زيارتهما الأخيرة لدول الخليج واستجابة بعضها لهذه الدعوة بصورة مبالغة مما أدى الى انهيار السعر من 140 دولارا الى نحو 40 دولارا فى أقل من 6 أشهر. ومن صور الضغط الأمريكى ما كان يأخذ صورة ابتزاز تمارسه هيئات تشريعية وقضائية متعصبة ضد أوبك والعرب بصفة خاصة. فقد تقدم بعض أعضاء الكونجرس الأمريكى فى ابريل 2004 بمشروع قانون يستهدف تعديل قانون مكافحة الاحتكار بما يسمح بتجريم أى عمل يستهدف التأثير على أسعار النفط وكذلك الممارسات التى تتعارض مع متطلبات المنافسة. ويستهدف التعديل التشريعى فى الأساس إخضاع دول أوبك للمحاكمة أمام المحاكم الأمريكية باعتبارها "كارتل" يستهدف احتكار النفط وتحديد أسعاره. وبدون انتظار هذا التعديل التشريعى كان قاضيا فدراليا قد أصدر في ابريل 2001 قرارا باتهام أوبك أنها تتواطأ بهدف تقييد حرية التجارة في النفط مخالفة بذلك القوانين الأمريكية. وقد ظلت القضية تتداول فى المحاكم الأمريكية إلى أن رفضتها المحكمة العليا فى أكتوبر 2004. وفى يوليو 2004 أعلن بعض أعضاء الكونجرس الأمريكى اعتزامهم دفع ممثل الولاياتالمتحدة فى منظمة التجارة العالمية WTO لتقديم شكوى ضد أوبك لأن سياستها الإنتاجية قد ساهمت فى رفع أسعار البنزين فى الولاياتالمتحدة". وكان مما تضمنته السياسات التى استخدمتها الدول الصناعية الغربية، بقيادة الولاياتالمتحدة، إعادة تسليح إسرائيل وتزويدها بسلاح نووى لتنشيط دورها كشوكة فى ظهر العرب وتفتيت قدراتهم على حماية الحقوق المشروعة التى اكتسبوها فى ظل حرب أكتوبر. أخيرا، وباحتلال الولاياتالمتحدة للعراق انتقل الضغط الغربى الأمريكى إلى مرحلة أكثر خطورة، إذ لم يعد مساومة تجارية أو ضغطا دبلوماسيا أو ابتزازا سياسيا، بل صار استعمارا سافرا من نوع الاستعمار الذى مارسته منذ قرون الإمبراطورية البريطانية فى الهند ودول أخرى بقصد نهب ثرواتها الطبيعية. وكان من نتائج السياسات الغربية انخفاض انتاج أوبك من 31 مليون ب/ى عام 1979، الذى بلغ التخزين الاستراتيجى ذروته خلاله، الى نحو 18 مليون ب/ى عام 1986. وبذلك أجبرت أوبك على اغلاق نحو 13 مليون ب/ى من قدرتها الإنتاجية. وقد استخدمت تلك القدرة الانتاجية المغلقة، والتى أشعلت المنافسة بين المنتجين لتنشيطها وتسويقها، اضافة الى ضغوط ومناورات الدول الصناعية الغربية، بقيادة الولاياتالمتحدة، للضغط على الأسعار، فأخذ السعر فى التآكل خلال النصف الأول من الثمانينيات ثم انهار فى 1986 من 28 دولارا الى 13.5 دولار وهو ما يعادل 5.5 دولار فى صورته الحقيقية باستخدام دولار ثابت القيمة عند 1973. وقد ظل السعر الاسمى يراوح حول 18 دولارا خلال الفترة 1986-2003، وان كان لم يتجاوز فى صورته الحقيقية 5 دولارات مقومة بدولار 1973 الذى صححت خلاله الأسعار من 3 الى 11.65 دولارا بفضل اكتوبر (ينظر الجدول). وعلى امتداد الفترة 1986-2007 أخذت قدرة أوبك الانتاجية المغلقة (وهى ما تمثل القدرة الاحتياطية Spare capacity) فى التآكل نتيجة لارتفاع صادرات أوبك من نحو 15 مليون ب/ى الى 29 مليون ب/ى، كما ارتفع الاستهلاك المحلى فى دول أوبك من 3.4 مليون ب/ى الى 6.4 مليون ب/ى. ومن ناحية أخرى عجزت الاستثمارات النفطية عن توسيع القدرة الانتاجية للنفط، نتيجة لتآكل أسعار النفط وتقلص عائداته فى صورتيها الاسمية والحقيقية، وبذلك تحولت الفوائض النفطية فى الدول المصدرة الى عجز دفعها للاستدانة فى أسواق المال العالمية. على تلك الخلفية، قفز النمو الاقتصادى العالمى خلال الفترة 2003-2007 قفزة غير مسبوقة، فقفز معه الطلب العالمى على النفط من نحو 78 مليون ب/ى الى نحو 85 مليون ب/ى. بذلك اختل التوازن بين الطلب المتزايد وبين الامدادات التى تقلصت قدرتها الاحتياطية المغلقة - وهى من أهم محددات السعر اذ يعتمد عليها مدى استمرار التدفق وقت الأزمات - الى نحو 2 مليون ب/ى أغلبها نفط ثقيل فى السعودية ويصعب تسويقه لضعف الطلب عليه. وقد قترن بهذا الاختلال فى آليات السوق Market fundamentals (وأهم عناصرها العرض والطلب والتخزين والقدرة الانتاجية الاحتياطية) احتلال الولاياتالمتحدة للعراق والتهديد بضرب ايران وما نتج عنه من توترات جيوسياسية فى منطقة الخليج التى تضم ثلثى احتياطيات العالم من النفط. كذلك شجع ضعف الدولار خلال السنوات الأخيرة على تحول جانب كبير من المضاربين الى المضاربة السلعية وقى مقدمتها النفط الورقى Paper barrel الذى يبلغ التعامل اليومى عليه فى البورصات العالمية اكثر من عشرة أمثال التعامل على النفط الحقيقى Wet barrel. ومن جماع تلك القوى، وغيرها مما لا يتسع المجال لمناقشته، قفز السعر الاسمى لنفط أوبك ORB من 28 دولارا عام 2003 الى 36 عام 2004 والى 50 عام 2005 والى 61 عام 2006 و69 عام 2007، ثم 108 دولارات فى المتوسط خلال النصف الأول من 2008 وحلق حول 140 دولارا فى يوليو 2008 ولكنه عاد يتقلص الى ان استقر حول 40 دولارا خلال يناير وفبراير 2009. تطور السعرين الاسمى والحقيقى، وحجم وعائدات أوبك النفطية (الوحدة = السعر بالدولار، والعائدات بمليار دولار، والصادرات بمليون برميل يوميا) التاريخ أو السنة السعر الاسمى السعر بدولار1973 نصيب الدولة بدولار اسمى صادرات أوبك العائدات مقومة بدولار 1973 1970 1.80 0.91 22.10 7.34 أول أكتوبر 1973 3.01 3.05 2.00 يناير 1974 11.65 9.68 9.21 28.80 80.44 أول يوليو 1977 13.66 8.67 12.16 29.06 81.86 أول يونيو 1979 18.00 9.04 السعر – التكلفة 28.58 94.30 1980 28.64 13.26 " 24.51 118.63 1981 32.51 15.55 " 20.21 114.71 1984 28.20 14.66 " 13.92 74.49 1986 13.53 5.50 " 15.46 31.04 1987 17.73 6.25 " 15.00 34.22 1988 14.24 4.71 " 16.66 28.64 1991 18.62 5.18 " 20.39 38.55 92-1999 متوسط 16.99 4.45 " 22.81 37.05 2000 27.60 7.79 " 25.83 73.44 2001 23.12 6.58 " 24.59 59.05 2003 28.10 6.51 " 24.03 57.10 2004 36.05 7.58 " 26.79 74.12 2005 50.84 10.39 " 27.74 105.50 2006 61.08 12.19 " 27.78 123.91 2007 69.08 12.62 28.66 132.00