يبدو أن الأسبوعين اللذين قضاهما الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما في البيت الأبيض حتى الآن وكأنهما أطول بكثير لكثافة ما حدث خلالهما وما كتب عنهما. بعد يوم التنصيب الأسطورى 20 يناير الذى لم تشهد واشنطن سابقة له ، حيث بلغت نسبة التأييد لأوباما ولطريقة تناوله مهام وواجبات البيت الأبيض 83% من الشعب الأمريكي ، إلا أنها تدنت إلى 64% فقط أمس الأول طبقا لإحصاء قامت به صحيفة "يو. إس. إيه. توداى" USA Today بالتعاون مع معهد جالوب Gallup ، منذرة بقرب انتهاء حالة النشوة التى عمت أمريكا منذ تنصيبه. ورغم الاهتمام غير المسبوق الذى حظى به أوباما، إلا أن بدء العمل الحكومى الحقيقى وما به من بيروقراطية وتعقيدات ومناورات جعله يواجه بعض التعثر عند مواجهة المسئوليات الفعلية لأهم وظيفة فى العالم. على خلاف معظم الرؤساء الأمريكيين (آخرهم بوش الذى كان يبدأ يوم عمله قبل السابعة صباحا) يبدأ أوباما يومه متأخرا فى التاسعة، ولا يرتدى دائما بدله كاملة فى مكتبه البيضاوى، إلا أن هذا المظهر البسيط لم يمنع أوباما من اتخاذ قرارات شديدة التعقيد والخطورة فى الساعات الأولى لحكمه فبدا متحمسا لقرار إغلاق معتقل جوانتانامو خلال عام، ووقف التعذيب وتعليق محاكمات المعتقلين، وتوجهه المبكر للعالم الإسلامى، وسوء اختيار بعض مرشحيه لمناصب وزارية دعته أن يقر لمحطة "سى. بى. إس" CBS مساء يوم الثلاثاء الماضى I screwed up أنا فشلت تعليقا على خطأ ترشيحه لتوم داشيل. تشكيل إدارة تعكس ملامح أمريكا القرن ال 21: اختيار الرئيس أعضاء إدارته جاء ممثلا لأمريكا الجديدة، ويعكس تنوعها العرقى الحقائق الديموجرافية الجديدة التى تعرضت لها أمريكا خلال الثلاثين عاما الأخيرة. ويبلغ عدد سكان الولاياتالمتحدة 303 ملايين نسمة، البيض منهم 70% واللاتينيون 14% والسود 12% وبقية عرقية متنوعة ما نسبته 4%. ويتوقع أن يفقد البيض أغلبيتهم بحلول عام 2042 طبقا لتوقعات مجلس الإحصاء الأمريكى. ومن بين 20 وزيرا هناك وزيران من أصول آسيوية هما وزير الطاقة "ستيفن تشو"، ووزير شئون المحاربين القدامى "إريك شينسكى". واختار أوباما وزيرين من أصول لاتينية هما وزيرة العمل "هيلدا سوليس" ووزير الداخلية "كين سالزار". وهناك أربعة وزراء سود من أصول أفريقية هم وزير العدل "إريك هولدر" ووزيرة البيئة "ليزا جاكسون" ومندوبة الولاياتالمتحدة فى الأممالمتحدة السفيرة "سوزان رايس" والممثل التجارى الأمريكى "رون كيرك". ويمثل النساء خمس وزيرات إذا أضفنا "هيلارى كلينتون" وزيرة الخارجية ووزيرة الأمن الداخلى "جانيت نابولانو". وهناك وزير واحد من العرب الأمريكيين هو وزير النقل "راى لحود". وبقية الوزراء 8 من الرجال البيض. وتضم وزارة أوباما وزيرين من الجمهوريين هم وزير الدفاع "روبرت جيتس" ووزير التجارة "جد جريج" فى سابقة فريدة تنفيذا لوعوده أثناء الحملة الانتخابية حين وعد بتشكيل وزارة لا تعرف الانتماء الحزبى. إلا أن اختيار أوباما لمرشحيه لم يخل من إخفاقات. فجاء ترشيحه ل "توم داشل" لمنصب وزير الصحة، والذى سحب ترشيحه بعد انتشار أخبار تهربه من دفع مبلغ 146 ألفا للضرائب، صفعة كبيرة لأوباما الذى ذكر أمس الأول أنه يدعم داشل بصورة مطلقة، وعاد أمس وذكر أنه ارتكب خطأ فادحا. كان وزير الخزانة "تيموثى جيثنر" أيضا قد تعرض لعرقلة التصديق على ترشيحه الأسبوع الماضى أمام اللجنة المالية فى مجلس الشيوخ بسبب تأخره عن دفع ضرائب الدخل، بينما كان يعمل لدى صندوق النقد الدولى. الاقتصاد: سيطر الاقتصاد ومشكلاته على معظم وقت أوباما حتى مع موافقة مجلس النواب الأمريكى على خطته لدعم الاقتصاد لضخ 819 مليارا لإنعاش الاقتصاد الأمريكى الذى يمر بكساد لم يعرفه منذ ثلاثينيات القرن الماضى. وصوت 244 عضوا وكلهم من الديمقراطيين لصالح الخطة، فى حين اعترض عليها 199 عضوا من ضمنهم كل الأعضاء الجمهوريين ال 188 بالمجلس، إضافة إلى 11 عضوا من الديمقراطيين ويرى أوباما أن خطته ستوفر ما بين 3 و4 ملايين فرصة عمل جديدة. جاء رفض كل الأعضاء الجمهوريين للخطة كصفعة له لجهوده لتحييد الانتماء الحزبى فى جهود دعم الوضع الاقتصادى المتدهور. كما أن تقديم مجموعة من الأعضاء الجمهوريين فى مجلس الشيوخ أمس خطة بديلة بتكلفة 445 مليارا لدعم الاقتصاد سيكون نصفها فى صورة تخفيضات ضريبية ينذر بمعركة ثانية حامية. حواره المبكر مع العالمين العربى والإسلامى: بادر أوباما فى خطاب تنصيبه بذكر أنه "يريد أن يسلك منهجا جديدا مع العالم الإسلامى يقوم على الاحترام المتبادل"، وبعد ستة أيام منح محطة تليفزيون العربية سبق أول مقابلة له من داخل البيت الأبيض وقال فيها إن "مهمتى بالنسبة إلى العالم الإسلامى هى أن أوضح لهم أن الأمريكيين ليسوا أعداء لكم، نحن نرتكب الأخطاء أحيانا، فنحن لسنا كاملين". وأضاف قائلا "إن علاقات الاحترام والشراكة التى كانت أمريكا تقيمها مع العالم الإسلامى منذ وقت ليس ببعيد 20 أو 30 عاما، فليس هناك سبب يمنعنا من استعادة هذا ثانية"، وبالنسبة إلى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، قال أوباما فى مقابلته التليفزيونية إن حكومته "لن تنتظر حتى نهاية ولايتى للتعامل مع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بل سنبدأ فى الحال" وأسرع بتعيين السيناتور جورج ميتشل كمبعوث رئاسى للشرق الأوسط، وإرساله للمنطقة. قرارات خطيرة غير مقبولة شعبيا غلق جوانتانامو: بعد ساعات من تنصيبه رئيسا، أمر أوباما المدعين العسكريين فيما يعرف ب"محاكمات جرائم الحرب" بمعسكر جوانتانامو بإيقاف كل القضايا المنظورة فيها لمدة 120 يوما، ولاحقا أصدر مرسوما رئاسيا بإغلاق معتقل جوانتانامو فى غضون عام. ولا يوافق 50% من الأمريكيين على هذا القرار، ويوافق عليه 44% فقط طبقا لاستطلاع رأى قامت به صحيفة "يو. إس. إيه. توداى" بالتعاون مع معهد جالوب. تمويل أبحاث الإجهاض: كان قرار أوباما المتعلق برفع الحظر على التمويل الحكومى لمؤسسات تحديد النسل الأجنبية التى تروج أو تعطى معلومات حول الإجهاض، هو أكثر قرار لقى معارضة داخلية وخارجية. فبجانب الفاتيكان وبعض الدول الكاثوليكية لا يوافق 58% من أفراد الشعب الأمريكى على هذا القرار، فى حين أيده 35% فقط. وقد انتقدت الجماعات القوية لمناهضة الإجهاض فى الولاياتالمتحدة رفع الحظر.