جدول امتحانات الأزهر الشريف.. وتنويه مهم بشأن المقررات الدراسية    تفاصيل المرحلة الثانية من القافلة السادسة لدعم غزة.. تشمل 2400 طن مساعدات    مصدر: وزير الخارجية المصري يتوجه إلى تركيا قبل زيارة مرتقبة للسيسي    عاجل...العقوبات المنتظرة على الزمالك بسبب لقاء القمة    الأهلي يستعيد خدمات مروان عطية في رحلة الكونغو    كولر يفاجئ لاعبيه بعد الهزيمة من الزمالك    ضبط 23 مليون جنيه في قضايا اتجار بالعملة خلال 24 ساعة    "الصحة": ميزانية التأمين الشامل تتحقق تغطية ل 70% من المواطنين (فيديو)    بمعدل نمو 48%.. بنك فيصل يربح 6 مليارات جنيه في 3 شهور    مسئولو الإسكان يتابعون سير العمل بالمنطقة الصناعية في العاشر من رمضان    امتى هنغير الساعة؟| موعد عودة التوقيت الصيفي وانتهاء الشتوي    14 مشروعا كمرحلة أولى لتطوير موقع التجلى الأعظم بسانت كاترين    وكيل الأزهر للعاملين ب "البحوث الإسلامية": الظروف المحيطة تحتاج مزيدا من الأداء    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    إعلام عبري: إسرائيل قد تغتال قادة إيرانيين للرد على الهجوم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    قراصنة دوليون يخترقون بيانات حساسة في إسرائيل    ننشر شروط وقواعد القبول في المدارس المصرية اليابانية    ضغوط الفائدة.. المركزي يرفض بيع أذون الخزانة المستهدفة لأول مرة منذ التعويم    لتخفيض سعر الرغيف الحر.. تفاصيل اجتماع شعبة المخابز مع وزير التموين    دوري المحترفين.. «5 مواجهات» في الجولة السادسة بمجموعة الهبوط    ثلاثة مصريين في نهائي بلاك بول المفتوحة للاسكواش    بنى سويف تنفذ اختبارات الانتقاء بدوري مراكز الشباب في نسخته العاشرة    «التصديري للصناعات الهندسية»: 18 شركة بالقطاع تشارك بمعرض كانتون في الصين    "التعليم" تجري تقييمات للطلاب في المواد غير المضافة للمجموع.. والمدارس تحدد المواعيد    ضحايا وسيول بسبب تقلبات الطقس .. ماذا يحدث فى دول الخليج ؟ الأرصاد تجيب    انتقام ناري وراء تفحم شقة بالوراق    ضبط 171 قضية مخدرات و27 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    «الداخلية» تكشف تفاصيل ظهور شخصين يستقلان دراجة وبحوزتهما أسلحة نارية في الجيزة    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    لمشاهدة فيلم شقو.. جمهور السينما ينفق 41 مليون جنيه (تفاصيل)    توقعات برج الميزان في النصف الثاني من أبريل 2024: «قرارات استثمارية وتركيز على المشروعات التعاونية»    مستشار المفتي: مصر قدَّمت مع ميلاد جمهوريتها الجديدة نموذجًا محكما في التواصل العالمي    بمهرجان كان.. فيلم شرق 12 يشارك في مسابقة أسبوع المخرجين    ربنا مش كل الناس اتفقت عليه.. تعليق ريهام حجاج على منتقدي «صدفة»    «افرح يا قلبي».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب ل علوية صبح    رئيس الوزراء يُتابع الخطط المستقبلية لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.. توفير 319 ألف فرصة عمل.. تسهيل وتقديم الخدمات ل 173 ألف مشروع.. وضخ 3.1 مليار جنيه لتمويل 111 ألف مشروع    اعتماد مستشفى حميات شبين الكوم من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    كول بالمر يصبح أول لاعب في تشيلسي يقوم بتسجيل سوبر هاتريك في مباراة واحدة منذ فرانك لامبارد في 2010    معلومات الوزراء: الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو    فيلم شقو يتصدر الإيرادات بتحقيق 41 مليون جنيه في 6 أيام    هل أداء السنن يغني عن صلاة الفوائت؟ أمين الإفتاء يوضح    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    أوكرانيا: الجيش الروسي يقصف 15 منطقة سكنية في خيرسون    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    تحرير 31 محضرا بمخالفات لمخابز فى السنبلاوين    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورتنا : قصص فى حجم الكفين
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 04 - 2011


فَجر
فجر السبت، 29 يناير، العالم من حولنا فراغ، خواء، غارق فى الوحشة والصمت، عقب بركان الأمس.
نهار ومغرب وليلة أمس قامت القيامة، اشتعلتْ النيران فى كل مكان، وارتفع صوت الرعب، وعبث وحش الموت، بطول البلاد وعرضها، وفجر اليوم سبت الرماد.
السماء من فوقنا ما تزال سوداء، لم يتخللها نور بعد، ظلام فى الأزقة، الحوارى، الشوارع، عتبات البيوت، مداخل العمارات، وفوق الساحات، والميادين. هواء البلاد دخان أسود، أُكسجين تنفسنا صلب كبرادة حديد، وأفئدة الخلق مستوحشة، فزعة، وخائفة.
كل شىء وحشة وفراغ فى عيوننا الساهرة، حتى النائمة، إن كانت قد نامت عيون.
شخص وحيد يسير فى الشوارع، تحت الضباب، وغبش الفجر، غير عابئ بالخوف، وبالبرد. يلبس ثوبا أبيض، ويلف حول رقبته كوفية صوف، بألوان ثلاثة: الأحمر والأبيض والأسود. يحمل على كتفه سلَّما معدنيا، مزدوجا صغيرا، يسنده بيسراه، ومعلق بيمينه حقيبة جلدية، مفتوحة السوستة، تبرز منها علب اسبراى طويلة.
الرجل يمشى على مهل، بحموله، فى البرد القارس، ينتقل من شارع رئيسى إلى آخر. أحيانا تتباطأ حركته، ليتأمل واجهة مقهى، أو دكان، مدخل محطة مترو أو قطارات، حديد كوبرى أو سور مدرسة أو مصنع. أحيانا يتوقف أمام مبنى، ينزل سلَّمه من فوق كتفيه، ويعاين الواجهة، يهز رأسه غير راض، يتردد، بعد وقت يغيّر رأيه، فيحمل سلمه ويمضى بحثا عن مكان أفضل، حتى يتوقف مرة أخرى.
ببطء ودقة يتأمل بناية، وعندما يقر له قرار يبدأ العمل. يفتح سلمه المزدوج، ويصعد لأعلى درجاته، يسحب من حقيبته علبة اسبراى ويرجها بقوة، يشرق وجهه، وهو يرش الحائط أولا بالأبيض، ثم فوقه يكتب باللون الأحمر، بخط جميل، ثم يهبط، ويهم بالمغادرة.
يحمل سلّمه فوق كتفه وظهره، وحقيبته فى يده، ويمشى لمسافة أبعد، يتجول من حىّ إلى آخر من أحياء المدينة. لعشرات المرات سيتوقف، عندما يعجبه حائط شركة، أو فرن، أو سينما، يفتح سلمه المعدنى الصغير ويصعد، ومبتسما يكتب.
هكذا منذ الفجر كان يعمل بجد واجتهاد، وبوجه مشرق.
حتى بداية ظهور الناس فى الشوارع كان يكتب، يغطى معظم حوائط المدينة بكلمتين: «ثورة مصر».
كان الرجل يبث الأمل.
خوف
فى طريقى إلى الميدان كنتُ خائفا، ومرعوبا، أتحسس، بأصابع يدى اليمنى مقبض سكين المطبخ الطويل، تحت جوربى. نصله الحاد يَخزُ جلدى مع اهتزاز التاكسى العتيق، فأتألم زاما شفتى. نظرى زائغ ومتردد، أنظر إلى السائق بجوارى، وإلى الطريق أمامنا، وإلى الشارع والأشياء فى الخارج، بتوجس وريبة.
بينى وبينه صمت ثقيل، هو ثابت وساكن خلف عجلة القيادة، عيناه متجمدتان على الطريق أمامه، لكنى أشعر برعشة قلبه فى صدره، بتوتره، وبخوفه منى، تماما، كخشيتى منه.
يبدو السائق فى منتصف الثلاثينيات، تلمع فى خنصر يسراه دبلة زواج، ملامح وجهه صماء وحادة، غارق فى ذاته، سارح، وذهب أبعد كثيرا، من عجلة القيادة والطريق، دون أن ينسى وجودى إلى جواره، وخوفه الرابض.
السائق يقود بسرعة بطيئة جدا، والسيارة تكاد لا تبرح مكانها رغم خلو شارع مراد أمامنا. لا سيارات وراءنا أيضا.
الولد والبنت والزوجة فى البيت وحدهم، خائف أن يقتحم عليهم الشقة لص أو مجرم هارب أو بلطجى. يا رب، لا تدع أحدا يؤذيهم، أنا أدافع عنهم فى مكان آخر، ابق معهم، احفظهم، أعرف أنك الحافظ، العادل.
السجون فُتحتْ، وهرب آلاف السجناء، العصابات المسلحة،الجديدة، والسرّية التى كانت تعمل تحت الأرض، والمُدَخرة لهذا اليوم، اللصوص، والبلطجية يهاجمون البنوك، والمراكز التجارية، المصانع والمستشفيات، والأحياء السكنية، والبيوت والشقق، ويعيثون فسادا فى كل مكان.
لا تلتقى عيناى أبدا بعينى السائق إلى جوارى، كلانا غارق فى أفكاره، وخوفه، وبصيص أمله. والقاهرة حولنا شبه خاوية، تكاد تكون مهجورة، لا أحد تقريبا فى الشوارع، شبابيك البيوت، والعمارات، والشركات مغلقة، الفنادق خرائب مهجورة، صمت جارف جاثم فوق جسد أصخب مدن الشرق، المشهد كله خاو من السكان، البشر، الإنسان، حتى شمس الصباح حزينة، واهنة.
عندما وصلنا إلى كوبرى الجلاء تنفسنا، أنا والسائق، الصعداء أخيرا.
عند مدخل الكوبرى دبابة، فوقها جندى، ساكن وهادئ.
وبدأنا نسمع هدير الهتاف يأتى من ميدان التحرير، الناس كلهم هناك، القاهرة كلها هناك.
توقفت السيارة عند كوبرى قصر النيل، نزلتُ، وتبادلتُ والسائق ابتسامة أمل وأمان، وسرتُ فى طريقى إلى التحرير.
فتاة
هل كنتَ تجلس إلى جوارى هناك، ورأيتَها، تلك الفتاة الجميلة؟
كان خلفنا مدخل المترو، وعمارة على بابا القديمة، وشجرة رمضان، التى يفرش تحتها الجرائد، والمجلات، والكتب. وكنتُ جالسا فوق حديد سور الميدان، بالكاد أحشر جسدى بين اثنين لا أعرفهما، لعلكَ كنتَ أحدهما.
كنا متوحدين، أجسادنا متلاصقة، آمالنا واحدة، ونحاذر أن نسقط من فوق السور، ونقع على الناس أمامنا.
أتذكر؟ أتذكرها؟
كان أمامنا حشود، بحر من الرجال والنساء، الشباب، والكهول والعجائز، ما لا يُحصى ولا يعد من شعب مصر.
هل انتبهتَ إليها، لمحتها، أرأيتها وسط كل هذا الزحام؟
امرأة سمراء، كلون نهر النيل، فى نحو الثلاثين، ترتدى جينز، وجاكيت أسود، شعرها أسود طلق، ينسدل على كتفيها بإهمال، وجهها صبوح خال من الماكياج، وحول جبهتها يلمع شريط بعلم مصر، كانت تتجول، وبيدها شنطة بلاستيك بيضاء، مفتوحة.
اقتربت منا، متكئة بيسراها، بعفوية، على كتف واحد، ومدت يدها اليمنى لنا بالشنطة، وهى تبتسم ابتسامة عذبة، كان بالشنطة سندوتشات فول، وطعمية، وبطاطس، وبعض الطرشى.
مددتُ يدى، وأخذت سندوتش فول، جاوبتنى فرحة، بابتسامة أخرى، أكلتُ، ومضغت أشهى طعام.
هل رأيتَها، هل أكلت من فولها، هل كنت معى هناك؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.