سنوات فلافيو فى لندن تقاطعت دائما مع الوطن. مصر التى فى خاطره تناثرت فى تفاصيل حياته، أعمال فنية فرعونية، وموسيقى شرقية، وأطباق الفول الساخنة على مائدة الإفطار. فلافيو كان أيضا فلسطينى الهوى، فقد ساعد فى حملات دعم غزة تحت الحصار، وتطوع للعمل فى مخيمات اللاجئين فى لبنان. لم تكن مصر تغيب عن بالى فى لندن. أحب فيروز، وأسمع أم كلثوم وعبدالحليم أيضا. كانت طفولتى فى الإسكندرية قد علمتنى ميزة الحياة مجتمع متعدد الثقافات واللغات والأديان، ومازلت أعتبر التعددية والتسامح أكبر قيمتين فى مصر. الآن أعيش فى لندن، ولا أشعر بالارتياح الكامل، لأننى أفتقد إسكندرية الطفولة، الملونة بالثقافات واللغات والأجناس. نصفى غربى، ونصفى مصرى، ولدت هنا، لذلك لا أشعر بالانتماء الكامل نحو إيطاليا وطن أجدادى، ولا بريطانيا وطنى الحالى. فى الكرة أشجع إيطاليا ما اعرفش ليه، لكن لو مصر تلعب أشجعها. أما لو لعبت ضد إيطاليا فسوف أشجع الأضعف، يعنى شجعت إيطاليا فى مباراتها مع مصر فى كأس القارات، لأن مصر كانت أقوى وكسبت. من يدخل بيتى فى لندن يعرف أننى مصرى. تمثال لرأس إخناتون فى مدخل البيت، على الجدران، صور مراكب النيل، ورسوم دافيد روبرتس لمعابد مصر الفرعونية، لوحة انطباعية لفنار الإسكندرية، وبعض الأشكال الخزفية وقطع الكليم من الحرانية. ولداى يحبان تناول الفول، الذى نشتريه معلبا فى لندن، كما أن والدتى مازالت تتقن طهو الكبيبة والبامية والمحشى. فى لندن واصل أبى عمله مهندسا معماريا، وكان من بين زبائنه عائلة الشواربى باشا وعبدالحليم حافظ وفاتن حمامة. اخترت دراسة العربية فى الجامعة، وعدت إلى القاهرة فى بداية السبعينيات، بعد حرب أكتوبر مباشرة. كان ذلك فى إطار بعثة مدتها ستة أشهر لتقوية لغتى العربية، والتحقت بكلية الآداب بجامعة القاهرة، لم تكن مفيدة بالصورة التى تمنيتها. لم تكن الدراسة منظمة، ونحن كنا كسالى. فى هذه الفترة قابلت عبدالحليم، مرة. كان معجبا بإحدى زميلاتى فى الجامعة بلندن، وجاءت معى للقاهرة فى هذه البعثة. التقى عبدالحليم معها، ودعاها إلى منزله المطل على حديقة الأسماك بالزمالك، عام 1974. وخافت زميلتى، وهى من النمسا، أن تذهب بمفردها، فذهبت معها. لم يكن سعيدا أننى ذهبت معها، لكنه كان لطيفا معى، وسمح لى بالاتصال بوالدى فى لندن، فى زمن كان فيه الاتصال الدولى معجزة. كان يعرف والدى لأنه نفذ أعمال ديكور فى منزله بلندن. رجعت إلى بريطانيا بعد زيارة مصر الأولى، حصلت على الليسانس، ثم دبلوم فى الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، ثم دخلت إلى عالم النشر. الآن مسئول منطقة الشرق الأوسط فى دار نشر تمتد أعمالها فى أكثر من 40 دولة. واخترت أن تكون مصر هى مركز الأعمال الإقليمى للشركة. ساهمت مع زوجتى فى حملة التضامن مع فلسطين، فى الثمانينيات. وتطوعنا بالعمل فى أحد مخيمات اللاجئين، بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطينيى. ساعدنا فى بناء ملعب لإحدى المدارس، وإنشاء طريق فى مخيم الرشيدية بلبنان، الذى يبعد 7 كيلومترات عن مدينة صور، وقصفه الإسرائيليون بعد ذلك. فى صيف 2009 شاركت فى سباق الدراجات الخيرى من لندن إلى باريس مع 20 آخرين، لجمع مساعدات طبية من أجل غزة المحاصرة. ونجحنا فى تحويل 100 ألف جنيه استرلينى، وشارك معنا البروفيسور آفى شلايم، وهو عراقى المولد ومن أكبر المنتقدين لسياسات إسرائيل.