من يسمع عن حجم إنتاج ليبيا من البترول وعدد سكانها الذي يصل إلى ستة ملايين شخص، ومن يرى السيارات الفارهة التي يقودها الليبيون، يتخيل أن مستوى المعيشة في هذه الدولة يضاهي مثيله في الدول الأوروبية، أو على الأقل الدول البترولية في الخليج. إلا أنه بمجرد عبور منفذ السلوم البري في طريقه إلى بنغازي يصطدم بالحقيقة، فالمنازل تتسم بالبدائية وتشبه المنازل البدوية، والمحال التجارية ليس بها بضائع فخمة، ولا يوجد أي مبان شاهقة أو فخمة، فيما ستكون المفاجأة أكبر عندما يرى الزائر ليبيين يعيشون في عشوائيات ولا يجدون قوت يومهم. فالثورة في ليبيا قامت، كالثورة في مصر، بسبب البطالة وغلاء المعيشة، بالإضافة إلى مطالبات الثوار بالحرية والديمقراطية. وفي هذا الإطار، يقول سعد، أحد الشباب الليبيين الذين تطوعوا في صفوف الثوار لحماية بنغازي ضد أي هجوم محتمل من قوات العقيد معمر القذافي، إن نسبة الفقر في ليبيا تتعدى 70%، مشيرا إلى أن القذافي يخفض أسعار السيارات وسلع الرفاهية حتى يعطي انطباعًا زائفًا بأن الشعب الليبي يعيش في رخاء. ويضيف سعد أن دخل المواطن الليبي لا يتعدى الخمسمائة دينار، فيما ينفق العقيد القذافي مئات المليارات من الدولارات على مغامراته السياسية الخارجية. ويؤكد سعد، البالغ 34 عامًا، أن العديد من الشباب مثله لا يمكنه الزواج لعدم استطاعته الحصول على مسكن أو تحمل تكاليف الزواج. ويتساءل: "لماذا أنفق القذافي مليارات الدولارات على حربه في تشاد، والتي لم يكن لها أي سبب؟"، مؤكدًا أن الليبيين لا يدركون حتى الآن لماذا تورطت بلادهم في هذه الحرب؟. ولا يجد سعد أي تبرير لهذه الحرب إلا رغبة القذافي في التخلص من خيرة الشباب الليبيين بالزج بهم في هذه الحرب حتى يتمكن من التخلص من الطبقة المثقفة في البلاد. ويتندر سعد بقول القذافي أنه لا يحصل إلا على 450 دينارا شهريا كراتب، متسائلا: "من أين له إذن هذه الأموال والقصور التي تمتلكها عائلته في الخارج، والتي تصل قيمتها لمئات الملايين من الدولارات؟". من جانبه، يقول محمد علي، مدرس من بنغازي، إن القذافي تعمد تدمير التعليم في ليبيا حتى يتسنى له حكم شعب من الجهلاء، مؤكدا سوء مستوى التعليم في المدارس الليبية، حيث لا يتعلم الطلاب إلا "الكتاب الأخضر وإنجازات القذافي"، فيما تواجه ليبيا نقصا في الخريجين من الأطباء والمهندسين والتخصصات كافة. ويضيف أن القذافي دمر أيضا الاقتصاد الليبي، حيث حرم الليبيين من التمتع بثروات بلدهم فيما تمتعت عائلته والمقربون منه بكل المميزات. ويشير محمد إلى أن منطقة مثل الجبل الأخضر كان يمكن لها أن تكون سلة غذاء ليبيا، إلا أن القذافي عمد إلى إهمال هذه المنطقة التي تعد من أجمل المناطق الطبيعية في ليبيا. ويضيف أنه وجد نفسه مجبرا على استخدام سيارته الخاصة كتاكسي لتوفير نفقات المعيشة، متسائلا: "كيف يدفع القذافي تسعة ملايين دولار كتعويض لكلب مات في حادثة لوكيربي بينما الشعب الليبي يعانى الفقر المدقع؟". بحسب قوله. ويترحم الشيخ سعدي، أحد كبار السن من أجدابيا، والذي انضم للثوار، على أيام الملك السنوسي الذي استخدم أول شحنة بترول استخرجت في عهده لمد الطرق في بلاده من رأس جدير على الحدود التونسية إلى مساعد على الحدود المصرية، مشيرًا إلى أن القذافي يستخدم البترول لشراء مساندة بعض الحكام الأفارقة لنظامه وشراء المرتزقة لحماية نظامه. ويقول الشيخ سعدى إنه عندما قام القذافي بانقلابه العسكري على الملك السنوسي آثر الأخير ترك البلاد دون إطلاق رصاصة واحدة أو تدمير مبنى في بلاده، فيما يقوم القذافي بتدمير كل البلاد حتى تسنى له البقاء في السلطة. ويؤكد الشيخ سعدي أن قانون "من أين لك هذا"، والذي سنه القذافي في عام 1996 لم يكن الغرض منه تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن تضخيم ثروات القذافي، حيث إن كل ما كان يتم مصادرته لم يكن يعود للدولة، ولكن يحول لحسابات القذافي في الخارج أو يتم منحه لأحد مواليه. ويرى بشار، أحد متخصصي تكنولوجيا المعلومات، والذي تلقى تعليمه بالخارج وعاد إلى بنغازي بعد اندلاع الثورة ليقدم خبراته للثوار، أن الثورة الليبية هي امتداد لثورات الشعوب العربية ضد الطغاة، والتي بدأت في تونس وتأججت في مصر. وأشار بشار الذي حضر الثورة المصرية إلى أنه كان يتمنى أن تكون ثورة بلاده سلمية مثل ثورتي مصر وتونس، إلا أن الطاغية الليبي لجأ إلى قتل شعبه حتى يستمر في الحكم. ويرى بشار أنه أصبح من المستحيل التراجع الآن لأن ذلك سيعني مذبحة لكل معارضي القذافي ووأد لانتفاضة الشعوب في أنحاء الوطن العربي، مؤكدًا أنه لم يعد أمام الثوار إلا الشهادة أو إسقاط القذافي.