اختلفت الأوساط الثقافية حول تعيين د. أشرف رضا رئيسا لقطاع الفنون التشكيلية، فمنهم من يحسبه على النظام القديم، حيث كان فاروق حسنى قد رشحه كمدير للأكاديمية المصرية فى روما، ومن اعتبره منتميا للحزب الوطنى، ومنهم من يعتبره أستاذا جامعيا له تجربة ناجحة فى تطوير الأكاديمية التى أنجزها فى عام واحد، ويقف بعيدا عن صراعات التشكيليين بما أن له عمله الخاص الناجح. غير أن ما يبدو اليوم على السطح أن الأستاذ الجامعى ترك أعماله فى الديكور والدعاية والنشر منذ أربع سنوات ليتفرغ للعمل العام، مؤكدا أنه لا يعمل فيما لا يحبه، «أحببت الجرافيك فأقمت مركزا للجرافيك وأحببت النشر فأقمت دارا للنشر». أما اليوم، فيعتبر نفسه «مجندا» لفترة محددة ينجز فيها أكبر قدر من المشاريع، ويفتح صدره للمراجعة والمحاسبة، كما صرح فى لقائه الأول بالتشكيليين الذين طالبوه بالمحاسبة بعد عام ملوحين بأن بينهم وبينه ميدان التحرير. أما عن هدفه فى المرحلة القادمة التى حددها فى حواره ل«الشروق» بانتهاء وزارة د. عماد أبوغازى، فهو «إعادة الاهتمام بالمتاحف بعد السمعة التى نالتها منذ شهر أغسطس الماضى». ●ارتبط نشاط قطاع الفنون التشكيلية عبر سنين عديدة بافتتاح المعارض الفنية والأحداث الدولية من بينالى وترينالى وغيرهما. ما الخطة الاستراتيجية لسياسات القطاع فى المرحلة الحالية؟ أحاول أن أعمل سياسة جديدة تعتمد على عمل الفريق، والاهتمام بجميع الفاعليات. وأظن أن السبب الرئيسى فى اختيارى لمسئولية قطاع الفنون التشكيلية، هو موضوع المتاحف خاصة بعد حادث زهرة الخشخاش. فلدينا العديد من المتاحف القومية والفنية تحت التطوير أو مغلقة لعدم كفاءة المنظومة الأمنية، وأظن أن من ضمن أسباب اختيارى لهذا الموقع هو ما أنجزته فى تطوير الأكاديمية المصرية بروما التى تضم اليوم ثلاثة متاحف. متحف مصرى به 200 قطعة أثرية تشمل قطعا من المرحلة اليونانية الرومانية وأخرى قبطية وأخرى إسلامية، ومتحف للفن الحديث وثالث للولع بالمصريات. وانتهيت من مشروع تجديد الأكاديمية والاستوديوهات الخاصة بالمرشحين لجائزة الدولة للابداع الفنى والمتاحف والمبنى الإدارى فى 24 شهرا فقط. وهى الأكاديمية العربية والأفريقية الوحيدة التى تشمل على متاحف تعرض لحضارات مصر فى أوروبا. نقوم حاليا ببروتوكولات تعاون مع وزارة التربية والتعليم من أجل تنمية التربية المتحفية، وأسعى للانتهاء من قصر عائشة فهمى (مجمع الفنون) الذى سيشمل متحفا لأعمال المستشرقين خلال عام، كما سيفتتح خلال ثلاثة أشهر متحف الفنون الجميلة بالاسكندرية (أو قصر حسين صبحى). ●وما أولوياتك إذن؟ لدينا عناصر بشرية جيدة لكنها تحتاج للتدريب مثل أمناء المتاحف وقاعات العرض، فأنا فى الأساس رجل إدارى منذ بداية تخرجى وعملى إلى جانب التدريس فى الكلية بالمؤسسات العامة والخاصة والهيئات الحكومية فتعلمت الإدارة عن خبرة ودراسة. كانت هناك مشكلة الإعارات، أو إرسال لوحات كبار الفنانين من جيل الرواد التى تملكها وزارة الثقافة إلى الخارج لتكون سفيرنا فى التمثيلات الدبلوماسية خارج مصر، مثل أعمال راغب عياد ويوسف كامل ومحمد حسن والتى كانت موزعة منذ سنوات على الهيئات المختلفة. فاتخذت قرارا بعودة كل أعمال الرواد من الخارج، وإرسال أعمال شباب الفنانين لتجميل الهيئات المصرية فى الخارج. كما أقوم بالتجهيز لقانون مكافحة تزوير الأعمال الفنية، فعلى سبيل المثال، عرضت إحدى قاعات العالمية فى مزادها فى الشهر الحالى لوحة للفنان سيف ونلى بالاستعلام عليها اكتشفت أنها معلقة على جدران متحف الفن المصرى الحديث، ثم قامت القاعة بحذف العمل من موقعها على الانترنت. وعلى رأس الأولويات متابعة المتاحف تحت التطوير، الأسبوع الماضى فقط، بدأت أعمال تطوير متحف الجزيرة وهو أكبر متحف للفنون العالمية فى الشرق الأوسط يحتوى على 4000 عمل فنى من مقتنيات الأسر المالكة المصرية، بعد توقف العمل فيه منذ عشرين عاما. أى أن العقد تم توقيعه فى 1991 ولم يسلم الموقع للعمل إلا فى 2011! كما أسعى لتشكيل مجلس أمناء جديد لجميع المتاحف الفنية والقومية تجمع شخصيات عامة وأطياف الثقافة المختلفة لمراجعة خطط المتاحف وتطوير خدماته. ●وكيف تحل مشكلة الميزانيات فى هذه اللحظة الحرجة مع ما يتطلبه قطاع المتاحف من أموال؟ بالنسبة لميزانية متحف الجزيرة مثلا، فهى موجودة ولا يتم استخدامها، المشكلة فى إيقاع العمل البطىء فى كل شىء. هدفى منذ أن توليت إدارة القطاع منذ شهرين هو رفع إيقاع العمل، قضيت الثلاثة أسابيع الأولى فى دراسة التظلمات المالية والإدارية المتراكمة التى وصلت إلى 680 شكوى، نجحت فى تذليل معظمها والذى لم يحل متعلق بوزارة المالية، ونحن فى انتظار وعد وزير المالية. المشكلة الحالية أننا محتاجون أموالا أكثر من الموازنة للانتهاء من المواقع الفتوحة. فالموازنة لا يمكنها أن تستوعب تطوير متحف زعماء مصر فى مجلس قيادة الثورة الذى يحتاج إلى 82 مليون جنيه لاستكماله. أقوم حاليا باستحداث إدارة جديدة لتسويق الأعمال الفنية من المنتجات الغزيرة من الحرف اليدوية التى تقدمها مراكز الحرف اليدوية المختلفة، بالإضافة إلى مستنسخات اللوحات الفنية وسيتم تسويقها فى منافذ البيع الملحقة بالمتاحف المصرية، فى محاولة لإيجاد موارد مالية لقطاع الفنون التشكيلية ورفع العبء عن موازنة الوزارة، مما يستلزم خطة تسويقية مع دورات تدريبية. ونجاهد اليوم لإعادة تخطيط الموازنات المالية تبعا لأولويات التطوير بالمتاحف، وقد نلجأ فيما بعد إلى فكرة الراعى الفنى لدفع العمل للأمام، ولكنى لا أريد أن أتطرق له إلا فى وقته. ●هناك انتقادات عديدة للقطاع من حيث البذخ فى إقامة المعارض والاحتفاليات ووجود العديد من ملفات الفساد تخص الميزانيات. هل ستتخذ أية قرارات فى هذا الشأن؟ قمت بالفعل بإلغاء كل البنود المتعلقة بدعوة المشاركين من الفنانين من الخارج التى كانت تتضمن تذاكر السفر والاقامة وشحن الأعمال والتى كانت تتكلف مبالغ طائلة. أما على مستوى الموظفين فقمت بفصل الادارات حيث كان البعض يعمل بإدارتين، كما قررت عدم تعيين أى مدير إدارة أو مدير لقاعة فنية بدون مسابقة واختبار من قبل لجنة مختصة أشرف عليها بنفسى، كما رفعت الحوافز من 25 إلى 50 بالمائة فى الموازنة الجديدة من يوليو القادم. قطاع الفنون التشكيلية إرث ثقيل وأطلب الدعاء لتحقيق أكبر انجازات فى هذه الفترة. ●هل يعنى هذا أنك مرتبط فقط بحكومة تسيير الأعمال؟ سأرحل مع وزير الثقافة، فمهمتى أن أضع البذرة وأتركها لتنمو، لأن المهم هو الزراعة السليمة والعناية بها فى البداية. ●تردد أثناء حادث اختفاء لوحة زهرة الخشخاش أن هناك قصورا شديدا فى تدريب مسئولى وموظفى العرض المتحفى بالإضافة أيضا للأمناء. ما الذى ستتخذه من إجراءات للتعامل مع هذه المشكلات؟ بدأنا بالفعل فى القطاع كما ذكرت بعقد دورات تدريبية لأمناء المتاحف، وهناك دورات ستبدأ فى منتصف ابريل الحالى لإدارة الأعمال. أما الدورات التدريبية خارج مصر، فستكون فى مجال ترميم الأعمال الفنية فى إيطاليا. ●عهدنا فى السياسات التشكيلية السابقة التركيز على الشباب والاتجاهات الحديثة ولكن دون رؤية حقيقية لتبنى المواهب التى تزدهر أيضا خارج العاصمة. كيف ستكون العلاقة بشباب الفنانين؟ تركيزنا كله مع الشباب فى المرحلة القادمة، فصالون الشباب سيكون مختلفا عما سبق، فبالإضافة إلى الندوات المصاحبة للصالون التى تتناول الفنون الحديثة، ستنظم ورش عمل مصاحبة أيضا فى مجالات الفنون المختلفة، ولأول مرة نقدم قاعة عرض متغيرة من نتاج هذه الورش ويتم تغيير العرض أسبوعيا على مدى الشهر ونصف لتشمل ستة معارض، أما لجنة الإشراف فستعتمد أيضا على شباب المنظمين، كما استحدثنا جائزتين فى الصالون واحدة باسم الفنان أحمد بسيونى وأخرى باسم الفنان زياد باكير وهما من شهداء ثورة 25 يناير. ومن خلال منبركم فى الشروق أدعو كل شباب الفنانين للمشاركة فى الصالون الشبابى الذى سيقام فى أكتوبر 2011. ●فى إطار المطالبة بفصل المجلس الأعلى للثقافة عن سلطة وزارة الثقافة، كيف تتصور العلاقة مع لجان المجلس الذى يضرب القطاع عادة بقراراته عرض الحائط؟ هناك لجنتان بالمجلس مرتبطان بشكل وثيق بقطاع الفنون التشكيلية هما لجنة الفنون التشكيلية ولجنة المعارض الخارجية، وهما بمثابة مرجع استشارى للقطاع، أى أن لجان المجلس تلعب دورا تكامليا فى تنفيذ سياسات القطاع. أما عن حل المجلس الأعلى للثقافة، فلا أتفق معها، لكنى مع إعادة هيكلته واختيار رؤساء اللجان من أسفل إلى أعلى، وتغيير بنية اللجان. فقرار تمثيل أعمال الفنان الشهيد أحمد بسيونى للجناح المصرى فى بينالى فينسيا القادم (يوينو 2011) خير دليل على تكامل أدوار القطاع والمجلس الأعلى للثقافة الذى انعقدت لجنة المعارض به واتخذت هذا القرار. فلأول مرة منذ 1938 يعرض فى جناح مصر أعمال لفنان راحل وأن يكون من سيسافر لتقديم عمله هو فريق من زملائه وأصدقائه، وهو اختيار يرجع لتوائم فكرة أعمال بسيونى مع فكرة البينالى إضاءات الأوطان ويتوافق أيضا مع الاهتمام العالمى الذى أتوقع أن يحظى به الجناح المصرى خاصة بعد 25 يناير. وأدعو فنانى مصر من خلالكم للسفر فى افتتاح البينالى لدعم الجناح المصرى، وأنا سأسافر على حسابى الشخصى حتى لا تكون هناك أية حزازات بين التشكيليين. أملى أن نكرر رحلة الفنانين المصريين الذين سافروا فى 20 يوليو 1952 أى قبل ثلاثة أيام من اندلاع الثورة برئاسة شيخ الفنانين أبوصالح الألفى، هذه الرحلة التى اشترينا بعدها الجناح المصرى وأصبح ملكا للمصريين. ●المعروف أن فاروق حسنى هو من قام بترشيحك لادارة الأكاديمية المصرية بروما، قد يهم القارئ معرفة مدى علاقتك بالنظام السابق وتحديدا بالحزب الوطنى؟ فاروق حسنى رشحنى أثناء مشاركتى فى احتفالية كبرى لمئوية الفنون الجميلة فى مصر وكنت آنذاك عضو فى اللجنة العليا للاحتفالية وأصدرنا المرجع الأول الشامل لكل فنانين الأساتذة على مدى مائة عام من 1908 إلى 2008 الذين تخرجوا فى الكلية وشارك فيه الناقد الكبير محمد حمزة والفنان الدمتور مدحت متولى وأنا. بالاضافة إنى ابن الفنون الجميلة وكنت قد حصلت على الماجستير منها عن موضوع قصر عابدين وإعادة توظيفه كمتحف ومكتبة تاريخية، وكانت الدكتوراه عام 2000 فى إعادة توظيف القصور الريفية فى مصر. وقد يكون هذا التخصص فى إعادة توظيف المبانى ما جعل الوزير السابق يرشحنى لإدارة الأكاديمية. وكذلك لمشاركتى فى مؤتمر «القاهرة 2020» الذى نظمه الحزب الوطنى بالتعاون مع محافظة القاهرة وقدمت فيه إعادة توظيف المجمع لتخفيف الضغط على قلب العاصمة الذى يزوره أكثر من مليون مواطن، و12 ألفا من خارج العاصمة. كما قدمت مشروع «القاهرة الثقافية» وهدفه تفريغ القصور التى تشغلها الوزارات ثم إعادة استخدامها كمتاحف للفن. تخيلى منطقة قصر العينى كلها تتحول إلى متاحف ومسارح وتصبح منطقة ثقافية كاملة! مشاركتى مع الحزب الوطنى كانت ثقافية وليس لها علاقة بالمشاركة السياسية، ومكثت حتى 2006 ثم سافرت إلى روما فى 2007 لتولى مهام الأكاديمية المصرية بروما حتى 2011 وانقطعت علاقتى بالحزب تماما. ●تبدو متفائلا رغم حساسية الفترة لقطاع مثل الفنون التشكيلية؟ أنا متفائل جدا، لا أدرى لماذ دائما أرى جمال هذا البلد فى أحلك اللحظات، ولدى إيمان أن مصر ستكون أجملن وما علينا إلا أن نساهم جميعا فى هذا.