«الدين هيدخل فى كل حاجة.. مش دى الديمقراطية بتاعتكم، الشعب قال نعم للدين، واللى يقول إن البلد مش هنعرف نعيش فيه بالطريقة دى، انت حر ألف سلامة، عندهم تأشيرات كندا وأمريكا». هذه الفقرة هى الأخطر فى حديث الشيخ السلفى محمد حسين يعقوب خلال خطبته التى ألقاها بمسجد الهدى بإمبابة عقب ظهور نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وأعلن فيها انتصار الدين فى غزوة الصناديق وأن «البلد بلدنا». من وجهة نظر الشيخ يعقوب فإن الدين الإسلامى انتصر على كل من قال «لا»، والذين قالوا «لا» فى الاستفتاء معظمهم من الذين شاركوا فى ثورة 25 يناير، التى جعلت حسين يعقوب يخرج ويتحدث، رغم أنه دعا المصريين إلى عدم الخروج على الحاكم «الذى هو مبارك»، واعتبر هذا الخروج فتنة كبرى. لو أن أتباع الشيخ يعقوب استمعوا إلى فتواه المؤيدة لمبارك ما قامت الثورة، وما احتفل فضيلته بغزوة الصناديق. ونتمنى لو أن أتباع الشيخ لا يستمعون إلى مضمون خطبته أيضا. أتوقع أن تثار عاصفة نقد شديدة ضد تصريحات وغزوات يعقوب، وقد يشتط البعض للمطالبة بتكميم فمه، أو اعتقاله أو منعه من الحديث، وسوف يصرخ الكثيرون قائلين «الحقوا السلفيين خطفوا البلد، أو فى طريقهم إلى خطفه». ليتحدث كل شخص بما يريد، لكن علينا ألا نكرر أخطاء كل الحكومات السابقة من أيام السادات حتى نهاية عصر مبارك. أسهل حل هو تكميم الإخوان أو الاعتقالات لكن ثبت أن حظر الأفكار مستحيل، حكومات مبارك نكلت بالتيار الإسلامى منذ عام 1981، لكنها لم تقض عليه، وخرج بأقوى مما كان. هذه الحكومات جربت كل الحيل مع الإخوان المسلمين من الحصار حتى تأميم الشركات نهاية بالاعتقالات والمحاكم العسكرية، لكن كل ذلك لم يجد نفعا. إذن من الغباء أن يدعو أى شخص الى تكرار نفس الاجراءات الكارثية. الحل الوحيد أن نترك الشيخ يعقوب وغيره من الشيوخ والسياسيين يعبرون عن أنفسهم كما يريدون، ونترك الحكم للمواطنين فى غزوة الصناديق المقبلة. تقديرى الشخصى أن حرية التيارات الدينية فى الكلام هى أفضل خدمة للديمقراطية لأنها السبيل الوحيد كى نعرف كيف يفكرون وكيف سيحكموننا إذا وصلوا إلى السلطة. الحرية هى العلاج الوحيد لكل أمراض المجتمعات المتخلفة أو التى كانت تعيش تحت الأرض. ما قاله الشيخ يعقوب ويقوله البعض سرا كان متوقعا وهو أن التصويت بنعم على الاستفتاء هو تصويت على التيار الدينى. ولو ظللنا نقسم لهم مليون مرة أن ذلك غير صحيح وأن جزءا كبيرا من الذين قالوا نعم كانوا يريدون أن «يستريحوا ويستقروا» وأنهم غير منتمين للتيار الإسلامى، فلن يصدقنا احد. المطلوب الآن هو ضرورة الاتفاق بين كل القوى السياسية على وضع قواعد عادلة للعبة.. أهمها الاحتكام إلى قاعدة الصناديق، وليقل أى منا ما يشاء. من حق الشيخ يعقوب أن يدعو معارضيه إلى الهجرة إلى كندا وأمريكا أو حتى الصومال، لكن شرط ألا يدعو أنصاره إلى محاولة تطبيق ذلك على الأرض، من حقه أن يعتبر البلد بلده، لكن عليه ألا يشجع أحد أنصاره على قطع أذن شخص مخالف بحجة أنه خالف الشرع. حرية الإعلام ينبغى أن تكون مكفولة للجميع، لكن ممارسة العنف ينبغى أن تكون حكرا فقط على أجهزة تطبيق القانون، وإلا دخلنا فى المحظور.