إنه القمر الذى قرن البعض اسمه بأرضها.. نرصد مسارات شعاع منسحب وقد رسم على سفح كثيب ظلال بندقية كلاشينكوف أو حتى قاذف آر بى جيه... إنه السلاح فى سيناء.. بهذا الكم لا غرابة.. اما كيف ولماذا؟ ففى ذلك آراء عديدة تحدد اتجاهات السلاح فى سيناء. السلاح موجود فى سيناء منذ عقود لاعتبارات عديدة.. للسلاح مرجعية ثقافية عند القبائل.. حماس على الخط... حملات القمع الأمنى بعد طابا.. لكل فعل رد فعل.. نعم للسلاح طالما هناك كامب ديفيد.. إنها لافتات كثيرة ترتفع أمام المشاهد إذ يتابع اتجاهات السلاح فى سيناء. عن علاقة السلاح بالزمان والحدث يلقى العنانى: من قديم والسلاح موجود هنا فى سيناء، الحروب وما تخلف فعلت ما عليها لتصبح سيناء مكانا نادرا وسريا لانتشار السلاح، لكن ظل كل هذا يحدث بشكل سرى وبشكل محدود أيضا، أذكر منذ عشر سنوات أو أقل كانت الدنيا تقوم ولا تقعد عندما يسمع الناس عن قطعة سلاح هنا أوهناك، الآن اختلف الوضع تماما، انتشر السلاح بشكل مخيف وعلنى فى الوقت ذاته فكيف وصل الأمر لهذا الحد. البداية كانت مع تفجيرات جنوبسيناء وما أعقبها من إجراءات يصح تسميتها بالزلازل الأمنية، حالة من القلق المفزع هى ما جعلت الناس فى سيناء يتخلون نوعا ما عن توجسهم وحذرهم، هذا التخلى هو ما جعل الحرص يتراجع شيئا فشيئا حتى وصل الأمر إلى أن حمل السلاح لم يعد بالشىء المخيف، قال بعضهم «أنت معرض للاعتقال سواء كنت تحمل سلاحا أو لا تحمل»، حمل السلاح يوفر نوعا من الأمان النسبى هكذا فهم البعض القصة، ومن كان يدفن أو يخفى سلاحه لم يعد يخفيه، كل شىء فى ظل حملة الاعتقالات المفتوحة بعد طابا وغيرها حرك الوضع فى سيناء تبعا للمثل الشعبى السائد «خربانة خربانة»، ثم كانت الأنفاق وحاجة حماس للسلاح وهو ما خلق واقعا جديدا جعل قصة السلاح وتهريبه إلى حماس موضوعا رئيسيا ليس فى عناوين الأخبار فقط. كامب ديفيد و«خيانة» ترك السلاح اما عضو ائتلاف شباب الثورة سعيد اعتيق وهو ابن المناضل اليسارى الذى انتمى لإحدى فصائل المقاومة الفلسطينية فى السبعينيات ونال ما نال من تنكيل من اسرائيل جراء مواقفه الوطنية فيقول بحسم وجدية: تحدد اتجاهات السلاح.. طالما هناك كامب ديفيد فالتخلى عن السلاح خيانة.. إن اسرائيل لاتزال تتنمر خاصة فى ظل سقوط صديقهم مبارك وانها ايضا تخشى أن ينتج عن الفرز الديمقراطى المصرى الجديد قوى تلقى بكامب ديفيد فى قارعة الطريق حينها ستكون اسرائيل اكثر صراحة فى تعزيز امنها على حساب اجزاء من سيناء الخالية من السلاح الرسمى بسبب اتفاقيات السلام وملاحقها. السلاح ثقافة وعزوة اما مرجعية وجود السلاح فى سيناء على مر السنوات فيقول: السلاح مقترن هنا بالثقافة البدوية وكان مقنن الاستخدام تماما نظرا لخضوع الجميع للقضاء العرفى الذى يلزم الجميع بالحل العادل، ولكن بعد أن تعرض القضاء العرفى للاختراق على يد اجهزة الامن وانحرف بعض القضاة عن نزاهة الاحكام القضائية العرفية وما شاب القضاء المدنى من تدخلات للسلطات الاخرى ادى مؤخرا إلى اتجاه الكثيرين إلى نيل الحقوق بقوة السلاح.. وبالطبع نرفض اللجوء لذلك الخيار بين الاهالى. ولحل تلك المعضلة يؤكد سعيد اعتيق أن صلاح القضاء المدنى سيؤدى بالتالى إلى صلاح القضاء العرفى وترك القضاء العرفى دون تدخلات امنية او سلطوية سيؤدى حتما إلى احترام احكامه دون اللجوء للغة السلاح لنيل الحقوق. وعن مرجعية السلاح الثقافية عند قبائل سيناء يقول خليل جبر سواركة الباحث فى شئون القبائل: ترتبط ثقافة اقتناء السلاح منذ فترة طويلة بشريحة القبائل فى سيناء، والقبائل فى سيناء كغيرها من القبائل العربية على مستوى الوطن العربى تعتبر السلاح من ضمن الروافد الثقافية الحيوية التى تعزز مكانة القبيلة مع محيطها من القبائل الأخرى، وتاريخ اقتناء السلاح يبدأ منذ نشأة القبيلة. اما بخصوص القبائل فى سيناء فإن علاقتها باقتناء السلاح كانت تخضع لمعايير اخرى مرتبطة بعلاقة القبيلة بالدولة من جهة ومن جهة اخرى علاقة القبائل بالظروف الاقليمية المحيطة، وبما أن القبيلة لا تعتد مثلا بالحدود السياسية التقليدية بين الدول فإن تداول الاسلحة بين القبائل فى الشام ومصر، والقبائل فى ليبيا ومثيلاتها فى مصر، كانت لا تتعدى مفهومها التقليدى إلا أن تطور الصراع الاسرائيلى الفلسطينى فى العقدين الاخيرين ادى إلى استثمار القبيلة وظروفها الطبيعية وادراكها للصحراء ادى إلى انتقال السلاح من مكان إلى آخر لأهداف سياسية. بدأت ظاهرة اقتناء السلاح والحديث لايزال مع الباحث خليل جبر تشكل هاجسا لدى الدولة بعدما تفاقمت ظواهر تهريب السلاح إلى فلسطين خصوصا بعد انتفاضة الاقصى والتى استخدمت المقاومة الفلسطينية الاسلحة واصبح الاتجار فى السلاح يدر ارباحا طائلة خصوصا ان الحروب المتعاقبة على سيناء وبالأخص حرب 67 ادت إلى وجود اسلحة تزيد كثيرا على اغراض القبيلة الامنية والجهوية، وأدى ذلك إلى تفاقم الصراع بين الدولة او النظام السابق وبين القبائل بسبب تعاطى النظام السابق مع القضية الفلسطينية المختلف عن السياق العام الذى تعودت عليه القبائل على اساس أن فلسطين دولة محتلة ولا حرج بإمداد اهلها بالسلاح، ادى هذا الصراع إلى ازدياد الفجوة بين النظام السابق والقبائل وسادت روح عدم الثقة مما ادى إلى اللجوء إلى استخدام السلاح ضد الاجهزة الامنية الخاصة بالنظام عدة مرات بعد ما ارتبط قتل الكثير من ابناء القبائل بأحداث مرتبطة بعمليات ضد اسرائيل. وينتقل خليل جبر إلى ابعد مما سبق ليشير: «تطور الصراع ولم يقتصر على القبيلة بل تطور، وبرزت الجماعات الراديكالية والتى كانت ظاهرة على مستوى الوطن العربى، والتى تسعى جاهدة إلى رسم خريطة منفصلة فى سيناء لا ترتبط بالمفهوم القبلى لاستخدام السلاح بل تسعى إلى إضفاء مفهوم سياسى، ولكن الجماعات الدينية تجد صعوبة بالغة بسبب عدم قدرتها على مجاراة القبيلة وقوتها على الارض والتى تزيد على قوة الدولة فى ظروف سياسية معينة». لذلك فإن توجهات السلاح فى سيناء إلى هذه اللحظة هى توجهات قبلية وتوجهات راديكالية، وتبقى المشكلة قائمة فى فهم الدولة لعلاقة القبيلة بالسلاح من جهة وإدراك القبيلة لاستغلال المفهوم القبلى لاقتناء السلاح من قبل الجماعات الدينية. هذا لا يعنى أبدا أن النظام السابق لم يترك خلفه رواسب عميقة لم تنتج فقط الغبن الذى ألم بأبناء سيناء بل شارك النظام السابق بشكل مباشر فى تفشى انتشار ظاهرة استخدام السلاح. بديل عن الشرطة المنسحبة حسين القيم ناشط سياسى مقيم فى مدينة الشيخ زويد شرارة الثورة المسلحة فى شمال سيناء يقول: إن انتصار الثورة المصرية وتداعيات انسحاب قوات الشرطة اصبح لزاما أن تتشكل لجان شعبية لحماية المنشآت العامة والمربعات السكنية وبالتالى كان وجود تلك اللجان المسلحة عاملا كبيرا فى حفظ الاستقرار فنجد مثلا مدن الشيخ زويد ورفح التى كانت مقرا لتوترات اهلية اهلية من جهة واهلية امنية من جهة اخرى على مدار سنوات، فإنها الآن تقدم نموذجا فى الاستقرار والأمان نتيجة وجود اللجان المسلحة التى ترعاها القبائل والعائلات ورموز العمل السياسى. منصور حمدان معلم وشاعر من شمال سيناء يرى أن خطورة السلاح فى تهديده للسلم الاجتماعى واستسهال استخدامه فى اتفه النزاعات لذلك عجل بتكوين مجموعة على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» تحت عنوان «لا للسلاح فى سيناء» ويقول فى احد تنويهاته «لا للسلاح فى سيناء دعوة للسلام الاجتماعى الذى افتقدناه منذ زمن بعيد. بورصة سوق السلاح وعن حمى شراء السلاح فكان مساء يوم 28 يناير تحديدا الاكثر طلبا وتكالبا على شراء السلاح من جميع اطياف المجتمع فى سيناء، وهو اليوم الذى شهد انسحاب الشرطة من الشيخ زويد ورفح فنشطت سوق السلاح وارتفعت لأرقام فلكية اسعار البنادق والرصاص لحاجة المواطنين لحماية ممتلكاتهم خاصة مع سريان شائعات عن اعمال سطو وقتل تبين انها ليست بالحجم الذى تناقله بين الاهالى ويقدر بعض وسطاء هذه السوق الرائجة عدد قطع السلاح المحمولة فى سيناء بما يزيد على 100 الف قطعة سلاح آلى خفيف. وتعدد مسميات الاسلحة فهناك الزرقاوى وبن لادن وهى الاسلحة الاوتوماتيكية التى رآها المواطنون فى الفضائيات مع اسامة بن لادن او الزرقاوى قبل مقتله وتصل اسعارها إلى 25 الف جنيه اما الرشاش الالى ام 16 الامريكى فثمنه ايضا 25 الف جنيه ويصل ثمن الرشاش الجرينوف واشباهه عيار 250 ملم إلى 35 الف جنيه وعيار 500 إلى 50 الف جنيه وكذلك بنادق القناصة الغربية الصنع إلى 25 الف جنيه بينما يرتفع ثمن المسدسات إلى اكثر من ذلك حيث يبدأ السعر من 10 آلاف حتى 25 الف جنيه طبقا للموديل وبلد المنشأ.