تعليم الجيزة تحصد المراكز الأولى في مسابقة الملتقى الفكري للطلاب المتفوقين والموهوبين    عمال الجيزة: أنشأنا فندقًا بالاتحاد لتعظيم استثمارات الأصول | خاص    التعليم العالي تعلن فتح برامج المبادرة المصرية اليابانية للتعليم EJEP    الكويت ترحب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة النظر بعضوية دولة فلسطين    تقرير إدارة بايدن يبرئ إسرائيل من تهمة انتهاك القانون الدولى فى حرب غزة    القاهرة الإخبارية: الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لإدارة قطاع غزة    في أقل من 24 ساعة.. «حزب الله» ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل    كرم جبر: على حماس أن تستغل الفرصة الراهنة لإحياء حلم «حل الدولتين»    محمود ناصف حكم مباراة الأهلى وبلدية المحلة.. وأمين عمر لمواجهة المصرى وبيراميدز    جوميز يركز على الجوانب الفنية فى ختام ثانى تدريبات الزمالك بالمغرب    إبراهيم سعيد ل محمد الشناوي:" مش عيب أنك تكون على دكة الاحتياطي"    فوزى لقجع ورضا سليم يتوسطان للصلح بين حسين الشحات والشيبى    إصابة 13 عاملا إثر حادث سيارة في الغربية    طقس معتدل في محافظة بورسعيد بعد العاصفة الترابية.. فيديو وصور    مصرع شخص صدمته سيارة طائشة في بني سويف    المهم يعرفوا قيمتي، شرط يسرا لوجود عمل يجمعها مع محمد رمضان (فيديو)    إحالة جميع المسؤولين بمديرية الصحة بسوهاج للتحقيق    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير.. سعر الذهب والسبائك اليوم السبت 11 مايو 2024 بالصاغة    " من دون تأخير".. فرنسا تدعو إسرائيل إلى وقف عمليتها العسكرية في رفح    قرار عاجل من ريال مدريد بشأن مبابي    مباريات اليوم السبت 10-05-2024 حول العالم والقنوات الناقلة    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلّى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك    مواعيد مباريات اليوم.. الأهلي ضد بلدية المحلة.. ونهائي أبطال آسيا وتتويج مرتقب ل الهلال    موازنة النواب عن جدل الحساب الختامي: المستحقات الحكومية عند الأفراد والجهات 570 مليار جنيه    عز ينخفض لأقل سعر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 11 مايو بالمصانع والأسواق    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن    مأمورية من قسم الطالبية لإلقاء القبض على عصام صاصا    آبل تخطط لاستخدام شرائح M2 Ultra فى السحابة للذكاء الاصطناعى    خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    السياحة عن قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية ضمن خطة تخفيف الأحمال: منتهى السخافة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    برج الجدى.. حظك اليوم السبت 11 مايو: تجنب المشاكل    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    الشعبة تكشف تفاصيل تراجع أسعار الدواجن والبيض مؤخرًا    تناول أدوية دون إشراف طبي النسبة الأعلى، إحصائية صادمة عن حالات استقبلها قسم سموم بنها خلال أبريل    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحزاب الناس لا أحزاب الأنابيب
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 03 - 2011

كيف تتأسس الأحزاب؟ وكيف نضمن أن تكون هناك حياة سياسية ديمقراطية سليمة بدون أحزاب قوية؟ هذه الأسئلة التى تصدرت الجدل حول الدستور خلال الأسابيع الماضية تظل أسئلة محورية بعد أن صوت المصريون بنعم، برغم أن من دفعوا بها كانوا بالأساس من دعاة التصويت بلا.
فقد كان موضوع إعطاء الفرصة لتشكل أحزابا جديدة ولنضوج النظام الحزبى، دافعا رئيسيا لأنصار رفض تعديلات لجنة المستشار البشرى، على أساس أن بدء العملية السياسية بانتخابات برلمانية مبكرة يفوت الفرصة على هذه الأحزاب والتيارات الجديدة التى كشفت عنها الثورة، معطيا وزنا أكبر للإخوان المسلمين وحتى فلول الحزب الوطنى.
فهل للنظام الحزبى والأحزاب كل هذا الثقل فى الديمقراطيات المعاصرة أو فى تشكيلها، ومن ثم سيكون لها هذا الدور الحاسم فى تحديد مستقبل الثورة؟
تقول لنا أدبيات العلوم السياسية إن الأحزاب فاعل أساسى فى السياسة فى النظم الديمقراطية. فأول وظيفة للحزب السياسى هو تمثيل المطالب والمصالح فى المجتمع وبلورتها فى برامج صالحة للتطبيق فى الحكم.
فى هذا الإطار لابد من التأكيد على أن الأحزاب، كل الأحزاب، هى تعبير عن مصالح، وأن فكرة وجود حزب بلا مصالح هو وهم. وهكذا لابد من تعرية تلك الفكرة التى كان يستخدمها نظام مبارك دائما ضد معارضيه واصما إياهم بها. ويقول لنا تاريخ الحزب الديمقراطى فى الولايات المتحدة كيف أنه ظهر تعبيرا عن مصالح الجنوب الأمريكى بتركيبته الطبقية والسياسية الرجعية، قبل أن يغير توجهه فى الثلاثينيات ليمثل مصالح وتوجهات الطبقة العاملة الشمالية. وأما الجمهوريون فكانوا بالأساس حزب الشمال المعادى للعبودية ثم تحول ليصبح متماهيا مع حرية السوق والممثل الأكثر سفورا لرأس المال واليمين الأمريكى، وهو ما يستمر عليه الحال للآن.
ويظل تمثيل المصالح والدفاع عنها هو الوظيفة الأهم للأحزاب برغم أن لها وظائف أخرى فى المجتمع، منها التوفيق بين مجموعات اجتماعية مختلفة على برنامج، وإعداد قيادات الحكم وخلق الانسجام بين مؤسسات الدولة المختلفة من برلمان لرئاسة لأجهزة تنفيذية.. الخ. إذ إن كل هذه الوظائف تنبنى على الأساس المتين من نمط المصالح الذى تمثله الأحزاب وبالتالى قدرتها على التعبئة الشعبية والحشد لصناديق الانتخاب ومن ثم تشكيل الحكومات وقيادة البرلمان.
وبينما لا جدال على أهمية الأحزاب فيما ننتظره من تطورات فى مصر خلال السنتين الحاسمتين المقبلتين، فإن دورها يبقى محددا بقدرتها على تمثيل مصالح قطاعات الأغلبية، وهو أمر فشلت فيه الصيغ الحزبية فى النظم الديمقراطية المتقدمة فى العقود الأخيرة، مما انعكس فى أزمة شاملة وعامة تواجه الأنظمة الحزبية فى العالم عموما.
ففى 2006 كان عدد المنتمين للأحزاب البريطانية هو 1 لكل 88 ممن لهم حق الانتخاب مقارنة ب 1 من كل 11 قبل ذلك بخمسين عاما. وفى فرنسا تراجع عدد الحزبيين ليس فقط لمجمل قاعدة المصوتين، وهو ما قد يتسبب فيه زيادة عددهم، لكن عددهم تراجع فى المطلق. وتنعكس هذه الأزمة فى تراجع كبير لنسب المشاركين فى الانتخابات العامة فى الديمقراطيات العتيدة وفى أزمة تمثيل سياسى. السبب فى هذا هو بالأساس ضيق قاعدة تمثيل المصالح فى الأحزاب التقليدية وعدم ظهور أحزاب جديدة توسع دائرة التمثيل. وهكذا فإن الفوارق بين العمال والمحافظين فى بريطانيا أو الجمهوريين والديمقراطيين فى الولايات المتحدة تصبح محدودة بأنها جميعا تمثل، فى ظل سيطرة السوق والليبرالية الجديدة والشركات الكبرى، هذا الجناح أو ذاك من نخبة السلطة والمال المسيطرة بالفعل.
من هنا فمن يعولون على الاستناد إلى الأحزاب لاستيعاب زخم الثورة، والمصالح التى تعبر عنها سيواجهون هذه المعضلة الصعبة، معضلة الاقتصار على تمثيل ضيق للمصالح تسيطر عليه النخب القديمة من رجال أعمال وغيرهم.
ويزيد الأمر صعوبة بالنسبة لأولئك الذين يبنون قاعدة تأسيس أحزابهم الجديدة على برنامج يتم تحضيره فى المعمل، ثم يتم تقديمه للجماهير من أعلى و«توعيتهم به». بالطبع تتطلب هذه الصيغة وقتا لكى تتم، ربما للأبد. لأنها تفترض أن وعى الجماهير السياسى يتم فى حلقات التثقيف المعملية وليس فى خضم معركة الناس أنفسهم على مصالحهم المباشرة، التى هى ليست وصمة كما يصر البعض ممن يتهمون الاحتجاجات الاجتماعية بها. وتتشابه هذه الأرضية مع موقف من قالوا إن ثورة تونس غير قابلة للتكرار فى مصر لأن المصريين غير متعلمين كالتوانسة ولا تمسهم القيم العليا كالحرية والعدالة، وهكذا يلقون باللائمة فى فشلهم على الجماهير «غير الواعية». واستعير فى هذا من صديقى المدون والناشط الاشتراكى وائل خليل قوله إن الأحزاب لا تجهز نفسها لتمثيل مصالح الناس والتأثير فيهم وتنظيمهم وتعبئتهم فى «الجيم». الأحزاب لا تتأسس بالتدريب على رفع الأثقال استعدادا للمباراة. الأحزاب تتأسس فى المباراة.
فى هذا الإطار يضرب باحثون فى العلوم السياسية المثل بقصة حزب العمال البرازيلى، حزب الرئيس السابق لولا داسيلفا. فقد تأسس هذا الحزب فى مطلع الثمانينيات من القرن الماضى بمبادرة من قادة عماليين قاعديين، ينتمى لولا نفسه لفئتهم. وتوسع الحزب بسرعة شديدة ليضم الآلاف من العمال الشباب فى الريف والمدينة بجانب شرائح من مهنيى الطبقة الوسطى وآخرين. تشكل الحزب وتوسع كتمثيل قاعدى لأولئك المتضررين من سياسات الليبرالية الجديدة التى ضربت الفقراء والعمال وشرائح واسعة من المهنيين فى مستويات معيشتهم. وسع الحزب نفسه على الأرض باستراتيجية مزدوجة: خلق مساحات للشعب المنتج لينظم نفسه على الأرض مقتحمين بذلك عالم السياسة، وفى الوقت نفسه دخل معركة الانتخابات فى المحليات والبرلمان والرئاسة.
وفى مصر، هذه المهمة ليست مستحيلة، ولا تستغرق كل هذا الوقت الذى تحتاجه أحزاب المعمل، خاصة فى أعقاب ثورة. وإلا كيف نفسر ظهور مبادرة كحزب العمال الديمقراطى الذى دعت إليه قيادات الإضرابات العمالية الكبرى خلال السنوات الماضية بمبادرة قاعدية ليضم العاملين بأجر، فتنضم إليه مئات عديدة من خارج نخبة السياسة والسياسيين فى أيام قليلة؟ أما إذا جاءت المبادرة من سياسيين أو مثقفين فلا مناص أن تكون بوصلتها ومكان عملها هو التحركات الشعبية والأحياء والقرى، بالاشتباك المباشر مع الجمهور.
هذا هو ما تحتاجه السياسة فى مصر. أحزاب ومبادرات وتنظيمات واسعة تنبنى على قاعدة مصالح واضحة يعى بها كل عامل وموظف أجير دون توجيه من أحد، إذ إنها حصاد تجربته وممارسته المباشرة على الأرض. قاعدة مصالح تمكن حزبها من الوصول إلى كل من يتماهى معها. هذه هى أحزاب الناس، فى المحافظات كما فى القاهرة وفى الشارع لا فى الفيس بوك، التى تحتاجها بلادنا لموازنة نفوذ المال واليمين الدينى. والناس لا يستجيبون لمن يتعالى عليهم ولا يعمل من وسطهم، وبالتأكيد لا ينتظرون أحدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.