تحديثات سعر الفراخ البيضاء والبيض اليوم الجمعة.. "استقرار"    تحديثات قيمة مواد البناء.. بكام سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة؟    المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجمة ميناء حيفا بالطائرات المسيّرة (فيديو)    موعد مباراة فاركو وسموحة بالدوري المصري والقنوات الناقلة    موعد مباراة جنوى وبولونيا في الدوري الإيطالي    العراق: استعلام رابط نتيجة السادس الابتدائي الكرخ 3 الدور الأول 2024    حكم الترجي بالنبي وآل البيت.. الإفتاء توضح    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    أشرف بن شرقي يقترب من العودة إلى الزمالك.. مفاجأة لجماهير الأبيض    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 24 مايو 2024    بعد انكسار الموجة الحارة.. تعرف على حالة الطقس اليوم    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    مصرع شخص فى مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بالفيوم    هشام ماجد: أرفض المقارنة بين مسلسلي «أشغال شقة» و«اللعبة»    عودة الروح ل«مسار آل البيت»| مشروع تراثي سياحي يضاهي شارع المعز    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 24 مايو في محافظات مصر    فلسطين.. اندلاع اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم بلاطة    ألمانيا تعلن اعتقالها نتنياهو في هذه الحالة    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    أستاذ اقتصاد: التعويم قضى على الطبقة المتوسطة واتمنى ان لا أراه مرة أخرى    الشرطة: نحو 50 محتجا يواصلون الاختباء بجامعة ألمانية    أوقاف الفيوم تنظم أمسية دينية فى حب رسول الله    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    عائشة بن أحمد تكشف سر العزوبية: أنا ست جبانة بهرب من الحب.. خايفة اتوجع    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    تمنحهم رعاية شبه أسرية| حضن كبير للأيتام في «البيوت الصغيرة»    متحدث الوزراء: المجلس الوطني للتعليم والابتكار سيضم رجال أعمال    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    «حبيبة» و«جنات» ناجيتان من حادث معدية أبو غالب: «2 سواقين زقوا الميكروباص في الميه»    كسر محبس مياه فى منطقة كعابيش بفيصل وانقطاع الخدمة عن بعض المناطق    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    بايدن: لن نرسل قوات أمريكية إلى هايتى    تشييع جثمان شقيق مدحت صالح من مسجد الحصرى بعد صلاة الجمعة    أصداء «رسالة الغفران» في لوحات عصر النهضة| «النعيم والجحيم».. رؤية المبدع المسلم وصلت أوروبا    الهندية كانى كسروتى تدعم غزة فى مهرجان كان ب شق بطيخة على هيئة حقيبة    منتخب مصر يخسر من المغرب فى ربع نهائى بطولة أفريقيا للساق الواحدة    السفير رياض منصور: الموقف المصري مشرف وشجاع.. ويقف مع فلسطين ظالمة ومظلومة    بوتين يصل إلى بيلاروس في زيارة رسمية تستغرق يومين    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    يوم الجمعة، تعرف على أهمية وفضل الجمعة في حياة المسلمين    شعبة الأدوية: التسعيرة الجبرية في مصر تعوق التصدير.. المستورد يلتزم بسعر بلد المنشأ    الصحة العالمية تحذر من حيل شركات التبغ لاستهداف الشباب.. ما القصة؟    بعد تثبيت الفائدة.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 مايو 2024    وفد قطري يزور اتحاد القبائل العربية لبحث التعاون المشترك    سعر الدولار مقابل الجنيه بعد قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة    إخفاء وإتلاف أدلة، مفاجأة في تحقيقات تسمم العشرات بمطعم برجر شهير بالسعودية    استقالة عمرو أنور من تدريب طنطا    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    "قمة اليد والدوري المصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    في إطار تنامي التعاون.. «جاد»: زيادة عدد المنح الروسية لمصر إلى 310    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشروق تعرض كتاب كارتر الجديد (1 من 3) : سلام الأراضى المقدسة .. خطة قابلة للنجاح
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 05 - 2009

يعاود الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، الكلام عن السلام العربى الإسرائيلى، فى أحدث كتبه: «نعم نستطيع تحقيق السلام فى الأراضى المقدسة.. خطة قابلة للنجاح»، وذلك لأنه يجد، بحكم خبرته، أن الرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما، أمامه فرصة تاريخية لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى للأبد.
وكارتر، الذى كان عراب مفاوضات معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، تعرض بعد كتابه السابق «فلسطين: سلام أم أبارتهايد؟» إلى اتهام اللوبى الصهيونى له بأنه عنصرى يعادى السامية ومخرف يناصر الإرهاب.
«الشروق» تنشر اليوم الحلقة الأولى من كتاب الرئيس الأمريكى الأسبق، والصادر فى 2009، عن دار نشر» سايمون آند شوستر».
لم يسبق فى تاريخ الولايات المتحدة، أن تصدى رئيس سابق أو حتى رجل يعمل بالسياسة أو بالحياة العامة، لإسرائيل أو أصدقائها فى الولايات المتحدة، أو من يشكلون ما يعرف ب«اللوبى الإسرائيلى» كما فعل الرئيس الأسبق جيمى كارتر فى كتابه السابق الذى عنونه «فلسطين: سلام أم أبارتهايد» وهو نوع التفرقة العنصرية الذى كانت تمارسه، الأقلية العنصرية فى جنوب أفريقيا. ولكنه لم يرضخ ولم يستسلم ولم ينحن ولم ينكسر وعاد يكتب فى نفس الموضوع مرة أخرى منذ أيام ليروى فيه استمرار تجربته ونضاله من أجل السلام فى الشرق الأوسط، وبالرغم من الهجوم الشرس وغير الأمين والمجرد من العرفان الذى تعرض له من قبل، ليس فقط إسرائيل، وإنما أصدقاؤها فى الولايات المتحدة الذين توهموا أنهم حطموا كل من عمل بالسياسة قبله وتجرأ على تحدى إسرائيل، حتى ولو كان رئيسا سابقا للجمهورية، وحتى إذا ما كان قد حقق لإسرائيل أكبر أحلامها فى تحقيق السلام مع أكبر دولة عربية وهى مصر، فإنه عاد مرة أخرى إلى موضوع تحقيق السلام فى الأراضى المقدسة، رغم أنف إسرائيل ورغم أنف اللوبى الصهيونى، وعتاة اليهود المتعصبين نفسيا وسياسيا وماديا، الذين يصممون على التنكيل بكل من تسول له نفسه أن يخدش هذا السد الأسمنتى الفولاذى الذى أقاموه فى الولايات المتحدة والغرب عموما لوقف أى فكر بشأن هذه القضية التى يحاولون رسمها بأنها قضية حياة أو موت بالنسبة لكل اليهود تقريبا. وليس فقط يهود إسرائيل الذين لا يكفون عن ترديد أن أكثر من 60 فى المائة منهم يريدون أن يعيشوا فى سلام مع الفلسطينيين، وأنهم يوافقون على إقامة دولتين، إحداهما فى إسرائيل وأخرى فى المناطق الباقية منها، والتى وصفها جورج دبليو بوش نفسه بأنها أشبه بقطعة الجبنة الرومى التى تتخللها الثقوب تقريبا فى كل جزء منها، رغم أنها لم تعد تشكل أكثر من 22 فى المائة من الوطن الفلسطينى، بعد كل الحروب والاعتداءات والسرقة والمصادرات والغارات المتكررة ضد هذا الشعب لأكثر من ستين عاما على ما أصبح يعرف «بالنكبة» فى قلب كل فلسطينى وعربى غيور.
«حق عرب»
وفى كتابه الجديد، يروى جيمى كارتر كثيرا من التفاصيل الجديدة والآراء الجريئة بعنوان «من الممكن أن نحقق السلام فى الأرض المقدسة.. خطة قابلة للنجاح» ليس من قبل الإعجاب بجيمى كارتر، الذى كنت أكرر كثيرا لبعض من الأصدقاء أصدقائى وأصدقاء له أن لنا عنده
«حق عرب» لأنه وعد فى أحاديثه الخاصة التى رواها لنا الرئيس الراحل أنور السادات فى مقر إقامة السفير المصرى فى واشنطن، أن كارتر وعده إذا ما تراجع مناحم بيجين من وعده بتجميد المستوطنات أثناء فترة المفاوضات التى أعقبت كامب دافيد، فسوف يجلس أمام الكاميرات ويروى على شاشات التليفزيون علنا ما وعد به بيجين ثم «لحس» وعده، لم يفعل كارتر ذلك. وعندما سئل بريزنسكى بعدها مباشرة: ولماذا لم يفعل كارتر ذلك، قال: إنه كان يخشى أن تتفجر موجات من معاداة السامية وكراهية اليهود فى أنحاء الولايات المتحدة قاطبة، الأمر الذى تساءل بشأنه وزير الخارجية المصرى الأسبق محمد إبراهيم كامل: ولماذا لم يصمم كارتر على وضع ذلك على الورق أو يضمنه فى نص اتفاقية كامب دافيد، وبعد مرور 25 عاما على كامب دافيد، نجد معهد واشنطن لشئون الشرق الأدنى يستضيف حفنة كبيرة ممن شاركوا فى كامب دافيد وكلهم من الموالين لإسرائيل، كى يقصوا ماحدث كعادتهم ويدافعوا عن بيجين بأنه لم يعد بذلك. رغم أن كل كبار معاونى كارتر من سايروس فانس إلى بريزنسكى إلى وليام كوانت إلى هارولد سوندرز أقسموا جميعا على أن بيجين وعد وأخل بوعده، ولم يبر كارتر بوعده أو وعيده بمكاشفته الشعب الأمريكى بخداع مناحم بيجين له.
فرصة أوباما التاريخية
وفى تقديمه لكتابه الجديد حول الصراع العربى الإسرائيلى، يعلل كارتر معاودة الحديث فى ذلك بأنه يحس بأن رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما، يواجه فرصة نادرة بل ومسئولية فريدة عن أن ينهى الصراع بين إسرائيل وجيرانها، على الفور مؤكدا السلام بالقطع ممكن.
ويلمس كارتر مع كثيرين غيره يعترفون بدور الولايات المتحدة كالوسيط الوحيد الذى تعترف به الدنيا كلها الذى يستطيع أن يساعد جميع الأطراف على تخطى «صندوق الألغام» هذا كلما يوفر أرضية مشتركة توفر ما يتطلبه الموقف من مساعدة وتشجيع لتحقيق السلام، ذلك أن معظم قادة واشنطن، وهذا كلام كارتر بالحرف لم يفلحوا فى مساعدة واشنطن على تحقيق السلام، بل إنهم أقاموا الصعوبات والعراقيل فى وجه كل الأطراف التى تسعى لتحقيق هذا السلام، وكل المفاوضين فى أوروبا والشرق الأوسط والأمم المتحدة الذين كان فى إمكانهم التوسط فى ذلك وأفشلتها جميعا!.
رعب الانتقام
يركز كارتر فى مقدمة كتابه على أن أحد التطورات المهمة للغاية فى المنطقة، أن قدمت اثنتان وعشرون دولة عربية أى جميعا اقتراحا بإقامة «علاقات طبيعية وسلمية ودبلوماسية وتجارية مع إسرائيل، بشرط أن تحترم قرارات الأمم المتحدة، الأمر الذى لا يذكره أى رئيس أو سياسى أمريكى آخر (يعيشون جميعا فى رعب قاتل من انتقام إسرائيل)، ويكرر كارتر مرة أخرى أن هذا الاقتراح قبلته كل الدول الإسلامية وأثنى عليه كبار السياسيين الأمريكيين، وأعلنت القيادات الإسرائيلية أنه فرصة وأساس قابل للمناقشة.
كذلك يذكر كارتر أهم نقطة تثبت ما إذا كانت إسرائيل تقبل بمبدأ السلام والعيش جنبا إلى جنب مع الدول العربية، وهى أن تشكل الأمم المتحدة قوة دولية متعددة الجنسيات لضمان السلام وحماية أمن إسرائيل وإطلاق سراح المعتقلين، بالتزامن مع تحديث منظمة التحرير، بحيث تضم أعضاء حماس والتوفيق بين كل الأطراف الفلسطينية (وهذان الشرطان: القوات الدولية بين الأطراف العربية وإسرائيل، والاعتراف بحماس هما حجرا الزاوية اللذين ترفضهما إسرائيل والولايات المتحدة) ومعنى هذا بالعربى الفصيح: أن إسرائيل لا تقبل ولا تريد السلام مع العرب بأى شكل من الأشكال، الأمر الذى لا يجرؤ مخلوق على الاعتراف به لآخر على الإطلاق.
ويعترف كارتر بشجاعة أدبية منقطعة النظير، أنه تعلم كثيرا من رودود الفعل لنشر كتابه «فلسطين.. سلام وليس أبارتهايد» وهو الاسم الذى أطلق على التفرقة العنصرية التى كانت تمارسها جنوب أفريقيا ضد السود فى جنوب القارة، إذ قال إنه بعد أن فرغ من مسودة الكتاب، كانت قد مرت خمس سنوات لم تتخللها أى من مفاوضات للسلام على الإطلاق، ذلك أننى كنت أعلم أنه ليس هناك شخص واحد بين رجال السياسة يجرؤ على انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية، وأن معنى ذلك أنه لم تكن بين الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية من يجرؤ على نشر أى شىء بموضوعية أو بما يغطية مراسلونا فى المنطقة بحرية.
ثمن أدفعه
كانت تجربتى هو فتح باب المناقشة فى هذا الموضوع فى الصحافة والكونجرس، وكانت هذه هى أول مرة للقارىء الأمريكى أن يتعرف فيها على آراء الطرفين فى هذا النزاع بأى قدر من النقد للسياسات الإسرائيلية وممارساتها فى الأراضى المحتلة. وقال كارتر إنه عندما شارف على الانتهاء من مسودة الكتاب صادف مشكلة المشكلات وهى: ماذا يقول بعد كلمة «فلسطين» سلام أم ماذا؟ وفكر مطولا فى شتى العناوين الممكنة مثل الأرض والجدران العالية والواقع والسلام وراح يبحث عن كلمة واحدة تخص ذلك كله، وبعد فترة استغرقت أسابيع طويلة توصل إلى كلمة «أبارتهايد » التفرقة العنصرية وهى كلمة طالما رددتها عناصر إسرائيلية مرموقة فى كثير من الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية بما فى ذلك أحد وزراء العدل السابقين والمفكرين ومنظمات حقوق الإنسان والأفراد الذين وقفوا أمام المحكمة العليا فى إسرائيل، واستخدموا فى شرحها أبلغ وأقسى كثيرا مما استخدمته أنا فى كتابى الذى قلت فيه إن هذا القهر والاضطهاد أمر مناف تماما ويتعارض مع كل مبادىء العقيدة اليهودية وأن كل قادة جنوب أفريقيا ابتداء من نيلسون مانديلا إلى القس ديزمون توتو الذين زاروا الأراضى المحتلة استخدموا هذا الوصف قبلى. ولما كنت، والكلام لا يزال لكارتر، أعتقد أن هذا الوصف قد يثير أعصاب مؤيدى إسرائيل فى أمريكا، فآثرت أن أشرح الفروق بين ممارسات إسرائيل وممارسات جنوب أفريقيا فى عشرات بل مئات من المحاضرات والأحاديث التى بعثت بها جميعا إلى كل عضو فى مجلسى الشيوخ والنواب فى الولايات المتحدة، ولكننى فوجئت بل وروعت وأحسست بالقهر والإحباط لكل الاتهامات والأوصاف التى وصمونى بها بأننى «عنصرى، ومعاد للسامية ومخرف وسارق للإفكار، ولا أفهم المنطقة، ومؤيد للإرهاب».. ملأوا بها صفحات كاملة من الصحف الأمريكية كإعلانات دفع ثمنها نفس اليهود الأصدقاء والمنظمات التى كانت تؤيدنى أثناء الفترة التى شغلت فيها منصب رئيس الجمهورية، وكنت فى كل مرة أوجه فيها هذه الانتقادات التى يسمعونها لأول مرة لاسيما فى الجامعات، كنت أدعو الطلبة وأساتذتهم إلى زيارة فلسطين بأنفسهم ليروا رؤية العين مدى الظلم والمهانة والقهر التى يلقاها الشعب الفلسطينى على أيدى الاحتلال الإسرائيلى.
تاريخ وعد
وربما كانت أهم الحقائق التى رواها كارتر فى الفصل الأول من كتابه هو ما كتبه عن تاريخ اليهود، وذلك فى معرض سرده لتاريخ منطقة الشرق الأوسط الحديثة، فقد بدأ كارتر حديثه برواية تاريخ المنطقة منذ وعد بلفور سنة 1917، الذى يعد بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، فقال فى سنة 1922، أكدت عصبة الأمم الوصاية البريطانية على العراق وفلسطين والأردن، بينما فرضت الوصاية الفرنسية على سوريا ولبنان وأصبحت منطقة «شرق الأردن» مملكة مستقلة تتمتع بالحكم الذاتى، وفى أعقاب ذلك طالب عرب فلسطين بوقف هجرة اليهود إلى فلسطين ومنع هجرة اليهود إليها وفرضت بريطانيا قيودا مشددة سنة 1939 على الحركة الصهيونية وقيودا على شراء الأراضى فى فلسطين وعلى إثر ذلك قام المتطرفون اليهود بثورة على السلطات البريطانية، وكان أحد زعمائهم هو مناحم بيجين.
قدس الأقداس
ويمضى كارتر فى روايته فيقول: إنه من المستحيل أن نفهم قصة «المحرقة» والجريمة الفظيعة التى ارتكبها أودولف هتلر، وقد درست كل ما كتبه إيلى فاليسيل وعدد ممن صادفهم الحظ وعاشوا، وفى كتاب مثير للدهشة بعنوان: «الجوار الخفى»، كتبه ماكيل بلومنتال الذى خدم معى كوزير للخزانة، فقد أرخ لليهود فى ألمانيا طبقا لتجربة أسرته هو شخصيا وكل من لجأ من اليهود فى ألمانيا النازية، إذ أنه ولد فى ألمانيا سنة 1926 ثم رحلت أسرته وعدد آخر من اليهود إلى حى من أحياء شنجهاى فى الصين سنة 1939، وهرب أبوه من سجن بوخنفولد، واستطاعت أسرة بلومنتال أن تهاجر إلى الولايات المتحدة. ونقل كارتر عن بلومنتال قوله: إن يهود ألمانيا كان لهم تأثير مدهش فى كثير من الميادين بل إنه امتد إلى خارج حدود بلدهم، ولم يكن فى ألمانيا وقتها أكثر من 600 ألف يهودى. وفى غضون السنوات الثمانى منذ أن استولى هتلر على الحكم استطاع 300 ألف يهودى منهم أن يهربوا، ومات 70 ألفا آخرون، حيث كانت الأقلية اليهودية كلها فوق السبعين من أعمارهم. وفى سنة 1941 لم يبق فى ألمانيا سوى 163 ألف يهوديا، نفى معظمهم إلى الشرق ولم يبق منهم إلا نسبة ضئيلة، وانتحر منهم عدة آلاف.
المستوطنات غرف نوم فقط
أى أن كارتر تحدى اليهود فى العالم فيما يعتبرونه «قدس الأقداس» فى تاريخم، وهى قصة فنائهم أو فناء 7 ملايين منهم فى المحرقة. ولما كان كارتر ينقل عن وزير خزانته والكلام ليس كلامه هو لم تثر الدنيا ضده ولم يتهموه بتهمة رفض قصة المحرقة هذه، وإلا لأجهزوا عليه تماما ولم تكن له أى قائمة بعد ذلك، وروى كارتر بقية أحداث الصراع العربى الإسرائيلى بمنتهى الموضوعية إلى أن وصل إلى نقطة أخرى من توسعات إسرائيل، وهى عندما زار هو وزوجته روزالين كضيفين إسرائيل سنة 1973 فى أعقاب حرب الأيام الستة، لم يكن عدد اليهود فى المستوطنات على أرض فلسطين يزيد على 1500 مستوطن فقط، وكان قادة إسرائيل يعتقدون جميعا أن على المستوطنين أن يحترموا قرار 242 لمجلس الأمن، وهذه شهادة أخرى تدفع كل الافتراءات اليهودية حول قضية المستوطنات. (ولابد لى أن أذكر هنا أنه أثناء مفاوضات كامب دافيد، قال لنا موشى ديان غاضبا فى إحدى الجلسات التى جرت فى بلير هاوس قبل أن ينتقلوا إلى كامب دافيد وكنت حاضرا بنفسى إننى مندهش من هذه الضجة التى يثيرها العرب حول تصفية المستوطنيين، هؤلاء الناس لا يزيد عددهم على سبعة آلاف مستوطن أولا عن آخر، وتعتبر إقامتهم فى الأراضى الفلسطينية «كغرفة للنوم فقط» وليس للاستيطان) أى أنهم كانوا ينتقلون إليها أثناء الليل فقط ثم يعودون إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر كل صباح.
سلاح البترول
ولم يكن كارتر فى كل هذه المواقف مواليا للعرب، بل إنه قال فى بداية كتابه إنه فى المناظرة بينه وبين الرئيس جيرالد فورد، كان يحس بأن المقاطعة التى تمارسها الدول العربية المنتجة للبترول (أعضاء منظمة أوبك) تعد مهينة لأمريكا لأننا لم نسمح قط لآى دولة أجنبية أن تلتف حول وثيقة الحقوق، وقلت أثناء هذه المناظرة إننى سأفعل كل شىء فى وسعى كرئيس أن أنهى هذه المقاطعة لأنها ليست قضية تجارة بالنسبة لى، وإنما أعتبرها قضية أدبية، فإذا مارست أى دولة هذا النوع من المقاطعة ضد إسرائيل سوف أعتبر ذلك إعلان الحرب علينا وأرد عليها بالمثل وسأمنع بلادنا من التعامل معها أو تزويدها بأسلحة ولا بقطع غيار للأسلحة ولا آلات تنقيب عن البترول أو أنابيب نقل بترول ولا أى شىء آخر.
3 قضايا
وقال كارتر: إن أكثر القضايا التى واجهها حساسية هى قضية المعاناة للفلسطينيين، وكان يبدو لى فى أول زيارة لإسرائيل منذ أربع سنوات إنه كانت هناك غالبية فى إسرائيل توافق على احترام قرارت الأمم المتحدة بما فيها انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة، وكان واضحا أن ذلك سيعطى الفلسطينيين شيئا أشبه بالوطن دون أن تحدده بوضوح، لأن الأردن كان يدير شئون الضفة الغربية، ولكن معظم الدول العربية كانت تعترف بمنظمة التحرير، الممثل الشرعى الوحيد للمصالح الفلسطينية، بينما كنت أنا مقيدا بمواقف بلادى السابقة والالتزامات التى أرستها الحكومات السابقة على.
وفى مناقشاتى مع كل المعاونين لى فى إدارتى، بمن فيهم زوجتى روزلين، أجمعوا جميعا أن أبتعد عن قضية الشرق الأوسط، على الأقل حتى الفترة الثانية من حكمى، لأنها معقدة وسوف تبتلع معظم وقتى دون أن تضمن أى قسط من النجاح، والأهم من ذلك أن الجالية اليهودية تتمتع بنفوذ هائل داخل الحزب الديمقراطى الذى يعتبر هذه الجالية جزءا مهما من قياداته الحزبية وأهم مصدر للدعم المادى للحزب. وقد انعكس ذلك على علاقتنا بالاتحاد السوفييتى وأنهت الحملة التى أقودها عنه فى نصرة قضية ناتان شارانسكى، فسمح الاتحاد السوفييتى لأكثر من خمسين ألف يهودى بالهجرة من روسيا إلى الولايات المتحدة بعد أن كانت تسمح فقط ببعض مئات كل سنة.
والقضية الثانية البالغة التعقيد هى ترسيم حدود نهائية لإسرائيل، لأن الدول العربية تصر على أن تعود إسرائيل إلى حدود 1967، وتصر إسرائيل على ضرورة تعديل هذه الحدود بشكل يضمن لها أمنها، الأمر الذى يتطلب إجراء مفاوضات بين الجانبين، ومازالت مشكلة ترسيم هذه الحدود تشكل مشكلة بين الجانبين حتى الآن.
أما القضية الثالثة، فهى المشكلة الفلسطينية، فالفلسطينيون يؤمنون حتى يومنا هذا أن إسرائيل ليس لها الحق فى أن تكون هناك، وأن الأرض تخص الفلسطينيين، ولم يتخلوا عن التزامهم بالقضاء على إسرائيل. وهذه مشكلة لابد من التغلب عليها، ولابد من إنشاء وطن قومى للاجئين الفلسطينيين الذين عانوا لسنوات طويلة.
ولم تكن هناك أى مفاجآت لى فى بقية الفصل الثانى من كتاب كارتر باستثناء قول «إن الرئيس الأسد رفض دعوة لقائه فى أمريكا قائلا: إنه لا ينوى زيارة أمريكا مطلقا وإنهم بالتالى تقابلا فى جنيف».
كما لم يكن مدهشا لى أن أعنف الانتقادات لسياسته كانت تجيىء من الجالية اليهودية الأمريكية بالرغم من إنه لم يختلف كثيرا مع كل الرؤساء الذين سبقوه، غير أنه كان أكثر حماسا وقوة فى مواجهة بعض القضايا المثيرة للجدل مثل إصراره على ضرورة إنشاء وطن قومى للفلسطينيين، كما كان زعماء اليهود يقلقهم كل هذه المقابلات البادية الصداقة مع الزعماء العرب، وأنهم كانوا جميعا يقفون فى شتى تصريحاتهم العلنية فى جانب إسرائيل، وكان تعليقهم، تكرارى وإصرارى على أن تكون سياستى متكافئة فى تعاملى مع العرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.