أثارت التصريحات المتضاربة لقيادات الإخوان بشأن ملف «التوريث»، جدلا لم ينته داخل صفوف الجماعة منذ بروز اسم جمال مبارك كخليفة محتمل لوالده، فرغم المعارضة المعلنة من قبل الجماعة لهذا السيناريو، والتى تمثلت فى رفض مهدى عاكف مرشد الإخوان لجمال مبارك ب «الثلاثة»، إلا أن هناك من يتهم الإخوان بالمشاركة فى الخفاء فى تمرير سيناريو التوريث. اليوم نواصل نشر الجزء الثانى من اللقاء الذى استضافت فيه «الشروق» بعض ألمع قيادات الجماعة: (د.محمد حبيب النائب الأول لمرشد الإخوان، ود.عصام العريان مسئول الملف السياسى بالجماعة، ومحمد عبدالقدوس مقرر لجنة الحريات بنقابة الصحفيين والعضو الحركى بالجماعة)، إضافة إلى خبراء ومراقبين (ضياء رشوان رئيس وحدة النظم السياسية والخبير فى شئون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ود.كمال مغيث الباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية، حسام تمام الباحث فى شئون الحركات الإسلامية) لمناقشة بعض الملفات، التى من الممكن أن تحدد موقع الإخوان فى خريطة مصر السياسية فى المرحلة القادمة. ضياء رشوان الذى تولى إدارة الندوة تساءل بدوره عن تصور الإخوان للمرحلة الانتقالية؟.. وما السيناريوهات المتوقعة مشمولة بدور الجماعة فى ضوء الحديث المنسوب إلى نائب المرشد لوكالة رويترز بخصوص التوريث، والذى لم يعارض فيه سعى جمال للمنصب؟ حبيب أكد أن حواره مع رويترز تم اختزاله، مشيرا إلى أنه وضح ذلك، وقال: «نرفض ترشيح جمال مبارك لأسباب كثيرة منها ما هو دستورى وقانونى، فضلا عن الأجندة الأمريكية، التى يسعى لتحقيقها لمصلحة رجال الأعمال على حساب الطبقة الوسطى والفقراء». وأضاف: «إذا حدث نوع من التغير فى المناخ السياسى العام، ففى هذا الوقت يدخل شأنه شأن بقية المواطنين فى الترشيح بعد إزالة كل القيود الدستورية، التى وضعت، فمن غير المعقول أن يشارك فى التضييق والضغوط وأقول إننى أرحب به». وتابع: جمال أتى على ترسانة من القوانين الشاذة، فضلا عن أن الأجهزة الأمنية تمهد له الطريق فهم يقومون ب«حرث الأرض»، ومن ثم لن يزيد هذا الأمر البلد إلا احتقانا وغليانا، وبالتالى مزيد من حركات الاحتجاج». ويؤكد ضياء رشوان أن هناك سيناريوهين محتملين لنقل السلطة لجمال مبارك، الأول: أن الرئيس مبارك لن يكمل دورته ويقوم الحزب بترشيح جمال مبارك، أو أن يتوفى الله الرئيس ويقوم أيضا الحزب الوطنى بترشيح جمال مبارك، والسيناريو الثانى أن الرئيس لن يرشح نفسه فى انتخابات 2011، ويرشح الحزب الوطنى وفقا للقواعد الدستورية المتبعة أحد أعضاء الهيئة العليا للحزب، ويصدف أن يكون جمال مبارك، «وتساءل: ماذا سيفعل الإخوان وقتها؟». حبيب بدوره قال: «يجب أن نفرق بين أمرين، الأول أنك ترفض شيئا، والثانى أن تكون لديك القدرة على منع حدوث هذا الشىء الذى ترفضه». وأضاف: «ما يطالبنا به الآخرون بصفتنا أكبر فصيل سياسى بالتحرك لمنع هذا السيناريو، يجب أن يكون واضحا لديهم أن هناك فارقا بين أن نقوم بالمنع أو نرفض، وقلت عندما هوجمنا قبل ذلك إننا ليس لدينا حلول حاسمة إلا إذا كان الشعب كله يمثل لنا غطاء ويريد أن يتحرك». وعاد رشوان لطرح سؤال جديد: «ماذا لو وصلتكم رسائل من النظام قبل ترشيح جمال مبارك بأن الرجل حسن النية وسيقوم بإصلاحات وتعالوا نتفق؟»، الإجابة هذه المرة من د.عصام العريان الذى قال: «أعتقد أن الإجابة عن الأسئلة الافتراضية صعبة، لأنه يجب أيضا أن نفترض ماذا لو حدث العكس تماما وتم قطع الطريق على كل ما تقوله». ويتابع العريان: «الإخوان لديهم تجربة مؤلمة، وهى أنه عندما وصل الصدام مع النظام الملكى إلى طريق مسدود، وإلى الحل العسكرى تم تصفية المرشد وتبلور وضع عام أن هذا النظام لا يمكن استمراره، وكان الإخوان يمثلون الرصيد الشعبى لحركة الضباط الأحرار، وكانت التجربة مؤلمة جدا للإخوان وللبلد وذاكرة الإخوان بالتأكيد تختزن هذه التجربة، ولا يمكن أن يقامروا على محاولات أخرى فى هذا الصدد». وأكد العريان أن الإخوان يرفضون الهياج والثورة، وقال: «ولديهم القدرة على التكيف مع أى نظام لتحقيق مشروعهم، ومع أى وضع»، وأوضح أنه إذا خضع البلد لسيطرة عسكرية فنحن قادرون على التكيف وإذا خضع لمسلسل آخر نحن قادرون أيضا على التكيف». وضرب العريان مثلا ب«تكيف الإخوان» فى عهد مبارك، وقال: «فى عهد الرئيس مبارك لم تسر الأمور على وتيرة واحدة بل كانت الأوضاع مختلفة، ورغم كل ذلك ظل الإخوان موجودين». وانتقد حبيب الأصوات التى تنادى بنزول الإخوان إلى الشارع وحسم الموقف، وقال: «الإخوان لن يغامروا بمسألة الحسم لأنهم لا يستطيعوا أن يتقدموا بمفردهم، وإلا سيتعرضوا للسحق»، وتساءل حبيب: كيف يجتمع 100ألف مواطن فى ميدان التحرير فى ظل أجهزة قمع تسد مخارج المحافظات ومداخل القاهرة». وطرح حسام تمام السؤال بصيغة مختلفة «ما العمل الذى يمكنكم تنفيذه»؟ أجاب العريان: «قلنا مرارا إنه بناء تحالف وطنى عريض ضد الاستبداد مع القوى أو النخب السياسية». وهو ما أكده محمد حبيب، وقال: «إن رهاننا الحقيقى على الشعب، فى أوقات يقال لنا أنتم تريدون استغلال الدستور للقفز على السلطة، ومتى وصلتم للسلطة تنقلبوا على الدستور»، مشددا على أن الضمانة الوحيدة للديمقراطية هى قوة الرأى العام، وقال: «الشعب لابد أن يكون مقتنعا أنه صاحب الحق الأصيل، ولن يتم الإصلاح والتغيير إلا من خلاله، وهذه مهمة لابد منها، ولكن أن يدفع بالكرة فى ملعب الإخوان.. لا، لأن الشعب منوط به مسألة الإصلاح والتغيير»، وتابع: «إن الشعب لديه طاقات هائلة لو تمت توظيفها واستغلالها بشكل جيد سيحقق ما يريده»، مضيفا: «لا توجد حرية من غير ثمن ولا توجد ديمقراطية تأتى على طبق من ذهب، وبالتالى إذا استطعنا التواصل مع الجماهير، وإذا أصبح لدى الشعب قناعة أنه يدفع الثمن فنحن ليس لدينا أو ليس عندنا مانع أن نخوض التجربة، وهنا أعود إلى القوى الوطنية والسياسية لأن الشعب لن يتحرك بمفرده، ولكن يحتاج إلى قيادة واعية وراشدة تحكمه وتقوده». لكن حبيب توقع انسداد الأفق بشكل أكبر فى المرحلة القادمة، وقال: «ممكن يبقى فيه محاكم عسكرية خصوصا فى الفترة الانتقالية»، وأضاف: «الاستراتيجية التى يتبعها النظام مع الإخوان تتلخص فى «أمرين»، الأول: حبس الإخوان داخل التنظيم لتبقى حركتهم فى وضعية «محلك سر»، والحد من زيادة الأنصار وزيادة التعاطف مع الجماعة، والثانى: إقصاء الجماعة من أى دور فى الحياة السياسية المصرية، وأتمنى أن تفتح الجماعة ثغرات فى الجدار الذى أقامه النظام حولها. وعن مشاركة الجماعة فى الانتخابات التشريعية القادمة فى ضوء ما حدث فى انتخابات الشورى الماضية، قال حبيب: «لدينا استراتيجية وسنقوم بدراسة الدوائر كل على حدة». وكشف نائب المرشد عن أن هناك اتفاقا بين بعض أحزاب المعارضة والحكومة فى انتخابات الشعب القادمة. وأكد فى الوقت نفسه عدم وجود اتصالات بين الإخوان والحكومة. الإخوان والحركات الاجتماعية أشار حبيب إلى تنامى قوة حركات الاحتجاج الاجتماعى، واعتبرها حققت بعض الأهداف، وقال: «إذا استطعنا أن نوجد نوعا من الدمج بين حركة الاحتجاج السياسى والاجتماعى المعادلة ستتغير». وقال ضياء رشوان: «هل التجربة القادمة هى التقارب من حركات الاحتجاج الفئوى؟ وهل ستتعاون مع حركات الاحتجاج الاجتماعى ببرنامجها أم ببرنامجك؟». حبيب حدد ثلاثة مسارات رئيسية للتغيير والإصلاح، الأول: التغيير من خلال صناديق الانتخابات، وهذا لا يتم إلا فى إطار أفق سياسى مفتوح، والثانى: الخروج فى مظاهرات عارمة، والثالث: العصيان المدنى. وأكد حبيب أن الإخوان لن يتركوا انتخابات إلا ل«الشديد القوى»، وقال: «إحنا عندنا شبه يقين أن النظام يزور الانتخابات عبر 3 محاور، الأول: عبر الإجراءات التشريعية والدستورية، الثانى: عبر إبعاد القضاة، ثالثا السلبية الخاصة بالمواطنين، وبالتالى فالنظام ضامن تزوير الانتخابات بنسبة 100٪». وتابع: «إذا استطعنا أن نشجع المواطنين وندفع بهم إلى صناديق الانتخابات فسنقلل نسب التزوير إلى 70٪ بدلا من 100٪، ونحن سوف نشارك فى العملية الانتخابية، ولكن إذا سد هذا الباب..؟». وتساءل ضياء رشوان: هل الإخوان اعتبروا القضية الاجتماعية خطا أحمر؟ ورد د.عصام العريان: «هناك شعور عام بأن الدولة تحاول احتواء حركات الاحتجاج الاجتماعى فلن تسمح بالاندماج ما بين السياسى والاجتماعى. وخير مثال على ذلك أنه يوم شعر الأمن أن الإخوان سيكون لهم حضور ضخم فى وقفة الأطباء وقفوا بالمتاريس على عكس ما حدث مع الضرائب العقارية، فالنظام عنده نقطة فصل واضحة يريد أن يبقيها». ويرى العريان أن الحل البديل هو تعظيم الطلب السياسى، وهو الذى سيجد سندا له من حركات الاحتجاج الاجتماعى، ولكن يجب أن يفرز رموز وسط حركات الاحتجاج الاجتماعى. والإخوان ضد مبدأ الثورة بمعنى الهياج، وضد الانقلاب العسكرى، وأنهم مع التغيير الهادئ المثمر، الذى يأخذ وقته بحيث يصبح الشعب قادرا على الاستمرار. وتدخل محمد عبدالقدوس مقرر لجنة الحريات بنقابة الصحفيين والقيادى الإخوانى، وقال: «هناك الكثير من الاحتجاجات الاجتماعية استطعنا أن نصل فيها بين السياسى والاجتماعى، دون رفع شعارات الإخوان، فالضرائب العقارية والدويقة وغيرها استضافناهم بنقابة الصحفيين وقدمنا لهم الرعاية والتشجيع. حسم الجدل بشأن البرنامج تجدد الجدل فى الأونة الاخيرة حول تعديلات البرنامج السياسى للجماعة، وكشفت بعض قيادات الجماعة أن المواد المثيرة للجدل عرضت الجماعة للنقد والهجوم (ولاية المرأة والأقباط، وهيئة كبار العلماء) جرت عليهما تعديلات، إلا أن بعض الأصوات الرسمية داخل صفوف الإخوان فضلت التزام الصمت حيال ذلك وأرجئت القضية لحين الانتهاء من النسخة النهائية للبرنامج. ضياء رشوان طلب من نائب المرشد التوضيح، وقال: «متى سيعلن البرنامج؟»، حبيب بدوره أجاب: «الإخوان طرحوا البرنامج كقراءة أولى ووزعوه على الخبراء والمتخصصين، البعض رد ردا كاملا، والبعض قصر رده على مجموعة قضايا، والبعض الثالث نشر رده فى الصحافة، ونحن جاءت إلينا تعليقات من الإخوان وغير الإخوان فى هذا الشأن». وتابع: «صنفنا المحاور الأساسية وقدمنا رؤية عامة»، مشيرا إلى أن الجزء الأول الذى سيتضمن الأسس والمفاهيم سيكون فى حدود من 40 إلى 50 صفحة، وسيمثل الثوابت الإخوانية ثم ستكون هناك ملاحق فى كل ما يهم المواطن المصرى، مثلا ملحق خاص بالبحث العلمى وآخر خاص بالوضع الاقتصادى، وكل مشكلة من المشكلات لها ملف خاص بها، وأن الملاحق هذه سوف تنزل مواكبة للجزء الرئيسى المكثف، الذى نتكلم عنه، وحتى الملاحق لابد أن تضع أهدافا مرحلية لتحقيقها، فمثلا المشكلة التعليمية تحتاج إلى تناول عميق، فلا يصلح أن أقول إنه خلال 5 سنوات مثلا سوف نحل أزمة التعليم فهذا خطأ، ولكن الصحيح أن نقول مثلا إننا فى أول 5 سنوات سوف ننجز كذا، وال5 سنوات التالية سوف ننجز جزءا آخر». وكشف حبيب عن أن العمل فى الجزء الأول يتم هذه الأيام، كما أن هناك لجانا تضع الأسس العامة لكل محور من المحاور، وهذه اللجان تعمل فعلا، والمشروع سيتم إنجازه خلال أشهر، وهذه لن تكون القراءة الأخيرة، فمن الممكن أن تكون القراءة الثانية، وتتبعها بعد ذلك قراءة ثالثة متى طرأ جديد. وأكد حبيب أن المادة الخاصة بهيئة العلماء تم حسمها منذ فترة، وفيما يخص المرأة والأقباط، فالمناقشة ما زالت جارية. وقال: «هذه القضية (ولاية المرأة والأقباط) تخص الإخوان وحدهم وليست ملزمة للآخرين بمعنى أننى أعلنت قبولى بالتعددية والتداول السلمى للسلطة وأنه من خلال إطار التعددية، فكل جماعة سياسية أو فصيل له رؤيته الخاصة به فإذا كان لهذا الفصيل رؤية أن يرشح امرأة أو قبطى فهذه حريته». وقال: «هناك جانب آخر لا يجب أن ننساه، وهو أن الشعب فى النهاية هو صاحب الحق فى الاختيار.. وخلاصة القول إن هذا هو الدائر فى هذا المجال». وهو ما شدد عليه العريان، وقال: لن نسعى لتعديل الدستور، ولن نفرض شيئا على الآخرين، ومن الوارد أن ينص البرنامج على ذلك.