1 لقد سعد المصريون جميعا بنجاح ثورة شبابها فى 25 يناير 2011 لأنها أبادت أشياء كثيرة رديئة كان يجب التخلص منها لتبدأ مصر عهدا جديدا يليق بإمكاناتها ومكانتها فى العالم، فمصر هى فعلا «أم الدنيا» فحضارتها حولت الإنسان من رجل الكهف إلى بانى أهرامات الجيزة منذ 5000 عام وهناك مئات من الأشياء الأخرى التى يمكن ذكرها عن فضل مصر على العالم ولكن ليس هذا مقامها فى هذا المقال. لقد سالت دماء شباب عديدة واستشهد منهم المئات لتحقيق أهداف هذه الثورة، ورحلوا عن عالمنا وبقينا نحن لنحصد الثمار، فالواجب يحتم علينا أن نحفظ لهم الجميل ونشّيد لهم نصبا تذكاريا يحمل أسماءهم جميعا فلم يكن لهم قائد نشّيد له تمثالا فقد كانت ثورة فريق وليست ثورة فرد واحد. 2 أقترح أن يقام هذا النصب فى ميدان التحرير مركز زلزال الثورة التى دامت لمدة 18 يوما متواصلة ليلا ونهارا وبإصرار من الشباب على تحقيق هدفهم وحقهم المشروع فى تغيير نظام الحكم، ووقف معهم الشعب المصرى بأكمله ووفقهم الله لأن «الحق قوة من قوة الديان أمضى من كل أبيض هندى» كما قال الشاعر حافظ إبراهيم فى قصيدته «مصر تتحدث عن نفسها». 3 عندما كنت فى الحادية عشرة قامت ثورة 23 يوليو سنة 1952 وكان ميدان التحرير اسمه ميدان الإسماعيلية نسبة إلى الخديوى إسماعيل الذى أنشأ القاهرة الحديثة وأقام أول برلمان فى تاريخ مصر ليحكم الشعب نفسه بنظام ديمقراطى. وكان فى وسط الميدان قاعدة فخمة من الجرانيت ليوضع عليها تمثال للخديوى إسماعيل وكان التمثال موجودا بالفعل ولكن القائمين على شئون الدولة فى هذا الوقت لم يضعوا التمثال فوق قاعدته الرائعة، وظلت القاعدة خالية لمدة 50 عاما لأن كل من جاء للحكم كان ناكرا لجميل سلفه ولم يرد أن يضع له تمثالا فوق القاعدة الخالية. وعند تنفيذ مشروع مترو الأنفاق أزيلت القاعدة وبإهمال شديد ألقيت أجزاؤها القيمة فى حديقة الزهرية وظل الميدان الفسيح خاليا. 4 أقترح أن يكون النصب التذكارى على هيئة مسلة فرعونية ارتفاعها لايقل عن 50 مترا لتعلو قامتها على كل مبنى فى ميدان التحرير، شامخة إلى السماء حيث ترقد أرواح الشهداء، ستبنى المسلة بالخرسانة المسلحة وتغطى ببلاطات من جرانيت أسوان الأحمر بلون دماء الشهداء التى سالت فى نفس المكان وستحفر أسماؤهم على اسطح الجوانب الأربعة للمسلة: أولا: بالحروف الهيروغليفية لغة الشعب المصرى القديم الذى علم العالم الكتابة. ثانيا: بحروف اللغة العربية لغة مصر اليوم والعالم العربى. ثالثا: بالحروف اللاتينية ليقرأها أهل العالم الأجانب قاطبة عندما يزورون ميدان التحرير الذى أصبح اسمه مشهورا فى العالم كأهرامات الجيزة. رابعا: يكتب على السطح الرابع الأهداف التى قامت من أجلها الثورة بكل لغات العالم وبحروفها المختلفة. وسوف تغطى أسطح الهرم الموجود على قمة المسلة برقائق الذهب المصرى المستخرج من مناجم أجدادنا الفراعنة التى أعيد استغلالها فى الصحراء الشرقية لتكون مثل قمم المسلات الفرعونية فى قديم الزمان لتعكس أشعة شمس مصر الساطعة نحو السماء لتراها عيون الشهداء فهم «أحياء عند ربهم يرزقون». ما سبق هو أبسط تصميم للنصب التذكارى وأترك التفاصيل للمتخصصين فى هندسة العمارة والإنشاء وعلماء الآثار المصرية الفرعونية . وعندى اقتراح آخر ببناء قاعدة للمسلة تحتوى على قاعة عرض توضع بها صور الشهداء وأسماءهم وصورا لتجمعاتهم فى الميدان وأجهزة عرض تليفزيونية لعرض مقاطع أفلام عن أيام الثورة. وسوف تتناغم عمارة المسلة الفرعونية الجرانيتية مع عمارة قاعدة تمثال سعد زغلول الفرعونية الجرانيتية فى الناحية الأخرى من كوبرى قصر النيل لتتلاقى أرواح شهداء 1919 مع أرواح شهداء ثورة 25 يناير 2011 فى منتصف نيل مصر الذى يفصل بين القاعدتين. 5 وتمويل تكلفة هذا النصب التذكارى العالية لن تكون فيها مشكلة، فلقد تبرع الشعب المصر من قبل لإقامة تمثال «نهضة مصر» وسيقوم أيضا بتمويل تكلفة إقامة هذا النصب. منذ مدة قصيرة تبرع أحد رجال الأعمال الشرفاء «وهناك الكثيرون منهم» بمليون جنيه للاعب لأنه أحرز هدفا فى كرة القدم وأظن أن هدف بناء هذا النصب التذكارى هدف أسمى من هدف كرة القدم ويستحق التبرع منه ومن غيره بملايين الجنيهات توضع فى حساب بنكى يفتح لهذا الغرض وحبذا لو يكون رقم الحساب 2011125 وهو تاريخ بدء الثورة. وسنضع فى ميدان التحرير صناديق شفافة ليضع فيها الشيوخ والشباب جنيهاتهم والأطفال قروشهم ليعرف الجميع عندما يزورون النصب التذكارى فى ميدان التحرير أنه بنى بتبرعاتهم لرد الجميل للشهداء وأقترح أن تقوم جريدة الشروق بتبنى إدارة هذا المشروع من الناحية الفنية والمالية ويشرفنى أن أكون أول المتبرعين بمالى ومجهودى فى هذا الأمر. 6 لقد كنت أستمع إلى الراديو طوال فترة الثورة يذيع نشيدين هما «مصر تتحدث عن نفسها» للشاعر حافظ إبراهيم و«صوت الوطن» لوالدى الشاعر أحمد رام، وكلاهما من غناء كوكب الشرق «أم كلثوم»، وكانت الدموع تترقرق فى عينى حزنا على ما أصاب مصر حبيبتى وحبيبته التى فى خاطره وفى فمه ويحبها من كل روحه ودمه. لقد كتب منذ ستين عاما «لا تبخلوا بمائها على ظمى» وأصبحت الآن مياه نيلنا وترعنا ملوثة ونشرب المياه المعبأة فى زجاجات ونستورد المياه المعدنية من فرنسا، وكتب «وأطعموا من خيرها كل فم» والآن انقرض الخير وأصبحنا نستورد القمح والذرة والزيت والسكر وحتى الفول، يا للعار لأمة علمت العالم الزراعة وكانت سلة القمح للإمبراطورية الرومانية فإنهارت لدرجة أنها تستورد غذاءها من الخارج و«من لايملك قوته لا يملك حريته» ولذلك قامت ثورة 25 يناير مطالبة بالحرية. وكأن أحمد رامى كان يتنبأ بالمستقبل عندما كتب: أحبها للموقف الجليل من شعبها وجيشها النبيل دعا إلى حق الحياة لكل من فى أرضها وثار فى وجهه الطغاة مناديا بحقها وقال فى تاريخه المجيد يا دولة الظلم إنمحى وبيدى وكأن التاريخ يعيد نفسه ففى 25 يناير 2011 ثار الشعب ووقف بجانبه الجيش النبيل وبادت دولة الظلم فمرحبا بمصر جديدة حرة وديمقراطية وغنية بشعبها العظيم.