تُطرح فى مصر اليوم مروحة من المطالب والإصلاحات لحل الأزمة الراهنة، ولإقامة نظام سياسى جديد، منها: رحيل الرئيس؛ رفع حالة الطوارىء؛ تشكيل حكومة ائتلافية؛ تعديل الدستور، حلّ مجلسَى الشعب والشورى؛ وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، إلخ. وهذه الاقتراحات تُشكِّل بالفعل خطوات ضرورية لبناء مصر ديمقراطية جديدة. أتقدّم فى هذا المقال البسيط باقتراحين إضافيّين قد يكونان مفيدين لبناء المرحلة القادمة: الاقتراح الأول يرتبط بالعلاقة بين القوات المسلحة وبين النظام السياسى المدنى، وهو اقتراح ينبثق من التجربة التركية. فالجيش المصرى يلاحظ الآن ماتعلّمته الجيوش الأخرى حول العالم بما فى ذلك الجيش التركى فى العقود المنصرمة، وهو أن من مصلحته العليا أن يتجنّب التحديات الصعبة والمُفسِدة التى تفرضها المسئولية السياسية اليومية، وأن يُحافظ على دور ريادى فى القضايا الأمنية والاستراتيجية، على أن يُشجِّع ويضمن فى المقابل خلق فضاء سياسى مدنى يستطيع الشعب فى إطاره أن ينتخب البرلمانات والحكومات ويضعها تحت سقف المساءلة والمراقبة. فى تركيا، تمّ تأسيس «مجلس الأمن القومى» فى ستينيات القرن العشرين لهذا الغرض. وضمّ المجلس قادة أركان الجيش، علاوة على رئيس الجمهورية المدنى، ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية، وغيرهم من المعنيين المدنيين فى القضايا ذات الصلة بالشأن الاستراتيجى. وقد حافظ هذا المجلس على نفوذ الجيش ودوره فى وضع استراتيجية الأمن القومى وصيانة استقرار البلاد وحماية الدستور. ومع أنه أُسىء استعمال هذا المجلس من حين إلى آخر، إلا أنه تحوّل إلى مؤسسة رئيسية فى إدارة المرحلة الانتقالية الطويلة من الحكم العسكرى إلى الحكم المدنى. ومع نضوج عملية الانتقال الديمقراطى التركية فى السنوات الأخيرة، حظى مجلس الأمن القومى بأغلبية مدنية وهو الآن برئاسة مدنى. قد تحتاج مصر، فى مرحلتها الانتقالية، إلى مؤسسة مشابهة. وهذه المؤسسة لاتُطمئِن القوات المسلحة بأن لها دورا مهما ومستداما فى النظام الناشئ وحسب، بل هى أيضا قد تنظّم الدور المهم للجيش فى توفير الاستقرار فى هذه المرحلة الانتقالية الحرجة. ثم إنها تُطمئِن أولئك فى داخل مصر وخارجها فى الساحة الدولية الذين يتخوّفون من أن المرحلة الانتقالية قد تؤدّى إلى الفوضى، أو أن هذه المرحلة ستؤدّى إلى سيطرة فئة سياسية أو دينية معينة. الاقتراح الثانى يتعلّق بالتمثيل النسبى. هنا، أحد المخاوف عند البعض داخل مصر وخارجها هو أن ثمة تيارا واحدا قد يكتسح أى انتخابات فى المستقبل القريب إذا ما كانت هذه الانتخابات عادلة وحرة فعلا. وهذا ماسيكون عليه الحال إذا مابقى النظام الانتخابى على ماهو عليه: أى نظاما أكثريا. فجماعة الأخوان المسلمين مثلا هى بالفعل أقوى حركة معارضة، وتتفوّق إلى حدّ بعيد على أحزاب المعارضة الأخرى فى مجال التنظيم والقدرة على تعبئة الموارد والأصوات. وفى نظام أكثرى، تستطيع أن تفوز على الأحزاب المعارِضة الأخرى ربما فى غالبية الدوائر الانتخابية، حتى ولو لم تكن لديها أغلبية مطلقة بين الناخبين. من أجل تأمين عدالة وتنوّع التمثيل، قد يكون النظام الانتخابى القائم على التمثيل النسبى هو الأنسب، إذ هو يعنى أن كل حزب أو تيار سيحصل على حصته الدقيقة والعادلة من التمثيل فى البرلمان. فلن يستطيع أى حزب أو جماعة، ولو كان قويا، أن يحتكر أغلبية مقاعد البرلمان. ثم إن هذا النظام النسبى قد يؤدّى إلى تعدد أصوات التيارات الجامحة وتنوّعها، ويُشجّع على بروز أحزاب جديدة، الأمر الذى سيضمن تمثيل كل التيارات وألوان الطيف المصرى فى البرلمان الجديد. فيما تشقّ مصر نهجا جديدا لها، نتطلع نحن فى البلدان العربية الشقيقة إلى نضال الشعب المصرى بكثير من الأمل. ولعلّ هذه الاقتراحات التى أتقدّم بها هنا تغنى نقاشات الأشقاء والزملاء فى مصر فى هذه اللحظة التاريخية.