خلال الجدل الأخير بشأن الخطاب العنيف المتسم بجنون العظمة، الصادر عن اليمين الأمريكى، كان من اللافت غياب اسم واحد. فقد سمعنا الكثير عن جلين بيك، وسارة بالين، وراش ليمبو، وبيل أوريلى، وهم المشتبه بهم المعتادون. غير أننا لم نكد نسمع شيئا عن الرجل الذى يوظف الكثير منهم ليحقق مكسبا ماليا وسياسيا: روبرت ميردوخ. بيد أن معظم التغطية الإعلامية لأخبار ميردوخ خلال الأسبوعين الماضيين، تشير فى الواقع إلى أمر آخر. حيث عمل روبرت مع ستيف جوبز رئيس مجلس إدارة شركة آبل على إصدار صحيفة رقمية، باسم «ديلى»، للكمبيوتر اللوحى آى باد. وتم تعيين صحفيين مخضرمين لهذه الصحيفة. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز أن القراء سوف يمكنهم الاشتراك فى هذه الصحيفة لقاء رسم متواضع، لتصل أهم الأخبار كل صباح إلى أجهزة الكمبيوتر اللوحى الخاصة بهم. وفى حال نجاح صحيفة «ديلى» ستشكل مع صحيفة وول ستريت التى يملكها ميردوخ، اثنتين من الصحف القليلة التى يريد القراء دفع رسوم لقراءتها على الشبكة العنكبوتية. وهو السبب فيما يلقاه ميردوخ من إشادة غالبا حتى ممن يكرهون سياسته باعتباره منقذا للصحافة فهو الرجل الذى أظهر كيف يدر الموقع الإلكترونى أرباحا. والموضوع الآخر المتعلق بميردوخ الأسابيع الأخيرة، يدور حول سعى شركته، نيوز كورب، شراء محطة سكاى البريطانية الإخبارية، وما إذا كانت تحقيقات الشرطة فى قرصنة اتهم بها صحفيون فى «نيوز أوف ذا وورلد» التى يملكها ميردوخ، قد تجعل المسئولين الحكوميين أقل ميلا للموافقة على الصفقة. غير أن الصفقة أثارت مخاوف أخرى، أهمها ما إذا كان الجمع بين نيوز كورب وسكاى سوف يمنح ميردوخ سيطرة أكثر من اللازم على الأخبار فى المملكة المتحدة. وقد أظهرت دراسة تحليلية أجرتها مؤسسة إندرز عن تقييمات محطة سكاى ومعدلات قراءة نيوز كورب، أن 22 فى المائة من الأخبار التى يقرأها البريطانيون سوف تأتى من الشركة المدمجة. وحتى لو لم يكن لدى ميردوخ أجندة سياسية محددة بوضوح، فإن ذلك المستوى من التركيز مازال يثير أسئلة ضخمة حول - على سبيل المثال - قدرة مثل هذه الشركة على تطويع الأخبار على نحو يعزز إمكانياتها المالية، أو استخدام قوتها السوقية لإبعاد أخبار معينة عن أنظار الجماهير. ولا يقل نهم ميردوخ نحو امتلاك نوافذ الأخبار فى كل من وسائل الإعلام القديمة والجديدة فى الولاياتالمتحدة عنه فى بريطانيا. وربما يبدو حماسه للاستحواذ أقل إزعاجا فى بعض الأحيان، لأن ما يقدمه لجمهور النخبة غالبا ما يكون من نوعية راقية. وفى البداية، أثار شراؤه وول ستريت جورنال مخاوف بشأن التوجه الذى ستتخذه صفحات الأخبار فى الجريدة. ولكنه، فى محاولة لتقويض نيويورك تايمز، قام بتحويل قسم الفن والأدب الذى تصدره الجريدة فى العطلة الأسبوعية إلى صحيفة أسبوعية ثقافية ذكية للغاية دون ميل سياسى ملحوظ. بيد أن ما تقدمه شركته من أخبار لجماهيره ضخم يعتبر أكثر جرعة متواصلة ومنسقة من الدعاية اليمينية شهدتها بلاده. فقد كان الأب كافلين، وجو ما كارثى وجورج والاس وأمثالهم يعملون لحسابهم، بنفس القدر الذى يعمل به ليمبو اليوم. وعلى العكس من ذلك، ترتل جوقة العاملين فى فوكس نيوز من كتاب تراتيل ميردوخ. ومهمتهم هى دعم قضايا اليمين والجمهوريين. فهل يؤمن ميردوخ بكل ما يقوله على الهواء العاملون لديه فى فوكس نيوز؟ من قبيل إن الرئيس أوباما يكره الأشخاص البيض، كما قال جلين بيك؟ وأن شبح الاستبداد الاشتراكى يكمن خلف سياسات أوباما الإصلاحية؟ ليس لدينا وسيلة لمعرفة ذلك، على الرغم من أن تأييد ميردوخ السابق لإصلاحيين من نمط أوباما، مثل تونى بلير لرئاسة وزراء بريطانيا وهيلارى كلينتون لعضوية مجلس الشيوخ، (فى الحقيقة عندما بدا فوزهم مرجحا) يشير إلى أنه لا يستسيغ شخصيا النفاية التى يدفع ثمنها. ولكنه حتى لو لم يكن يعتمد على دقة آراء بيك وشركاه، إلا أنه يجد مبالغاتهم مفيدة فى توجيه الأمة يمينا. لذلك، لن أحتفى بإطلاق «ديلى»، على الرغم من أنها قد تمثل نجاحا فى عالم الإعلام. فليس هناك من نجح فى تكريس ونشر أوهام جنون العظمة التى ينضح بها اليمين، أكثر مما فعل العاملون لدى ميردوخ فى فوكس نيوز. وسوف تثبت الأيام ما إذا كان ميردوخ وجد سبيلا لإنقاذ الصحافة أم لا. بيد أن الواضح بالفعل، أنه وجد وسيلة للحط من شأنها.