إطلاق برنامج "لقاء الجمعة للأطفال" بمسجد الشامخية ببنها    جوائز تصل ل25 ألف جنيه.. جامعة الأزهر تنظم مسابقة القراءة الحرة للطلاب    محمد الباز: جماعة الإخوان عصابة حكمت مصر    بحضور 400 مشارك .. وكيل أوقاف القليوبية يطلق برنامج لقاء الجمعة للأطفال    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    صوامع وشون الاقصر تنتظر توريد 34 ألف طن قمح محلى    وزيرة التعاون الدولي تلتقي نائبة رئيس مجموعة البنك الدولي لبحث الشراكات    شرب وصرف صحي الأقصر تنفى انقطاع المياه .. اليوم    جامعة جنوب الوادي توفر سكن فاخر لمرافقي مصابي الأشقاء الفلسطينيين    فريق حاسبات عين شمس الأول عربياً وأفريقياً في المسابقة العالمية 24 ICPC"    تهديد خطير تتلقاه باريس.. والأمن ينتشر في موقع القنصلية الإيرانية    درعا والسويداء ,, تفاصيل استهداف إسرائيل مواقع عسكرية فى سوريا    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    بدء أكبر انتخابات في العالم بالهند.. 10% من سكان الأرض يشاركون    الدوري الألماني يقترب من مقعد خامس في التشامبيونزليج    أخبار الأهلي : ربيعة: لن ننظر إلى التاريخ وهدفنا الفوز على مازيمبي وسط جماهيره    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة.. مباريات اليوم السادس    فرصة أمام آرسنال وليفربول لتضميد الجراح    مشجع وعضو فخري.. الأهلي ينعى صلاح السعدني    ب 16 مليون جنيه.. سقوط متهمين بحوزتهم 36 كيلو هيروين وحشيش بالقليوبية| صور    اخبار التعليم|قرارات جديدة بشأن امتحانات الثانوية العامة .. حسم أزمة تدريس مناهج غير أخلاقية بإحدى المدارس    اصطدام 3 سيارات واشتعال النيران بإحداهم في التجمع الأول    غرق شابين أثناء استحمامهما بمياه النيل أمام قرية أبو صالح ببني سويف    شكوى من انقطاع المياه لمدة 3 أيام بقرية «خوالد أبوشوشة» بقنا    يسرا تنعى صلاح السعدني وتعتذر عن عدم حضور الجنازة    ابن عم الراحل صلاح السعدنى يروى كواليس من حياة عمدة الدراما بكفر القرنين    انتهاء أعمال المرحلة الخامسة من مشروع «حكاية شارع» في مصر الجديدة    يحييه الله حياة طيبة ويكون أطيب الناس عيشا.. خطيب المسجد الحرام: بهذا العمل    دعاء لأبي المتوفي يوم الجمعة.. من أفضل الصدقات    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    طريقة قلي الباذنجان الصحية.. النتيجة مدهشة جربها دلوقتي    الصحة: المجتمع المصري أصبح يعاني أمراضا نفسية بسبب الظروف التي مرت بالبلاد    لمحبي الشاي بالحليب.. 4 أخطاء يجب تجنبها عند تحضيره    كل ما تريد معرفته عن قانون رعاية حقوق المسنين| إنفوجراف    محافظ أسيوط يعلن ارتفاع معدلات توريد القمح المحلي ل 510 أطنان    احذر| ظهور هذه الأحرف "Lou bott" على شاشة عداد الكهرباء "أبو كارت"    الخشت: تخصص الصيدلة وعلم الأدوية بجامعة القاهرة أصبح ال 64 عالميًا    الأربعاء.. انطلاق مهرجان الفيلم العربي في برلين بمشاركة 50 فيلما عربيا    إقبال جماهيري على جناح مصر في بينالي فينيسيا للفنون 2024    الصحة: فحص 432 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    1490 طنا.. وصول القافلة السادسة من مساعدات التحالف الوطني لأهالي غزة (صور)    إسعاد يونس تنعى الفنان صلاح السعدني بصورة من كواليس «فوزية البرجوازية»    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    "رصدته كاميرات المراقبة".. ضبط عاطل سرق مبلغا ماليا من صيدلية بالقليوبية    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    كشف لغز بلاغات سرقة بالقاهرة وضبط مرتكبيها وإعادة المسروقات.. صور    للبقاء مدى الحياة؟ سكاي: بايرن يجهز عرضا لتمديد عقد موسيالا    رضا عبد العال يعلق على أداء عبد الله السعيد مع الزمالك    فتح ممر إنساني نهاية إبريل.. إعلام عبري: عملية رفح محسومة والسؤال عن توقيتها    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    موعد مباراة الترجي وصن داونز بدوري أبطال أفريقيا    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمس سنوات من حياة رفاعة فى باريس (1826 1831م)
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 01 - 2011

فى ربيع عام 1826 انتهز محمد على والى مصر (1805/1848م) فرصة مرور السفينة الحربية «لاترويت» La Truite فكلف قبطانها «روبيلار» Robillard أن يحمل معه إلى مارسيليا «إحدى مدن جنوب فرنسا» أربعين شابا ليدرسوا فى باريس «عاصمة فرنسا» وبفضل جهود الشيخ حسن العطار أشار على الباشا بأن يضيف إلى الطلبة إماما يسهر على شئون دينهم فى تلك البلاد البعيدة، فلم يرفض هذا الاقتراح، وهكذا عين العطار تلميذه رفاعة إماما للبعثة.
وفى باريس اهتم «جومار» Jomard مدير البعثة بالشيخ رفاعة، الذى توسم فيه الذكاء فوجهه إلى الإفادة من رحلته بدراسة اللغة الفرنسية، وترجمة مبادئ العلوم وتدوين مشاهداته فى باريس، لعل هذا الفتى الصعيدى أن يصير همزة الوصل المنشودة بين ثقافة الغرب وعقلية الشرق.
وسجل لنا رفاعة الطهطاوى كل ما شهده ولمسه فى مدينة باريس من خلال كتابه الشهير «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز» فتحدث عنها من حيث موقعها الجغرافى بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض وظروفها المناخية، التى كانت سببا فى تحديد شكل المبانى المنحدر السقوف وشكل الشوارع المبلطة بالحجر والمزودة بمجار تحمل الماء إلى البالوعات، كما يصف المدافئ التى يوقدها الفرنسيون لاتقاء برد الشتاء وكذلك البساتين المتنوعة، وعند رؤيته نهر السين، الذى يمثل أحد روافد الأنهار بفرنسا، وتقع عليه مدينة باريس آثر عليه رؤية نهر النيل، وقدر رفاعة عدد سكان ذات المدينة بنحو مليون نسمة، يتزايدون باطراد، وتتسع دائرة عمرانهم حول المدينة. ومن خلال معايشته اليومية لسكان مدينة باريس تبين له اتصاف شعبها بشدة ذكائهم، وتأصل الثقافة فيهم وتوقهم إلى الفهم والاستطلاع والوقوف على كل طريف وولعهم بالصيف ودوام الذكر أكثر من تهافتهم على الكسب وعرف نشاطهم الجم، ووصف كل ذلك فى كتابه، كما وصف حركاتهم وتقلب مزاجهم وعواطفهم وحبهم لوطنهم وإكثارهم من الرحلات واحتفاءهم بالأجانب، غير أنه لاحظ تبذيرهم المال فى طلب اللهو، وكون الاعتزاز بأنفسهم يسوقهم إلى الانتحار وتأديتهم الواجب، ووصف الرجال عندهم بأنهم عبيد النساء، يثقون بهمن ويدللوهن، ثم يلجأون فى خيانة العرض إلى ساحة القضاء بدلا من أن يثأر ثأرا شخصيا.
ويعجب رفاعة بعدم وجود الغزل فى أشعارهم، غير أنه يأخذ على نسائهم قلة العفاف، وعلى الرجال قلة الغيرة وإن كان يرى أن اضطراب الأخلاق نتيجة اجتماعية طبيعية لبيئة المدن مثل باريس، وبجانب عقائدهم فهم تقدميون تطوريون، يؤمنون بالعقل ويرفضون ما لا يقبله العقل من الخوارق، ويأخذ عليهم قولهم بأن الحضارة فى المجتمع الراقى تؤدى دور الدين فى المجتمع البدائى. ويستنكر رفاعة إنكار بعضهم القضاء والقدر، ثم راح يصف مطهرهم، من بياض البشرة لعدم اختلاطهم بالزنوج إلى رقة نسائهم اللطيفات اللواتى يشاطرن الرجال متعة النزهة والرقص.
وتأثر رفاعة الطهطاوى برسائل «مدام سفينيه» وأيقن أن للمرأة مكانا فى الحياة الفكرية ينبغى أن تشغله، كما لاحظ مدى ثقافة الفرنسيين حتى لدى الطباخين وأرباب الحرف الأخرى.
كما نقل لنا أنماط الحكومة الفرنسية فى الديمقراطية، حيث يدافع عن الملك «ديوان ألبير» أى «مجلس الأعيان»، ويدافع عن الشعب «مجلس النواب» أو «ديوان العمالات»، كما يسميه، ليكون ذلك عبرة لمن يرغب.
وتعرف عن مواد الدستور، التى كان أساسها العدل والمساواة والإنصاف حتى إن الدعوى الشرعية تقام على الملك، وينفذ عليه الحكم كغيره، كل ذلك كان من تعمير الممالك وراحة العباد، فلا نسمع من يشكو أبدا فالعدل أساس العمران.
كما وصف لنا رفاعة الطهطاوى عادة سكنى أهل باريس عند بناء منازلهم مستخدمين الأحجار والطوب، وتزينهم جدران العرف بورق منقوش وأرضها بخشب مصقول ووضعهم مختلف أنواع الأثاث وآنية الأزهار وآلة البيانو والسجاجيد النفيسة ومكتبة تضم أرقى أنواع الصحف والكتب، كما أثنى على ربة المنزل، حيث قال: «يكمل الأنس بحضورها» من حيث منزلها الجميل وأناقته ونظافته، كذلك تحدث عن غلاء العقارات ووظيفة البواب.
ولم يفته استعراض مظاهر احتفاء الباريسيين بالفن فعدد أنواع التياير الباريسية من الأوبرا إلى السيرك، وكذلك البال أى حفلة الرقص «الدسكو» وأعجبته بعض الرقصات، التى يشترك فيها الرجال والسيدات، وهم جميعا فى أفخر حللهم وزينتهم، وكأنهم يؤدون حركات رياضية مهذبة راقية.
ومن خلال طوافة بمدينة باريس وصف لنا حدائقها وشوارعها من الشانزليزيه والبولفار، حيث ينتشر العشاق ليلا، حتى إنه ليأخذه الطرب، فيخرج من أعماق ذاكرته أبياتا من الشعر القديم عن الليل والغرام، كذلك وصف الحمامات لراحة الأبدان ومدارس الرياضة البدنية كطرق طبيعية للعناية بالصحة.
وأثناء تجوله بمدينة باريس عدد لنا الجمعيات الخيرية ودرورها فى فعل الخير ببناء المستشفيات وملاجئ اللقطات والأيتام والعمى والشيوخ «دار المسنين» وجرحى الحرب ومكاتب إغاثة المنكوبين ومراكز الإسعاف الأولية.
وحدثنا صاحبنا عن أغذية أهل باريس وعاداتهم فى المآكل والمشارب، فرأى خبزهم من الحنطة يطحنونها فى طواحين الهواء والماء ويخبزها الفران فيبتاعونها من دكانه، لكونهم يشغلون أيامهم بما هو أهم من صناعة الخبز فى بيوتهم، وكانت الأطعمة لديهم متنوعة، ولو عند الفقراء، كما تناول المائدة وآدابها وترتيب قائمة الطعام، وقد نالت هذه الأوضاع إعجابه، بالرغم من أن أطعمة الفرنسيين لم تطب له، كما شاهد الخمارات وتعثر ذات ليلة سكير خارج منها.
ووصف لنا رفاعة ملابس أهل باريس وأثنى على لبس القمصان والألبسة والصديريات تحت ملابسهم، فكان الموسر يغير فى الأسبوع عدة مرات، وبهذا يستعينون على قطع عرق الواغش، ويشير إلى هندام الرجال، ولكنه يطنب فى وصف ملابس النساء التى يراها «لطيفة لها نوع من الخلاعة».
وقد انبهر لمشاهد الفن والجمال فى باريس، فتناول وصف ملاهها وقاعة التمثيل بها ومراحل اللعب، وقد شبه اللاعبين واللاعبات «العوالم» ولمس خلال إقامته هناك خمس سنوات مدى حب سكانها للعمل والسعى إلى الكسب، وهو الشىء المتأصل فى نفوس هؤلاء، حتى إن كلمة التوبيخ، التى كانت مستعملة لديهم وعلى ألسنتهم فى الذم هى لفظة الكسل والتنبلة، ولم يفته الجانب الاقتصادى فى الحياة الباريسية فاستعرض صاحبنا البنوك وشركات التامين كمؤسسات مالية وسيطة تسهم فى النشاط الاقتصادى. وعدد أنواع المصانع وفوائد المعارض والمواد التى يدرسها الطلبة فى معاهد التجارة، والعوامل التى ساهمت فى رواج النشاط السياحى والاقتصادى كوسائل المواصلات وانتظام البريد والدعاية والإعلان لحركة التسويق، وأشار إلى العلوم التجريبية والفنون والصنائع والمتاحف والكنائس الأثرية التى تحلت بها مدينة باريس.
ولقد شهد رفاعة فى باريس قبل عودته إلى مصر ثورة الشعب الفرنسى على حكومة الملك شارل العاشر فى يوليو سنة 1830م، وعلق على أسباب خروج الفرنسيين عن طاعة ملكهم، من تعدد الأحزاب وتشديد الرقابة على الصحف والمطبوعات وإضراب العمال وغضب الشعب على الحكومة ونشوب الحرب الأهلية ورسوم الصور الساخرة ضد الملك للمطالبة بالإصلاح، كما لاحظ أن الأسلوب العلمى هو أكثر الطرق للإصلاح السياسى.
ويعجب رفاعة بمروءة الفرنسيين، وتلك من صفات العرب الأصلية وإن تكن ضعفت فى الأزمة الأخيرة «مشاق الظلم ونكبات الدهر» مع اعتزازهم رغم ذلك بالحرية على نحو ما يعتز بها الفرنسيون.
وهكذا كانت عينا رفاعة لماحتين، فرصدتا الحياة الباريسية من جوانبها المختلفة، فكان وصفه من أطرف أوصاف الرحالة فى العصر الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.