تأتي استضافة مصر للدورة الثانية للقمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، الأربعاء المقبل، بمثابة تجسيد جديد لحرصها الدائم على كل ما يؤدي إلى تعميق وتوسيع نطاق العمل العربي المشترك في مجالاته المختلفة مع التركيز في هذه القمم الجديدة المتخصصة على البعد الاقتصادي سعيا لتحقيق التنمية بمفهومها الشامل، وبما يحقق مصالح المواطن البسيط من أقصى الوطن العربي إلي أقصاه فضلا عما يمثله العمل المشترك في هذه المجالات الحيوية من دماء جديدة تسري في شرايين منظومة العمل العربي المشترك ككل والتي يتطلع الجميع لدعمها بقوة لتقف بثبات على أرض الواقع. وفي إطار هذا الدور الإيجابي الدائم لمصر وإدراكها العميق لحجم التحديات الجديدة والمتزايدة على الساحة الاقتصادية الإقليمية والدولية، جاءت مبادرة مصر المشتركة مع الكويت أمام القمة العربية بالرياض عام 2007 لعقد قمم عربية متخصصة منتظمة كل عامين تعنى بالشؤون الاقتصادية والتنموبة والاجتماعية وهي المبادرة التي لقيت تفهما وترحيبا من القادة العرب، وتم اعتمادها في تلك القمة لتكون بمثابة نقطة انطلاق جديدة للعمل العربي المشترك لتعقد القمة الأولى في الكويت في يناير 2009. وفي هذا الخصوص جاءت توجيهات الرئيس حسني مبارك للحكومة في مصر بتقديم كل الدعم الممكن لأي تحركات من شأنها أن تزيد من وتيرة العمل الاقتصادي العربي المشترك، باعتبار أن ذلك أصبح ضرورة ملحة للعرب جميعا لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية المتزايدة، حسبما أشار وزير التجارة والصناعة المهندس رشيد محمد رشيد. ورغم أن البعد الاقتصادي والاجتماعي لم يكن غائبا عن القمم العربية العادية كما ظل المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجامعة العربية يبذل جهودا حثيثة على مدى سنوات طويلة، أمكن من خلالها تحقيق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى واتفاقية الاتحاد الجمركي العربي المقرر سريانها بشكل كامل بحلول عام 2015 والاتفاقية التي تهدف لإقامة سوق عربية مشتركة. الا أن تنامي التحديات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية "وسط عالم أكثر انفتاحا وتنافسا واقتصادات عربية أكثر اندماجا في الاقتصاد العالمي" بات يفرض على العرب الإسراع بوتيرة العمل الاقتصادي والتنموي العربي المشترك. وفي هذا الإطار، أوضح أحمد أبو الغيط وزير الخارجية أن منطق مبادرة إطلاق مبادرة عقد هذه القمم الاقتصادية يتمثل ببساطة في أن حجم التحديات التنموية التي تواجه الدول العربية باتت من الخطورة والأهمية على النحو الذي تستحق معه تخصيص اجتماعات دورية لها تعقد على أعلى مستوى للعمل العربي المشترك، بحيث تركز هذه القمم المتخصصة حصريا على بحث سبل محاربة الفقر والبطالة وتعميق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية بشكل لا يقتصر فقط على تحرير التجارة البينية بين الدول العربية، وإنما ينسق بين استراتيجياتها التنموية وفقا لمنظور شامل يتناول كافة أبعاد العملية التنموية، بما في ذلك من زيادة الاستثمارات في مختلف القطاعات الإنتاجية وتحديث البنية الأساسية في الدول العربية وتطوير منظومة التعليم وبناء القدرات البشرية ومواكبة التطورات التقنية والممارسات التنموية العالمية. وفي إطار هذا التحرك المصري المبادر والإيجابي، فقد استبقت مصر استضافتها لقمة شرم الشيخ الاقتصادية بإطلاق "مبادرة الأعمال العربية" في الشهر الماضي، عندما استضافت في القاهرة بدعوة من وزير التجارة والاقتصاد كوكبة من كبار رجال الأعمال العرب جنبا إلى جنب مع ممثلين عن صناديق الاستثمار العربية، بهدف بلورة رؤية واقعية وعملية تعرض على القادة العرب في قمة شرم الشيخ لتوفير الغطاء السياسي والتشريعي والتنظيمي الملائم لإطلاق مبادرة عملية لدفع التكامل الاقتصادي العربي من خلال مشاركة فعالة للقطاع الخاص في زيادة الاستثمارات والتجارة البينية العربية التي تحتاجها مشاريع التنمية العربية بشدة. ويمكن القول كذلك إن مبادرة مصر ومعها الكويت لعقد هذه القمم الاقتصادية العربية، قد اكتسبت أهمية إضافية بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية بكل تداعياتها عربيا ودوليا وبكل دروسها المستفادة، فضلا عن التحديات الكبيرة التي تمثلها أزمة الغذاء العالمية والمرشحة للتكرار في السنوات القادمة بكل ما تحمله من أورق ضغط خارجية.