فيما ساد منطقة أبيى، الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين الشمال والجنوب، هدوء حذر لم يقطعه سوى اتهام حكومة الجنوب لقبيلة المسيرة بقتل عائدين من الشمال، واصل الناخبون الجنوبيون أمس، ولليوم الثالث على التوالى، التصويت فى الاستفتاء على حق تقرير مصير الجنوب، الذى بات من شبه المؤكد انفصاله. وبينما تكرر الإقبال الضعيف من جانب الجنوبيين فى ولايات الشمال، تراجع أمس الإقبال الذى كان كثيفا فى الجنوب خلال اليومين الماضيين، لكن رغم ذلك تسود توقعات بقرب اكتمال نصاب الاستفتاء، أى إدلاء 60% من الناخبين المسجلين فى الاستفتاء بأصواتهم ليتم اعتماد نتيجته الأولية المنتظر إعلانها فى السابع من الشهر المقبل. وبحسب مفوضية الاستفتاء، فإن نحو 20% من الناخبين الأربعة ملايين أدلوا بأصواتهم الأحد فى اليوم الأول من الاستفتاء الذى يستمر حتى السبت المقبل؛ نظرا لوعورة الطرق وغياب المواصلات فى المناطق الريفية بولايات الجنوب العشر. ومنذ الصباح الباكر اصطف ناخبون فى الجنوب، لاسيما فى عاصمته جوبا، أمام مراكز الاقتراع فى طوابير طويلة منذ الصباح الباكر حتى فتحت مراكز الاقتراع أبوابها فى الثامنة صباحا (التاسعة بتوقيت القاهرة). وتواصلت أمس احتفالات الجنوبيين بما يرونه انفصالا «وشيكا»، خاصة عبر ترديد الأغانى التى تقول إحداها: «أنهنا كلو فى مُركب واهد ماشى لقدام» (نحن جميعا فى مركب واحد يتقدم للأمام). وتستمر الأغنية لتقول لقيادة الجنوب «أنهنا وراك رفعين إديك» (نحن معك نشد من أزرك)، ثم تضيف بالإنجليزية «قدنا إلى الأرض الموعودة». وقال عميد كلية العلوم السياسية والاقتصاد فى جامعة جوبا سامسون واسارا إن «الناس معبأة سياسيا وعاطفيا، وهى قوة دفع قد تمكن الناخبين من الحسم فى الأيام الأولى من الاستفتاء»، أى أن يدلى 60% من الناخبين المسجلين بأصواتهم. فيما قال دبلوماسى عربى، زار عدة مدن بإقليم الاستوائية الذى يضم ثلاث ولايات (هى شرق وغرب الاستوائية والاستوائية الوسطى)، نظمتها المفوضية للدبلوماسيين الأجانب لدى حكومة جنوب، إن «الإقبال فى القرى أقل، لكنه ليس ضعيفا». الدبلوماسى العربى أضاف فى تصريح ل«الشروق» أن «عدد من أدلوا بأصواتهم فى كابيوتا (شرق جوبا) بلغ 700 ناخب من أصل 1600 مسجل»، مما يعنى أن المتبقى من النصاب نحو 300 ناخب فقط. هذا الحماس دفع الكثيرين فى الجنوب لتوقع حسم نسبة النصاب المطلوبة لشرعية الاستفتاء، أى ال60%، خلال اليوم أو غدا. وفيما اتهمت حكومة الجنوب قبيلة «المسيرية» (عربية) بقتل عشرة جنوبيين أثناء عودتهم من الشمال، عززت قوات الأممالمتحدة دورياتها فى منطقة أبيى، بعد مقتل 36 شخصا فى اشتباكات قبلية. وقال متحدث باسم المنظمة الدولية مارتن نيسركى: «نحن قلقون جدا لهذه المواجهات قرب أبيى». وقد أعلن المسئول الجنوبى، رئيس ادارية ابيى، دنق اروب كوول، أن قبيلة المسيرية هاجمت قبيلة «الدنكا نقوك» (أفريقية) ثلاث مرات منذ يوم الجمعة الماضى، فيما اتهم زعيم المسيرية حامد الأنصارى القبيلة الأخرى ببدء الهجوم. وكان من المقرر أن يقترع سكان أبيى الأحد الماضى على الانضمام إلى الشمال أو الجنوب فى حال انفصاله، إلا أنه تم إلغاء الاستفتاء من جراء رفض حكومة الجنوب أحقية «المسيرية» فى المشاركة فى الاستفتاء؛ لكونها تنتقل مع قطعانها من الماشية من الشمال باتجاه أبيى فى موسم الجفاف بحثا عن الماء للماشية، وليست من سكان المنطقة. وحول مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب فى حال انفصال الأخير، قالت مصادر مطلعة فى الخرطوم إن هناك مشروعا دوليا أفريقيا سيقدم لقادة الشمال والجنوب يتضمن مقترحا بإقامة اتحاد اقتصادى ونقدى وتعاون مشترك أشبه بكونفيدرالية، على أن تبادر الخرطوم أولا بالاعتراف باستقلال دولة الجنوب قبل الآخرين. المصادر أضافت لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية أمس إن رئيس جنوب أفريقيا السابق رئيس لجنة الحكماء الأفريقية فى الاتحاد الأفريقى ثابو مبيكى أعد هذا المشروع السياسى بالتشاور مع جهات دولية عدة، وفور إعلان نتيجة الاستفتاء بالانفصال سيتم تأسيس نظام شراكة اقتصادية أشبه بصيغة الاتحاد الأوروبى. إعادة الاستفتاء يعتبر استفتاء جنوب السودان قد تم قانونيا، إذ اقترع ما لا يقل عن 60% من عدد الناخبين المسجلين، وإذا لم يكتمل النصاب يعاد الاستفتاء بنفس الشروط خلال ستين يوما من تاريخ إعلان النتيجة النهائية. المصدر: قانون استفتاء جنوب السودان لسنة 2009