ودعت سنة 2010 وزير المالية المصرى يوسف بطرس غالى بأحداث إضراب سائقى المقطورات الذى جاء مدفوعا بسياسات ضريبية جديدة قررها غالى لمحاسبة أصحاب المقطورات، الذين ارتأى لهم أنها ستزيد من أعبائهم الضريبية، إلا أن الوزير تراجع عنها لوقف الإضراب الذى أصاب الحياة الاقتصادية بالشلل. وربما تكون واقعة المقطورات هى قمة الجبل الثلجى للجدل المحتدم حول السياسات المالية التى أعلن عنها غالى وينتظر تنفيذها فى السنوات القادمة، والتى تهدف فى مجملها إلى السيطرة على عجز الموازنة ومحاولة تخفيضه من 8.1%، فى العام المالى السابق إلى 3% فى 2014 2015. وهو العجز الذى عبر صندوق النقد الدولى عن قلقه من مستوياته الحالية، فى تقرير له هذا العام، وارتكزت توجيهات رئيس الوزراء، أحمد نظيف، أثناء إعداد موازنة العام المالى الحالى، لوزيرى المالية والتنمية الاقتصادية على استهداف هذا العجز بقوله «اقعدوا مع بعض وهاتولى موازنة عامة للعام المالى الجديد بأقل نسبة عجز متوقعة»، وفقا لما نقلته الصحف على لسانه. وفى ظل تلك الضغوط تطرح وزارة المالية حزمة من السياسات الضريبية الجديدة من جهة وسياسات أخرى للاعتماد على القطاع الخاص لتوفير الموارد اللازمة للنفقات العامة تجنبا لزيادة العجز، ويرى الخبراء أن الطريقتين تنطويان على مخاطر قد تهدد بنشوب المزيد من الضغوط الاجتماعية التى شهدتها الحكومة فى إضرابات المقطورات وغلاء الأسعار وتدنى الأجور، وغيرها. ففى مجال الضرائب تسعى المالية إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة بدلا من ضريبة المبيعات الحالية التى حققت إيرادات ب55.756 مليار جنيه فى العام المالى الماضى. «فكرة ضريبة القيمة المضافة ترتكز على فرض الضريبة غير المباشرة على مختلف الخدمات إلا ما يتم استثناؤه بنص قانونى وهو ما يعنى التوسع فى ضريبة المبيعات مقارنة بالوضع الحالى، وهو ما سيؤدى بالطبع لرفع مستويات التضخم» يقول عبدالله شحاتة، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، متوقعا أن تقوم الحكومة بتوجيه نسبة من الإيرادات المحققة من هذه الضريبة إلى زيادة الأجور لتخفيف آثارها التضخمية. وقد توقع تقرير لبنك الاستثمار بلتون عدم طرح قانون ضريبة القيمة المضافة فى عام 2011 تجنبا للاحتجاجات الاجتماعية فى عام انتخابات الرئاسة. وبوجه عام يعتبر البعض أن حزمة السياسات الضريبية التى يدافع عنها غالى منحازة للطبقات الغنية فى ظل المساواة بين الشرائح المختلفة فى ضريبة الدخل بنسبة 20%، وهو الرأى الذى يؤيده مجدى صبحى، نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية. وربما تكون أكثر أفكار غالى إبداعا فى عام 2010 لتدبير نفقات عامة بدون زيادة عجز الموازنة، كانت الحزمة التنشيطية الجديدة التى سيمولها القطاع المصرفى من خلال برنامج لإقراض الموظفين تحت عنوان جذاب «حقق أحلامك»، وتباينت تقديرات غالى لحجم الأموال التى سيضخها القطاع المصرفى فى هذا البرنامج المقرر بدئه فى 2011، حيث قدرها فى أحد تصريحاته بأنها ستصل إلى 12 مليار جنيه، وفى تصريحات أخرى قال إنها ستصل إلى 15 مليار جنيه، وثالثة بأنها ستبلغ 20 مليار جنيه. «من المفترض أن توجه الحزم التنشيطية فى فترات الأزمات الاقتصادية إلى استثمارات ذات طابع إنتاجى وتشغيلى، أما أن يتم تطبيق برنامج لتنشيط الاستهلاك من خلال قروض بنكية فهذا سيتسبب فى زيادة التضخم» برأى صبحى. كما شهد عام 2010 أيضا موافقة مجلس الشعب على قانون المشاركة بين القطاعين العام والخاص، بعد جدل حول مخاطر دخول القطاع الخاص فى ادارة المرافق العامة حتى لا يتسبب ذلك فى رفع أسعار الخدمات العامة أو ممارسة جهات أجنبية ضغوط سياسية على مصر بعد سيطرتها على المرافق العامة. إنفاق يدفع ثمنه الأجيال المقبلة فى مقابل الطرق الصعبة لتخفيض عجز الموازنة، بزغت فكرة سندات العملات الأجنبية فى عام 2010 كأحد الحلول لتوفير موارد للدولة، دون دفع ثمن هذه الموارد حاليا، حيث سيسدد فاتورتها الأجيال المقبلة. وقد حالف التوفيق غالى فى طرح 1.5 مليار دولار بهذه النوعية من السندات، لمدة عشر سنوات وثلاثين عاما، وشهدت إقبالا قويا من المستثمرين الأجانب، وربما أن هذا الإقبال هو الذى شجع غالى على الإعلان عن إمكانية طرح مصر لسندات جديدة بالعملات الأجنبية تصل مدتها إلى مائة عام. ويرى صبحى ان هناك مخاطرة فى التوسع فى السندات الدولية نظرا لارتفاع نسبة الدين العام من الناتج المحلى الإجمالى، تصل إلى نحو 70%، وهو ما يعنى أن نسبة كبيرة من الإيرادات التى ستتحقق للدولة ستوجه لسداد فوائد الديون فى سنوات مقبلة. هذا إلى جانب أنه متوقع تزايد عجز الميزان الجارى خلال الفترة القادمة «وهو ما يعنى أن ما سيتاح لمصر من عملات أجنبية لن يغطى احتياجاتها، فكيف ندخل فى سندات دولارية جديدة ؟» يتساءل صبحى. ويتوقع بنك الاستثمار بلتون أن يزيد عجز الميزان الجارى من 2.6% من الناتج الإجمالى فى 2010 2011 إلى 3.1% فى العام المالى التالى، نتيجة لتزايد الواردات المصرية. فيما يؤيد هانى جنينة، محلل الاقتصاد الكلى فى بنك الاستثمار فاروس، التوسع فى السندات الدولية فى ظل عدم ضخامة الدين الأجنبى، الذى تبلغ نسبته 16% من الناتج المحلى الأجمالى، علاوة على انخفاض أسعار الفائدة العالمية فى ظل حالة الركود العالمى الحالية مقارنة بأسعار السندات الحكومية المحلية المرتفعة. «لا أرى داعيا للانزعاج من فكرة السندات المئوية ففى بريطانيا مثلا هناك سندات أبدية، وهذه السندات طويلة الأجل تؤمن للحكومات فرص الحصول على قروض بأسعار ثابتة للفائدة بعيدا عن مخاطر تغير سعر الفائدة من فترة لأخرى». وربما تحسبا للجدل المنتظر حول حزمة السياسات المالية التى يطرحها غالى لتدبير الموارد وتخفيض العجز، ألقى غالى الكرة فى ملعب المواطن بإعلانه فى نهاية 2010 عن إصدار المالية لموازنة ميسرة يستطيع المواطن الإطلاع عليها لمراقبة الحكومة ومعرفة ما يتاح لديها من موارد وأوجه استخدامها، تحت اسم «موازنة المواطن».