فى أوائل الألفية الثانية، كانت أشهر عبارة معاكسة بالشوارع المصرية، «أحلى واحدة فيكم اللى لابسة جزمة حمراء». كانت مجرد دعابة يطلقها شباب الثانوى أمام مدارس الفتيات من نفس المرحلة، وكان وقتها رد فعل الفتاة ابتسامة بريئة. وقبل أيام فاجأ تقرير «حالة المرأة المصرية» الصادر عن مركز حقوق المرأة بأن 94% من بنات مصر يتعرضن للتحرش. وعبر السنوات العشر تبدلت كلمات «يا جميل.. يا قمر» إلى ألفاظ جنسية، ثم تطورت إلى تحرش بمد الأيدى، وكانت البداية يوم «الثلاثاء الأسود». أول أيام عيد الفطر المبارك عام 2006 وأمام إحدى السينمات فى وسط البلد، كان العرض الخاص لفيلم «عليا الطرب بالثلاثة»، وحاول الجمهور التحرش بالراقصة دينا إحدى بطلات الفيلم، ولكن الأمن أنقذها. وفجأة تحولت الجموع الغفيرة من الشباب إلى التحرش بالفتيات فى الشوارع. بعد هذا الحادث تحولت شوارع القاهرة إلى مرتع للتحرش فى الأعياد، حتى أن وزارة الداخلية قامت بوضع عساكر أمن مركزى عند منطقة كورنيش النيل، وأمام دور العرض فى وسط البلد. فتحولت وجهة المتحرشين إلى شارع جامعة الدول العربية، لينفذوا حادث تحرش جماعى آخر فى 2008. ولعل التغير الذى أضافه انتشار أكثر من 20 قناة فضائية مخصصة للأغانى، مع أفلام السينما التى تجرأت بشكل أكثر من اللازم خلال العشر سنوات الماضية، أهم ملمح تسبب فى جراءة الشباب. فعندما قام تامر حسنى بعرض فيلمه «عمر وسلمى» عام 2006، الذى حمل كثيرا من المشاهد والعبارات النكات الجنسية، كان من البديهى أن نعلم أن هذا سيطبق بالضرورة على جيل أصبح يستخلص ثقافته من النجوم. وإذا كانت ملابس مطربات الفيديو كليب تثير الشباب، فيخرجون طاقتهم السلبية على الفتيات فى الشوارع، لكنهم فى صيف 2007 خرجوا عن شعورهم فى حفل بإحدى شواطئ العجمى الخاصة وتحرشوا بالمطربة اللبنانية مروى وهى تغنى. وغيرت ثورة التحرش فى الشوارع، ثقافة الفتاة المصرية، فهى الآن تحمل بين أدوات التجميل داخل حقيبتها الصغيرة، جهازا صاعقا كهربائيا، وبخاخة مخدر، ومقلم الأظافر، وإبر التريكو والكروشيه، ودبابيس الطرح، للهجوم على أى شاب متحرش. وكانت نهى رشدى أول فتاة فى مصر حصلت على حكم قضائى لصالحها فى قضية تحرش جنسى قبل عامين. تعرضت نهى، 29 عاما، مخرجة أفلام وثائقية، لتحرش من سائق سيارة نصف نقل فى منطقة مصر الجديدة، عوقب بعدها بالسجن المشدد ثلاث سنوات. وفى محاولة لتشجيع الفتيات للخروج من الصمت، وقول «أنا تعرضت للتحرش»، يعرض اليوم فى دور العرض فيلم «678» لطرح مشكلة التحرش اليومى بالفتيات فى الشوارع ووسائل المواصلات. وقررت مجموعة من الناشطات الرد على ظاهرة التحرش بإطلاق «خريطة التحرش الجنسى» على الانترنت، وتسمح للنساء والفتيات الإبلاغ عن وقائع التحرش عن طريق الرسائل القصيرة باستخدام الهاتف المحمول أو من خلال موقع تويتر الاجتماعى وفور الإبلاغ يظهر على الخريطة المثبتة على صفحة الموقع علامات توضح الأماكن التى تم الإبلاغ عن وقوع حوادث تحرش بها. وبدأت تظهر على فيس بوك خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حملات شبابية لصد التحرش أهمها حملة «احترم نفسك لسه فيكى رجالة يا مصر».