السؤال عن مصير أراضى المصريين صعب للغاية، وأصعب ما فيه أن ما تم الكشف عنه من عمليات بيع وسرقة منظمة للأراضى المصرية الصالحة للزراعة أو السكنى، أقل بكثير مما لا يزال يحتل أدراج الهيئات الحكومية وفى مقدمتها وزارتا الزراعة والإسكان، وتتكتم عنها ألسنة المسئولين. السؤال صعب؛ لأننا مهما حاولنا الإجابة عنه، بتقديم حصر شامل أو دقيق للأراضى المستنزفة، فلن نفى. 2010 عام فضح ملفات فساد الحكومة فى توزيع أراضى طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، على امتداد نحو 255 ألف فدان، بثمن بخس، ثم انحرف مسار التنمية فيها من الاستصلاح والزراعة وتكوين مجتمع سكنى يعتمد على الزراعة كأساس للحياة، إلى مشروعات سكنية تتسم بمزيد من الرفاهية، حتى أطلق عليها أصحابها منتجعات سياحية، وهو العام نفسه، الذى شهد قضية وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان، بكل ما فيها من تداعيات توزيع الأراضى السكنية على «المحاسيب» والأقارب، بحسب نص التحقيقات التى جرت أمام النائب العام.. رغم أنها انتهت بحفظ التحقيقات، وهو أيضا العام الذى شهد تفجير قضية أراضى المصرية الكويتية، وتتبعته الصحف (كان ل «الشروق» السبق فى الكشف عن كثير من تفاصيل البيع ومخطط الشركة)، التى حازت 26 ألف فدان بسعر 200 جنيه للفدان، وأثبتت «الشروق» بالصور والمستندات تعديها على نحو 12 ألف فدان بظهير الأراضى. فى العام نفسه توجهت أنظار الرأى العام على أراضى قرية «آمون» بأسوان، الواقعة على مساحة 247 فدانا، وتفاصيل بيعها بثمن بخس لإحدى شركات القطاع الخاص. وبعد أن كاد الحديث حول آلية توزيع أراضى الدولة يخفت، عادت قضية التخصيص المباشر لنحو مليون متر مربع بالقاهرةالجديدة لرجل الأعمال ياسين منصور، رئيس مجلس إدارة شركة «بالم هيلز»، التى كان وزير الإسكان عضوا بمجلس إدارتها للظهور، واحتلت جانبا مهما من مشهد توزيع الأراضى، وشبهة الفساد فى تخصيصها بالأمر المباشر. 2010 شهد أيضا تفجير أزمة قضية مدينتى، بعد الكشف عن حصول رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى على نحو 8 آلاف فدان بالقاهرةالجديدة مقابل 50 جنيها للمتر الواحد، مع تقديم تسهيلات غير منطقية لتسديد ثمن الأراضى على دفعات تمتد لسنوات. أعمال حصر الأراضى، التى تعدى عليها رجال أعمال وجمعيات خاصة وأخرى تتبع جهات فى الدولة عن وجود عشرات الآلاف من الأراضى المتعدى عليها بطريق مصر الإسكندرية الصحراوى. ففى أراضى وادى النطرون وحدها وضعت جمعية ضباط الشرطة يدها على مساحة 5953، كما وضع نادى قضاه البحيرة يده على 6 آلاف فدان لا تزال بوراً بالكامل، كما شملت التعديات أيضا مزرعة الجبالى بإجمالى مساحة 12 ألفا و516 فدانا لم يزرع منها سوى 1232 فدانا، حيث تقدمت الشركة بطلب لتقنين وضع اليد فى مساحة 12000 فقط، إضافة إلى شركة الأمل بإجمالى مساحة 5000 فدان، والتى تقدمت بطلب رفضه مجلس إدارة هيئة التعمير وصدر لها قرار إزالة، كما صدر قرار إزالة لمساحة 7000 فدان لشركة الوادى و8 آلاف فدان لشركة إيجاست. يبدأ بحصر التعديات من شركة الثورة الخضراء (ب) بمساحة ألف و822 فدانا، كانت قد حصلت على عقد بيع لمساحة 500 فدان، بينما انتهى عقد الإيجار المخصص لمساحة 1322، وأوصى مجلس إدارة هيئة التعمير والتنمية الزراعية باسترداد مساحة 863 فدانا من الشركة لبيعها بالمزاد العلنى لعدم الجدية. وحتى الكيلو 84 من الطريق نفسه تبين أن شركة «الأمل» حصلت على مساحة 6 آلاف فدان بالتعدى، حيث حصلت على عقد إيجار بمساحة 600 فدان فقط حتى عام 99، وتم إنهاء التعاقد وفسخ عقد الإيجار، أما باقى المساحة فرفضتها القوات المسلحة، ورغم ذلك تعمل الشركة فى مجال الاستشارات الزراعية، وخدمة تقنين أوضاع اليد والسمسرة والخدمات العقارية. فيما تحوز «الشركة الكندية» 480 فدانا حصلت عليها بموجب عقد بيع ابتدائى بمساحة 98 فدانا وعقد إيجار لمساحة 382 انتهى منذ عام 1997، أما شركة «أميكو» لصاحبها رجل الأعمال سليمان عامر فحصلت على عقد بمساحة 599 فدانا وآخر بمساحة ألف و425 فدانا. فضلا عن هذا، فأراضى الجانب الشرقى من الطريق الصحراوى لم تشهد حتى الآن تسجيل عقود بيع أو إيجار المساحات عديدة تتراوح بين 4000 فدان وعشرات الأفدنة لاثنتى عشرة حالة تعد كاملة، ويسعى واضعو اليد لتقنين أوضاعهم عليها، ولم يذكر الكشف حجم التعديات بالبناء على هذه المساحات من الأراضى. فيما تبعد أراضى الشركة المصرية الكويتية نحو 60 كم فقط عن القاهرة. حازت الشركة 26 ألف فدان، وحسب ما نشرته «الشروق» من قبل والمستندات الرسمية، خالفت الشركة صيغ التعاقد مع الدولة ممثلة فى هيئة التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة، وتورطت فى بيع أجزاء من أراضيها لمستثمرين من الكويت ومصر دون أن تلتزم بشروط التعاقد مع الهيئة وهى الاستصلاح الزراعى، حيث اكتفت باستصلاح وزراعة مساحات قليلة من الأراضى لا تتعدى الألفى فدان، وتصرفت بالبيع فى أجزاء من أراضيها، التى امتلكتها بالمخالفة لبنود التعاقد، التى نصت على عدم التصرف فى الأراضى إلا بعد استصلاح وزراعة المساحة بالكامل، كما تؤكد المستندات أن الشركة باعت مساحة 2900 فدان لشركة المجموعة الدولية للمشاريع العقارية (شركة مساهمة كويتية)، بمبلغ يزيد على 4 ملايين دينار كويتى. فضلا عن بيع أراضٍ استولت عليها الشركة على مساحة تزيد على 12 ألف فدان أخرى معظمها فى مواجه طريق مصر أسيوط الرئيسى والصحراوى وفى طريق جرزا الموصل بينهما، واستخدمتها فى إقامة مصانع الطوب الطفلى دون الرجوع إلى الحكومة أو شراء الأراضى منها. إلى جوار تلك المساحات، هناك مئات الآلاف من الأفدنة الصالحة الزراعة، التى تحتاج للحديث والنقاش، تحديدا فى المشروعات، التى أطلقت عليها الدولة «قومية» فى تسعينيات القرن الماضى، وفى مقدمتها مشروعات ترعة السلام وشرق العوينات وتوشكى.الحصول على رغيف خبز فى شرق العوينات أصعب من الوصول إليها المشروع انطلق فى 1998 لكفاية المصريين من المحاصيل الاستراتيجية وانتهى فى أيدى شركات الخليج لا شىء يشجع على الحياة وسط هذه الأراضى الشاسعة المحصورة بين الحدود السودانية والليبية، المسماة بمشروع شرق العوينات.. لا قرية أو مدينة صغيرة واحدة، باستثناء قرية العين البعيدة عن منطقة أراضى المشروع، والتى تضم وحدة بيطرية ووحدة إسعاف إذا أصبت فلن تسعفك. كل شىء يغريك على التساؤل عن مصير ابن البلد (المصرى)، الذى سيغامر بالارتحال إلى أراض قاحلة لا مدينة فيها ولا أنيس. بداية من المطار الصغير البالغ مساحته 35 كم والطرق الإسفلتية الضيقة التى محيت فى أجزاء منها، لتحل المدقات الرملية بدلا منها، لا يقطعها أى مظهر لمتاجر أو طرق فرعية تؤدى لقرى. المشهد من الطائرة عبارة عن حلقات خضراء وصفراء من محاصيل القمح والذرة الصفراء والبرسيم الحجازى، تمتد إلى جوار بعضها، حسبما تسير «بوفيتات» أو محاور الرى، التى استوردها مستثمرو الخليج لزراعة أراضينا.. من الطائرة إذن يمكنك أن تبنى تصورا مبدئيا عن كم الشركات الخليجية، التى حصلت على موافقات من الحكومة للاستصلاح والزراعة، أو تلك، التى اشترت أراضى شركات الاستصلاح المصرية بشرق العوينات. تاريخ المشروع بحسب أوراق هيئة التعمير والتنمية الزراعية القديمة، يستهدف شرق العوينات زراعة 220 ألف فدان جديدة، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الاستراتيجية المهمة وتصدير الفائض منها، وإقامة مشروعات زراعية صناعية تعتمد على ناتج هذه الأراضى، وإنشاء مجتمع عمرانى جديد منتج بهذه المنطقة، وما يترتب عليه من إقامة صناعات حرفية تخدم هذه المجتمعات، والمساهمة فى مواجهة مشكلة البطالة عن طريق إيجاد فرص عمل لهم، ولذا أدرجته الدولة من عشرة مشروعات قومية كبرى، خططت لها خلال الفترة من 1997 إلى 2017، وكانت بداية انطلاق أعمل المشروع الفعلية منذ عام 1998. وبدأ المشروع بتنفيذ هيئة التعمير أعمال البنية الأساسية بالمشروع اعتبارا من ذلك التاريخ، ودقت الحكومة طرق المستثمرين الرئيسية والفرعية بطول 262 كم، إضافة لأعمال الاستصلاح باهظة التكاليف. هنا.. يغيب البشر على امتداد عشرات الآلاف من الأفدنة لن تجد آثرا للبشر بمبانيهم وأصواتهم ومواطئ أقدامهم، اللهم إلا «كرافانات» صغيرة لسكنى المهندسين الزراعيين والعاملين، الذين لا تتجاوز أعدادهم المئات، خاصة إذا علمنا أن شركة «رخاء» السعودية التى تحوز 24 ألف فدان يعمل بها مائتا عامل مصرى فقط.. هنا يمارس العمال حياتهم الضيقة فى الأراضى، ويبيتون فى كبائن مؤقتة لسكناهم. أما أول مظاهر العمران الحقيقية فلن تصادف عينك فى المائتى وأربعين ألف فدان قوام المشروع كله، إلا إذا ذهبت إلى قرية العين، التى تبعد عشرات الكيلو مترات عن المشروع، ولا تتوافر بوحدتها الصحية المتواضعة حسب محمد أمين عامل بالمشروع سوى خدمات الإسعافات الأولية، أما مستشفى الداخلة فلا توجد بها التخصصات الكافية للعاملين. فيما عدا ذلك، فلا أحد يملك عشم الوصول لميدان أو محطة ميكروباص أو مسجد أو بيت أو محال تجارية أو أى مظهر إنسانى، وهو ما يعنى أن الدولة أطلقت تصريحاتها فى التسعينيات لتكرس لأحلام لم يصدقها أى عمل للتوطين، وخلق نواة لحياة على هذه الأراضى. المصريون تخاذلوا هذا النوع من المشروعات والكلام لمصدر مسئول بوزارة الزراعة رفض ذكر اسمه لم يعد يحتاج لتوطين المزارعين وشباب الخريجين ولا شعارات الحكومة، فى ظل سياسات الحكومة الحالية وآليات تنفيذ مشروعاتها التى أصبحت عبئا عليها، لكنه يحتاج لرءوس أموال ضخمة وخبرات فنية لإقامة مشروعات استصلاح وزراعة غير قابلة للحياة على أرضها أو للسكنى، فقط من أجل مصالح محدودة وهى زراعة الأراضى وتحقيق معدلات إنتاج تتفق مع حجم الأموال، التى تم ضخها فيها. وأضاف المصدر: للأسف الكثير من المستثمرين المصريين تخاذلوا عن خوض تجربة الزراعة فى شرق العوينات، إما لقلة الخبرة ورءوس الأموال وكسل المستثمرين أنفسهم أو لرغبتهم فى الحصول على مكاسب سريعة، وهو أمر مستحيل فى مشروعات الإنتاج الزراعى. كيف تصل للمشروع؟ الوصول لشرق العوينات له طريقان بريان، إما عن طريق الداخلة، التى تبعد عن شرق العوينات 365 كم من جنوبها، أو عن طريق مدينة أبو سمبل (جنوبأسوان)، التى تبعد عن المشروع نحو 350 كم. صرفت الحكومة على الطرق الإسفلتية حسب تقرير صادر عن الجهاز المركزى للمحاسبات ما يقرب من 50 مليون جنيه. وبالطبع لا توجد مواصلات عامة تصل إلى هذه المنطقة النائية، أما الحصول على رغيف خبز فى شرق العوينات فقد يكون أصعب من مشقة الوصول إليها. صحيح أن الوضع الآن سيئ، لكنه قبل عامين كان أسوأ من ذلك، ففضلا عن غياب مفاهيم التوطين لأبناء الوادى، كانت 15 شركة مملوكة لمستثمرين عرب ومصريين والقطاع العام يحوزون نسبة كبيرة من الأراضى، منها شركتا استصلاح الأراضى العربية والعامة وريجوا، التى اندمجت كشركة مساهمة مع شركة سعودية أخرى، هذا فضلا عن إزالة مزارع الخراف التى أنشأها مستثمر خليجى كان يصدر إنتاجها إلى بلده، وظل الوضع مترديا إلى أن أصدر أمين أباظة، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، قرارا بنزعها وردها إلى الدولة وإعادة طرحها للاستثمار، بموجب العقود التى أبرمت بين أصحاب الشركات ووزارة الزراعة، حسبما ذكر أباظة فى تصريحات سابقة، مضيفا أنه سلمها لشركات أخرى منها الشركة الوطنية لاستصلاح الأراضى التابعة للقوات المسلحة، والتى استصلحت وزرعت أكثر من 30 ألف فدان، فضلا عن شركة العقيل السعودية التى حصلت على أراضى الشركة المصرية الأمريكية فى القطعة رقم 9. إلا أن معظم أراضى شرق العوينات أصبحت مملوكة لشركات خليجية، وهو ما اعتبره أمين أباظة فى تصريحات صحفية سابقة ل «الشروق» أن إثبات الجدية فى الاستصلاح والزراعة هو المعيار الأهم لدى الحكومة، لأن الحكومة تبحث عن الأمن الغذائى، وليس بالضرورة جنسية المستثمر، خاصة أنهم أثبتوا جديتهم فى الزراعة. على كل هذا هو حال واحد من المشروعات القومية، التى اعتمدت عليها الحكومة لتوفير الغذاء للمصريين بأيدى المصريين أنفسهم.اتجاه لتقسيم مصر إداريًا إلى أقاليم تجمع بين الحيز العمرانى الحالى والصحراء الشرقيةوالغربية . أبوزيد راجح يتحدث ل «الشروق»: 2.5 مليون فدان وضع يد.. فقدان 30% من رقعة الأرض الزراعية.. نقل ملكية الأراضى لجهات غير أمينة . الحمد الله استجابت الحكومة لمطالب علماء التخطيط التى يطالبون بها منذ أكثر من 50 عاما، وبدأت تأخذ الأمور بجدية وتهتم بوضع مخططات بعيدة المدى لاستيعاب الزيادات السكانية، بعد أن كان اهتمام المؤسسات الحكومية بأهداف قصيرة المدى وسريعة النتائج، فمنذ منتصف القرن العشرين ومصر تعيش ثورة سكانية لعدم توازن النمو السكانى مع حجم الأرض المعمورة وأنشطتها، بهذه الكلمات بدأ د. أبوزيد راجح، خبير التخطيط العمرانى حديثه الى الشروق. وقال راجح إن إقدام الحكومة على وضع مخططات بعيد المدى جعل حالة من الارتياح تسود علماء التخطيط والاقتصاد، بعد أن استمر القلق لعقود نتيجة لظواهر خطيرة منها فقدان مصر نحو 30% من رقعة الأرض الزراعية، ولا تزال تفقد 60 ألف فدان سنويا، مع وصول حجم مساحات الأراضى التى تعرضت لوضع اليد إلى نحو 2.5 مليون فدان، والظاهرة الأخطر هى حصول عدد من الشركات العالمية على مساحات كبيرة من الأراضى فى مصر، ثم باعتها إلى جهات غير أمينة على مصلحة الوطن. الوضع المقلق الذى استمر على مدى أعوام طويلة تسبب فيه بحسب راجح «عدم وجود جهة سيادية مسئولة عن وضع سياسات موحدة لكيفية تخصيص أراضى الدولة وأسلوب التسعير، وعدم وجود جهة محددة تتولى الولاية على أراضى الدولة، تنوب عن المجتمع فى التصرف فى أراضى الدولة، وغياب قانون موحد لإدارة هذه الأراضى وعدم وجود سياسات شفافة فى التصرف فيها». وأكد خبير التخطيط العمرانى أنه «حتى الآن الجهة السيادية العليا المسئولة عن وضع سياسات استخدامات الأراضى ومتابعة تنفيذها هى المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، الذى نص عليه قانون البناء الموحد فى 2008، والاتجاه الآن اقرب إلى إسناد الولاية على الأرض إلى مجلس الوزراء، بعد سحب الولاية من وزارة المالية رغم أنها تبدوا الأكثر منطقية فى إدارة هذا الملف، لأنها وزارة غير قطاعية أى أنها لن تحصل على أراضٍ لنفسها، وبالتالى ستكون أكثر حيادية فى التعامل مع الاراضى. وكشف راجح عن الاتجاه فى وضع المخطط القومى الشامل لمصر بقوله: «حتى الآن الاتجاه اقرب إلى إعادة تقسيم مصر إداريا إلى أقاليم وليس محافظات، حيث سيتكون الإقليم من جزء من الحيز العمرانى الحالى، وجزء من الصحراء الشرقية، وكذلك الغربية ليكون الإقليم تنمويا متكاملا وقادرا على الاستقلالية، حيث سيكون الإقليم مستقلا إداريا ليكون قادرا على القيام بدوره تنمويا، لأن المحافظات ضعيفة ومرتبطة دائما بالمركز ولا تقوى على القيام بمشروعات تنموية كبرى» على حد قوله. واستكمل الدكتور راجح قائلا: «تاريخيا كانت وزارة المالية هى المسئولة عن إدارة أراضى الدولة، من خلال مصلحة الأملاك الأميرية، فكانت هذه المصلحة صاحبة الولاية على أراضى الدولة، التى كانت تقع خارج الحيز العمرانى فى الوادى والدلتا وحتى السواحل، وهى مساحة تقدر بنحو 96% من مساحة مصر مسئولة هذه الهيئة عن إدارتها وتحديد استخداماتها وتسعيرها وأسلوب تخصيصها، إلى أن صدر قانون الحكم المحلى فى 1960 وانتهت ولاية هذه المصلحة على أراضى الدولة وانتقلت إلى المحافظات». وأكد أنه منذ صدور ذلك القانون وأصبحنا نرى تعدد للجهات المسئولة عن استخدامات الاراضى والتصرف فيها، ومنها وزارة الدفاع والإسكان والسياحة والصناعة والزراعة والرى، دون أن يكون هناك اى إطار تنسيقى بين هذه الجهات، كذلك تعددت القوانين المنظمة للتصرف فى أراضى الدولة وسبق وأن حصرها البنك الدولى فى أحد تقاريره بأنها 40 قانونا وقرارا جمهوريا معظمها غير متسق مع بعضها البعض. وأضاف راجح أنه فى عام 1981 صدر القانون رقم 143، الذى أعطى لوزارات الدفاع والإسكان والرى والزراعة والصناعة والسياحة، حق تحديد المساحات، التى يحتاجونها من أراضى الدولة ولكن بشكل منفرد دون تنسيق فيما بينهم، وبعد 10 سنوات صدر القانون رقم 7 عام 1991 والذى نص على أن تخصيص الأراضى يكون بقرار جمهورى بعد موافقة مجلس الوزراء، وهو القانون الذى جاء فيه أن الأراضى المخصصة للوزارات تعتبر ملكية لها وتتصرف بها وتديرها كمالك، وهو ما تسبب فى نقل الأرض من ملكية الدولة إلى الوزارات ثم إلى القطاع الخاص. ونوه خبير التخطيط العمرانى بأنه بعد مرور 10 سنوات أخرى صدر قانون رقم 153 لسنة 2001 وإنشاء المركز الوطنى لتخطيط استخدامات الأراضى، ونص على أن المجلس مسئول عن تخطيط استخدامات الأراضى وتسعيرها وطرق تخصيصها ووضع مخخطات شاملة لاستخدامات الأراضى فى مصر، إلا أن هذه النصوص تداخلت مع نص إنشاء الهيئة العامة لتخطيط العمرانى، والتى تمنح نفس الصلاحيات، ولكن مع الفارق أن المجلس الوطنى لاستخدامات الأراضى ليست لديه سلطة تنفيذية لتنفيذ مخططاته وليس لديه الكوادر لذلك. وشدد على أن هذه التشريعات المتراكمة وغير المتسقة مع بعضها أدى إلى حصول الوزارات على مساحات من الأراضى اكبر من احتياجاتها بكثير، وبالغت فى طلبات حيازتها للأراضى، وبعد ذلك بالغ الأفراد والمستثمرون فى حصولهم على أراضٍ أكبر من طاقاتهم وإمكاناتهم التنموية، وبدأت ظاهرة الحصول على مساحة كبيرة من الأرض يقوم الفرد أو المستثمر البناء على جزء منها بقدر ما يملك من سيولة ويدخر باقى الأرض بهدف المضاربة على أسعار الأراضى التى ترتفع بشكل مستمر، فيعيد بيع الأرض، ويحصل منها على مكسب آمن وسريع، وتحولت الأرض من وعاء تنموى إلى سلعة تستخدم المضاربة والتربح السريع. وبدا الكثير من المستثمرين فى الحصول على الاراضى تحت مسمى نشاط زراعى ثم يغير استخدام الأرض لسكنى فاخر للحصول على ربح أسرع، دون أن يجدوا من يوقفهم. والظاهرة الأخطر هى حصول عدد من الشركات العالمية على مساحات كبيرة من الأراضى فى مصر، ثم باعتها إلى جهات وأفراد غير أمينة على مصلحة الوطن.