تلقت دبلوماسية الأبواب المغلقة لطمة قاسية، عندما نجح موقع ويكيليكس الإلكتروني في الوصول إلى ملايين الوثائق السرية الخاصة بأخطر المؤسسات الأمريكية، وإذاعتها على العالم بأسره، وهو ما كشف عن الكثير من الحقائق والأسرار، بل والمؤامرات التي تورطت فيها أطراف دولية عديدة، وهذا ينهي عهد الحديث بلغتين. إحداهما داخل غرفة المفاوضات والأخرى خارجها، وعلى الرغم من أن الصحف ووسائل الإعلام صورت هذه الواقعة بأنها انتصار وحدث تاريخي في حرية نشر المعلومات، إلا أن البعض شكك في الهدف من وراء نشر هذه الوثائق، حيث يمكن لتسريب هذه المعلومات أن يشيع الفوضى. فهدف تسريب هذا الكم الهائل من الوثائق في هذه المرحل في رأي المحللين، هو الضغط على دول وأطراف معينة وابتزازها للوصول إلى أغراض سياسية وعسكرية واقتصادية وإعلامية أيضا. بيد أن كافة الشواهد توحي بأن ثمة قوى بعينها من أصحاب المصالح والنفوذ تتحرك من وراء ستار، وهي تملك قدرة تسريب هذه الوثائق. وكان موقع ويكيليكس قد نشر في 29 نوفمبر الماضي 250 ألف برقية سرية أرسلتها البعثات الدبلوماسية الأمريكية حول العالم تضمنت معلومات خطيرة حول عدد من القضايا العالمية، كما نشر ويكيليكس عشرات الآلاف من الوثائق والمراسلات الدبلوماسية الأمريكية مع عدد من زعماء دول العالم. وسببت الوثائق المنشورة حرجا بالغا لوزارة الخارجية الأمريكية، عندما ظهرت عمليات تجسس أمريكية على مسؤولين في الأممالمتحدة. العراق وأفغانستان وبدأ مؤسس موقع ويكيليكس الأسترالي جوليان آسانج (39 عاما) رحلة البحث عن الأسرار في 23 يوليو الماضي، عندما نشر مئات الآلاف من الوثائق السرية للبنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية)، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان فقد أصدر الموقع 400 ألف وثيقة عن العراق، تكشف ممارسات الاحتلال والحكومات الطائفية، ومنها قتل العراقيين بمجرد الاشتباه وحتى بدونه وخاصة عند التعامل مع نقاط التفتيش وقتل المدنيين دون سابق إنذار، ويظهر عمليات التعذيب في السجون العراقية وتصفي الجماعات السنية وقادة وضباط الجيش السابق ورجال الدين والعلماء وكوادر حزب البعث المنحل. كما كشف موقع ويكيليكس عن أن عمليات التعذيب في العراق، كانت تتم بشكل منهجي وليس بمارسات فردية وبأوامر من قيادات أمريكية وعراقية عالية، وتعد هذه الوثائق السرية في الجيش الأمريكي أكبر اختراق أمني في تاريخ البنتاجون، فقد عرى مؤسس موقع ويكيليكس الدبلوماسية الأمريكية بعد نشره ملايين البرقيات المتبادلة بين سفارات واشنطن في الخارج ويتعرض الموقع الآن لهجمة شرسة بهدف إيقافه نهائيا. سياسة التحرير على ويكيليكس ويقول آسانج إن الاستخدام العالمي للإنترنت ولموقعه يمكن أن يعزز النقاشات حول المعلومات الحساسة مع ضمان الدقة، وقد طور ويكيليكس الآن سياسة ثابتة في تحرير المستندات والوثائق، بحيث يقتصر ما ينشر على الوثائق التي لها أهمية سياسية أو دبلوماسية أو تاريخية أو أخلاقية. وصعبت الأساليب والمناهج المعقدة للموقع تشخيص هوية الأشخاص الذين يرسلون المواد، ولا يمكن اتهامها بنشر مواد غير قانونية لأنها تحتفظ بعدد قليل من السجلات الخاصة بزبائنها. التهديد بالتصعيد وقد هدد مؤسس موقع ويكيليكس آسانج بتصعيد عملية نشر الوثائق السرية الأمريكية إذا واجه موقعه حصارا ماليا، بعدما أوقف موقع "باي بال" الأمريكي المتخصص في خدمات التحويلات المالية الإلكترونية التبرعات لويكيليكس ومؤسسة ألمانية ناشطة في تلقي الإعانات للموقع. كما قال آسانج إن الأسرار المتبقية ستخرج دفعة واحدة، عندما يستخدم عشرات الآلاف من الأشخاص كلمة السر لنشر الوثائق المشفرة الموزعة عليهم سلفا، إذا أصابه مكروه. وهذا الموقع تم نقله الآن لمركز بيانات داخل تل صخري في منتصف مدينة ستوكهولم بعمق 30 مترا، ومحاط بصخور الجرانيت من كل جانب ومزود بأبواب فولاذية. ورغم كل التحفظات والسلبيات التي أحدثها تسريب الأسرار الخطيرة، إلا أن الشرارة التي أطلقها ويكيليكس أصبحت مصدر إلهام لصحفيي العالم ليؤكدوا أن قاعدة واحدة لها حق الاستمرار، (المعرفة حق للجميع).