واجه تامر صبرى «29 سنة» مجموعة من الخبرات منذ أن بادر مع أصدقائه إلى إنشاء «الجمعية المصرية لشباب العلماء»، يعلق على ذلك قائلا: «كنا 11 فردا من شباب الخريجين نطمح إلى المشاركة بجزء بسيط فى إحداث نهضة علمية فى مجتمعنا، لكن المواقف التى واجهناها كانت مقلقة، وتتلخص فى أنه لا يوجد حماس كبير للعلم، ورغم ذلك لن نيأس». يرأس تامر صبرى مجلس إدارة الجمعية المصرية لشباب العلماء التى يوضح أنها ليست جمعية تضم «شباب العلماء» إنما جمعية تطمح إلى أن «يصبح البحث العلمى والتطوير والاستكشاف منهج حياة للمجتمع». بدأت الفكرة قبل عام 2005 حين أراد تامر تطوير بحث خاص متعلق بعيش الغراب، واكتشف حتمية أن يستعين بتخصصات أخرى مساندة له فى هذا البحث بعيدة عن تخصصه كطبيب بشرى. ومن خلال عمله الخيرى فى جمعية «رسالة الخيرية» التقى عددا من أصحاب التخصصات العلمية، التى تواجه المأزق نفسه، بسبب غياب الجهة التى تنسق العمل العلمى الحر. يضيف موضحا: «تلك المواقف حمستنا لإنشاء مشروع يؤسس لعالم المستقبل، إذ اكتشفنا مع الوقت أن القصة ليست فقط فى توافر الكفاءة العلمية للشباب، إنما هناك أمور أخرى يجب أن يجيدها الشباب». أثناء بدايات العمل بعد إنشاء الجمعية فى 2005، تواصل الشباب المؤسس للجمعية مع باحثين مصريين فى جامعات فى اليابان وأمريكا طلبا لخبراتهم، وتولدت فكرة النشاط الأول حسبما يوضح تامر: «حين ينهى الخريج دراسته الجامعية، يكتشف أنه لا يعرف شيئا عن دورات وبرامج دراسية تدرس فى الجامعات المتقدمة، مثل إعداد الباحث العلمى والتفكير العلمى وتسويق الأبحاث وإدارة فريق العمل.. كانت تلك هل المادة التى بنينا عليها أول دورة لإعداد شباب الباحثين، وحصلنا بهذا النشاط فى شهر فبراير الماضى على جائزة مسابقة منظمات المجتمع المدنى 2010 من مكتبة الإسكندرية». رغم هذه الصورة إلا أن هناك معوقات تعرقل نشاط الجمعية، الذى بدأ فعليا منذ العام 2008، وذلك لأن النشاط أحيانا ما يتوقف على مدى تفرغ الأعضاء المؤسسين والمتطوعين حسب ظروف عملهم وحياتهم. أما النقطة الأهم أن العمل يدار بمنطق «الميزانية الصفرية Zero budget» أى الاعتماد على الحد الأدنى من الإمكانيات والتكاليف، واستئجار قاعات خارجية، بسبب غياب الدعم عن جمعيتهم، ويعلق تامر قائلا: «حين طلبنا دعما من أكاديمية البحث العلمى، اقترحوا علينا مبلغ 500 جنيه سنويا لإصدار مجلة تابعة للجمعية». تقدر ميزانية البحث العلمى فى مصر بمبلغ مليارى جنيه، يذهب 80% منها لرواتب أعضاء هيئات التدريس والإداريين، حسب تصريحات حديثة لرئيس أكاديمية البحث العلمى. لهذه الأسباب يدين تامر بالفضل إلى خلفية عمله التطوعى فى جمعية رسالة الخيرى، وهى الجمعية نفسها، التى عمل بها إكرامى محمد (31 سنة) لسنوات عديدة قبل أن يتجه إلى تأسيس مبادرة مختلفة إلى حد ما. لم يلتق إكرامى مع تامر أثناء عملهما فى نشاط جمعية رسالة، إلا أنه يتفق معه فى عدد من النقاط، شارك إكرامى قبل عدة سنوات فى التطوع للتدريب داخل جمعية رسالة فى مجال الكمبيوتر بحكم عمله كمصمم مواقع. وأثناء الدورات كان الأمر محكوما بقاعات محدودة العدد ومكان ثابت، لكن قبل أكثر من عام وجد أن الأفضل هو إتاحة كل تلك المعرفة على الإنترنت من خلال موقع شامل دشنه فى الصيف الماضى تحت اسم «يلا علم»، ويقول إكرامى: «كانت الفكرة هى نشر المعرفة بواسطة متطوعين من داخل مصر وخارجها، وكانت أغلب اجتماعاتنا الأولى عبر الإنترنت، ويعمل كل متطوع على إعداد موضوع ضمن تخصصه، ثم ننشره على الإنترنت، على أمل تكوين موقع موسوعى ومتخصص». يؤكد إكرامى أن هناك الكثير من المشاكل، التى تواجهه للاستمرار فى الفكرة، يذكرها: «الهدف بعيد المدى هو أن يتحول الموقع إلى بوابة إلكترونية مكونة من عدة مواقع فى اللغات والعلوم الإنسانية والكمبيوتر وغيرها من العلوم، وفى النهاية نؤسس مركزا ينشر المعرفة مجانا، فى جميع فروع المعرفة، ويقوم على ذلك متطوعون متخصصون، على أمل أن نسهم فى إقامة نهضة فى مجتمعنا، لكن على أرض الواقع أحيانا يتفرغ أحد المتطوعين لعدة ساعات أسبوعيا لكتابة مادة نضيفها للموقع، ويحدث ألا يشعر باستجابة لجهده، خاصة أننا ما زلنا فى المرحلة الأولى من تدشين الموقع، والمؤسف أن البعض تفتر همته بعد قليل، أو تغلبه ظروفه». مهمة شيرين.. انتقاء المتطوعين تشارك إكرامى هذا الحلم زميلته شيرين بدر، وتتركز مهمتها فى انتقاء المتطوعين بحيث يكونون متخصصين فى مجالهم، خاصة أن الهدف حسبما يشير إكرامى «ليس هدفنا تعليميا، إنما تنويريا، وصنع تراكم من المعرفة والمعلومات يثرى المحتوى العربى على الإنترنت». وسط زحام المواقع والمنتديات المتخصصة، لا يخفى إكرامى قلقه، لكنه يصر على البقاء مع حلمه حتى النهاية. هل تعبر هذه المبادرات الشابة عن تيار يصارع للظهور داخل مجتمع غير متحمس للعلم حسبما يؤكدون؟ لم تجد الدكتورة يمنى طريف الخولى أستاذة فلسفة العلوم بكلية الآداب فى جامعة القاهرة سوى استعارة مبدأ علميا قديما لنيوتن قائلة: «فى الماضى كان العالم يؤمن بقانون العلة والمعلول لنيوتن، أى لكل نتيجة سببها، لكن الواقع الآن أكثر تعقيدا من ذلك». توضح الدكتورة يمنى كلامها بأن ظهور مثل هذه المبادرات لا يتصل بسبب وحيد أو علة واحدة، وإنما مجموعة أسباب: «هذه التجارب الواعدة تتصل بشكل كبير بطبيعة العصر، لم يعد التعامل مع العلم مقتصرا كما كان على التجارب المعملية، اليوم مع دخول التكنولوجيا واتقان اللغات، أصبح الوصول إلى المعرفة أيسر، وكذلك إعادة تقديمها بواسطة مبادرات على هذه الشاكلة». وتؤكد الدكتورة يمنى أن الأمر ليس بالبساطة المتوقعة إذا ما حاولت هذه المبادرات أن تنمو، هناك تحديات متعلقة بالتمويل، وأخرى تتعلق بالكفاءات المطلوبة لتنمية هذه المبادرات. فى تجربة الجمعية المصرية لشباب العلماء خاض تامر ورفاقه هذه التجربة مؤخرا حين أرادوا الصعود إلى مستوى أعلى فى الدورات التدريبية التى يقدمونها، إذ يطمحون فى الورشة القادمة أن تكون متخصصة فى مجال الخلايا الجذعية، يقول تامر صبرى: «تحدثنا مع بعض الأساتذة الأكاديميين وبعضهم أبدى حماسه، لكن ما نخشاه هو كيفية إدارة مثل هذه الخطوة، وضرورة التفرغ لها من جانبنا ومن جانب المتطوعين، لتقديم خدمة حقيقية للمهتمين بهذا المجال المهم». تعود الدكتورة يمنى الخولى لتطرق خلفيات أخرى تعرقل المناخ العلمى والبحثى فى مصر: «لا أريد أن أبدو متشائمة لكن القيم الاستهلاكية وعلاقات الزملاء فى مجال البحث وضعف روح الفريق، كلها تحديات تواجه هذه المبادرات الشابة». تقارن يمنى الخولى المتخصصة فى دراسة تاريخ العلم بين ظروف نبوغ بعض العلماء الذين ظهروا فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى والفترة الحالية، إذ تقول: «هناك أزمة يتسبب فيها الإعلام أحيانا، فى الفترة الذهبية التى ظهر بها علماء فى الأربعينيات كانت القيم السائدة تضع كل شخص فى محله، لن أدعى أن العالم مصطفى مشرفة أو غيره من العلماء قد تلقوا تقديرا زائدا فى ذلك العصر، لكن الثورة الإعلامية الحالية تجعل نجوم الفن والكرة فى المقدمة، فى الماضى على سبيل المثال لم يكن الاهتمام بشريحة النجوم ليضع طه حسين ومصطفى مشرفة مع محمود شكوكو وإسماعيل يس فى مرتبة واحدة بحكم أنهم فى النهاية نجوم مجتمع. الحقيقة أن مفهوم النجومية وارتباطه بالثراء والشهرة ضلل كثير من الشباب الآن، ولم يعد التقييم على أساس خلفية الشخص ومدى إسهاماته». «يلا علم» فى تلك الأجواء يحاول تامر وزملاؤه فى الجمعية المصرية لشباب العلماء التواصل مع أكاديميين أغلبهم أنتج أبحاثه فى الخارج وعاد مكتفيا بالعمل الأكاديمى أو البحثى فقط، كذلك يبحث تامر ورفاقه عن جيل جديد من المتطوعين، إذ إن أغلب المؤسسين من جيل واحد قاربوا على الثلاثين الآن، يقول تامر: «نحن فى حاجة إلى أن يكون العلم فى دائرة الضوء». هذه العبارة اتفق معها إكرامى صاحب مبادرة موقع «يلا علم» إذ عاشها بعد ازدياد عدد زوار موقعه الناشئ إلى ما يزيد على الأربعة أضعاف بعد أن أشار الكاتب معتز بالله عبدالفتاح إلى هذه المبادرة فى مقال تحت عنوان «شباب جاد فى مجتمع غير جاد» (جريدة الشروق 10 أكتوبر الماضى)، لكن سرعان ما عادت أرقام الزوار كما كانت، يعلق إكرامى: «نعمل على تسويق الموقع فى شبكة فيس بوك الاجتماعية لجذب المتطوعين، ونشر الموقع». فى الجمعية المصرية لشباب العلماء يطمح تامر وزملاؤه فى تقديم ورشة عن الخلايا الجذعية خلال الأشهر المقبلة، بينما يعلن إكرامى فى موقع «يلا علم» أن موعد التدشين الرسمى واكتمال الموقع فى أول يونيو من العام المقبل، وكلاهما متمسك بتحقيق رؤية المشروعين، حتى لو بعد حين.