تقيم الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بعد غد السبت احتفالية في المسرح الصغير بدار الأوبرا بمناسبة مرور 140 عاما على إنشاء الدار التي كانت تعرف في السابق ب"الكتبخانة". ويشمل الاحتفال إقامة مؤتمر دولي بعنوان "دار الكتب المصرية 140 عاما من التنوير" يستمر حتى 30 نوفمبر الحالي ويناقش عدة موضوعات منها الدور التنويري لدار الكتب، المستشرقون في دار الكتب، دور دار الكتب في تحقيق التراث، مشروعات الرقمنة بدار الكتب وترميم التراث الثقافي وصيانته. يشارك في المؤتمر نخبة من الشخصيات العربية والأجنبية ورؤساء المكتبات الوطنية، والشخصيات العامة من مختلف دول العالم. وسيتم في نهاية المؤتمر تقديم شهادات لعدد من الشخصيات العامة المصرية والعربية التي كان لدار الكتب دور في تشكيل ثقافتهم. وبمناسبة الاحتفالية، أعادت دار الكتب طباعة مجموعة من الكتب المهمة وهي "الشهنامة"، "عيون الأخبار"، "أصول نقد النصوص"، "تاريخ المساجد الأثرية"، و"محاضرات في أوراق البردي العربية". وتعتبر دار الوثائق القومية التي أنشئت عام 1828، من أقدم دور الأرشيف في العالم، حيث أنشئ الأرشيف الوطني الفرنسي عام 1790، ودار المحفوظات العامة في لندن عام 1798. ولدار الوثائق تاريخ طويل يرجع إلى بدايات القرن التاسع عشر، حيث أنشأ محمد علي أول مكان لحفظ السجلات الرسمية للدولة بالقلعة، وأطلق عليها آنذاك " الدفتر خانة"، وكان هدفها جمع نتاج أنشطة أجهزة الدولة وحفظه، التي صارت بمضي الوقت تراثا قوميا، وتولى راغب أفندي منصب أول رئيس للدفتر خانة. واستمرت الدفتر خانة في أداء دورها في حفظ السجلات الحكومية بعد انتهاء الحاجة إليها، إلى أن ضاق مبنى الدفتر خانة مما اضطر محمد على إلى إنشاء فروع لها في المصالح الحكومية وفروعها بالأقاليم. كما عهد إلى الخبير الفرنسي مسيو روسيه بتطوير التشريع الخاص بالدفتر خانة، مع الاستفادة بالنظم والتشريعات التي تنظم عمل الأرشيف القومي الفرنسي. وظل حال الدفتر خانه المصرية على هذا التنظيم الذي وضعه محمد على باشا (1805 - 1848) إلى أن تولى الخديوي إسماعيل حكم مصر (1863-1879) الذي ألغى فروع الدفتر خانة بالأقاليم وأمر بأن تودع السجلات والوثائق بالدفتر خانة الأصلية بالقلعة. وبذلك تكونت النواة الأولى لدار الكتب من "الكتبخانة" القديمة التي أنشأها محمد علي وجعل مقرها القلعة، ومكتبات الجوامع التي قام ديوان الأوقاف في عام 1265 ه / 1849م، بحصر محتوياتها، وما اشتراه الخديوي إسماعيل من مكتبة شقيقه مصطفى فاضل، وكانت مكتبة هائلة، تضم نوادر المخطوطات ونفائس الكتب، وتبلغ محتوياتها 3458 مجلدا، وبذلك تكونت الكتبخانة الخديوية، وبلغ ما جمع لها نحو عشرين ألف مجلد، واتخذت من الطابق الأرضي بسراي الأمير مصطفى فاضل بدرب الجماميز مقرا لها، وتولى على مبارك باشا وضع قانون دار الكتب الأول ولائحة نظامها. وفى عهد الخديوي عباس حلمي الثاني ( 1892-1914) صدرت لائحة جديدة اشتملت على 24 مادة لتنظيم طرق تسليم وتسلم المحفوظات، وصار اسم الدفتر خانه ( دار المحفوظات العمومية ) وظل مقرها بالقلعة. وخلال فترة حكم الملك فؤاد الأول ( 1917 1936 ) كانت بعض المصطلحات قد تغيرت وتحولت كلمة (نظارة) إلى (وزارة )، كما أن الدار لم تكن تعنى بنشر الوثائق مثل الأرشيفات العالمية، فعهد الملك فؤاد إلى المستشرق الفرنسي دينيه بمهمة فحص الوثائق التركية وتنظيمها تمهيدا لوضعها بين يدي الباحثين والمؤرخين. وفى عام 1932 أنشأ الملك فؤاد (قسم المحفوظات التاريخية) بقصر عابدين بناء على توصية دينية- وكان هذا القسم بمثابة الأرشيف القومي المصري الحديث، الذي يعمل على فهرسة وتصنيف الوثائق. واستطاع قسم المحفوظات التاريخية أن يقوم بالعديد من الإنجازات؛ منها جمع الفرمانات التي أصدرها سلاطين آل عثمان، والتي تبلغ 1046 فرمانا يرجع أقدمها إلى عام 1597، كما تم تصوير هذه المجموعة من الفرمانات بمصلحة المساحة المصرية في سبعة مجلدات، وتحليل وترتيب الوثائق الإفرنجية الخاصة بعهد الخديوي إسماعيل (حوالي 900 ألف بطاقة) وعمل ملخصات لبعضها وترجمتها. ومع قيام ثورة يوليو 1952، لم تعد محفوظات عابدين تحقق ما ينشده رجال الثورة، خاصة فيما يخص أسرة محمد على، التي كانت موضوعا رئيسيا في محفوظات قصر عابدين، وبات من الضروري إعادة كتابة تاريخ هذه الأسرة، فكان هذا هو الدافع من وراء إنشاء ( دار الوثائق القومية) حيث أنشئت بموجب القانون 356 لسنة 1954، الذي حدد وظيفتها في جمع وحفظ الوثائق، ثم انتقلت دار الوثائق من قصر عابدين إلى مبنى خصص لها بالقلعة بالقاهرة في عام 1969. وفى عهد الرئيس حسني مبارك، شهدت دار الوثائق القومية عدة نقلات نوعية متدرجة، جاءت النقلة الأولى عام 1990 بانتقالها من القلعة إلى موقعها الحالي بكورنيش النيل بالقاهرة، وتم إلحاقها بالهيئة المصرية العامة للكتاب، ثم جاءت النقلة الثانية بصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 176 لسنة 1992 بشأن إنشاء هيئة مستقلة تضم دار الكتب والوثائق القومية وفصلهما عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وبذلك جمعت الدولة التراث الثقافي المصري المطبوع والمخطوط في هيئة واحدة، فأصبحت "الهيئة المصرية العامة لدار الكتب والوثائق القومية" تمتلك نحو أربعة ملايين كتاب، ومائة وعشرة آلاف مخطوط، ومائة وستين ألف مجلد من الدوريات، وتسعة وثلاثين ألف مادة صوتية موسيقية، ونحو مائة مليون وثيقة تصور تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ العصر الفاطمي وحتى سبعينيات القرن الماضي. وفى فبراير عام 2000، بدأت عمليات التطوير والتحديث لهذا المبنى بمبادرة من السيدة سوزان مبارك ليكون منارة للثقافة والتنوير على أحدث النظم العالمية. وروعي في عملية التطوير المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، فكان الحفاظ على النظام المعماري القديم مع استخدام أحدث أساليب التكنولوجيا في عرض المقتنيات وحفظها والتعامل معها وتأمينها ضد كافة الأخطار. وفى إطار مشروع التطوير الحالي لدار الكتب، تم تحديث قاعات الإطلاع والمخطوطات والوثائق عن طريق استخدام الوسائل التقنية الحديثة في بناء قواعد بيانات آلية يتعرف من خلالها المترددون على الدار على رصيدها الزاخر من المخطوطات والوثائق. وتضم دار الكتب مجموعة نفيسة من أوراق البردى العربية من بينها مجموعة عثر عليها بالصعيد تبلغ مجموعها ثلاث آلاف بردية تتعلق بعقود زواج وبيع وإيجار واستبدال وكشوف وسجلات وحسابات خاصة بالضرائب أو دفع صداق وغيرها من موضوعات. وأقدم البرديات تعود لسنة (705م) ولم ينشر منها إلا 444 بردية، كما تحتوي الدار على مجموعة كبيرة من الوثائق الرسمية التي تتمثل في حجج الوقف ووثائق الوزارات المختلفة وسجلات المحاكم وغيرها مما يعنى به الباحثون في شتى المباحث الأثرية والتاريخية، وتمتلك الدار مجموعة كبيرة من النقود العربية يعود أقدمها إلى سنة 77ه (696م).