لو كنت مكان اللواء سالم على رئيس حى عين شمس لأقمت احتفالا ضخما بمناسبة قرار محافظ القاهرة الدكتور عبدالعظيم وزير بإقالته قبل يومين وإحالته للنيابة الإدارية للتحقيق معه بتهمة الإهمال الجسيم وسوء حالة الشوارع الواقعة فى نطاق الحى. ليس فى الأمر مبالغة أو سخرية، لأن معظم رؤساء الأحياء يتم إقالتهم والتحقيق معهم دائما بتهمة الرشوة ويحالون إلى الجنايات، وبعضهم يدخلون السجون، أما الإهمال فى العمل فلم يعد للأسف تهمة فى مصر وصار شرفا مقارنة بالمرتشين واللصوص وناهبى ثروات البلد. وعلى غرار قاعدة ديكارت الشهيرة «أنا أفكر إذا أنا موجود» يمكن القول أيضا «أنا رئيس حى أو مهندس فى الحى إذا فأنا حرامى ومرتشى»!. .. هل وصلنا إلى زمن يصعب فيه أن نجد موظفا أو مسئولا فى الأجهزة المحلية يمارس عمله دون أن يتلقى «الشاى» أو «الاصطباحة» أو «الزيس» أو «الهدية» أو أى اسم رمزى آخر تفنن المصريون فى إطلاقه على فعل وعملية الرشوة؟!. أن يتم ضبط رئيس حى والتحقيق معه بتهمة تلقى رشوة فلم يعد ذلك خبرا يثير اندهاش الكثيرين، أما ضبط مهندس بأحد الأحياء وهو يمارس تلقى الرشوة، فصار مثل تناول المرء لكوب من الماء فى ظهيرة يوم حار. ويبدو أن الأمر صار طبيعيا لدرجة أن كثيرين من المرتشين لا يفكرون فى اتخاذ الحد الأدنى من إجراءات الأمان وصاروا يتلقون الرشاوى على المقاهى أو فى الكافتيريات والفنادق، أو يتم وضع النقوذ فى سياراتهم فى وضح النهار. ولو كنت مكان محافظ القاهرة والجيزة وحلوان والقليوبية وأكتوبر لشعرت بالحيرة، فقد يأتى وقت لا يمكن أن يجدوا فيه موظفا صالحا لتولى رئاسة الحى أو القطاع الهندسى فيه، بعد أن يكون معظم المؤهلين لذلك قد دخلوا السجن. بالطبع هناك شرفاء كثيرون يتقون الله فى أعمالهم، ويرفضون تلقى أى مقابل نظير اداء اعمالهم التى يتقاضون عليها رواتبهم.. لكن المشكلة أننا لا نراهم كثيرا، ويكفى وجود موظف فاسد واحد فى مكان للتغطية على كل الشرفاء الموجودين فيه. وحتى لا يتم اتهامنا بالسوداوية فعلينا أن نفكر فعليا فى آلية جديدة ومختلفة تمنع أو على الأقل تحد وتقلل من نهر الرشاوى المتدفق فى الأحياء والمحليات. الآلية الموجودة الآن ستجعل أشد التقاة ورعا يفسد ويرتشى، فالظروف الاقتصادية صعبة والإغراءات متنوعة. علينا أن نفكر جميعا بصوت عال فى طريقة تجعل الموظف أو المهندس أو رئيس الحى يفكر مليون مرة قبل أن يفتح درج مكتبه قليلا كى يتمكن الراشى من وضع الرشوة وبعدها يقوم هذا الموظف ليتوضأ ويصلى الظهر ثم يعود إلى منزله هادئا مطمئنا وكأن شيئا لم يكن!!.