20 جامعة مصرية ضمن أفضل 2000 جامعة على مستوى العالم لعام 2024    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    الداخلية: قوافل مبادرة "كلنا واحد – معك فى كل مكان" تصل أسوان    3 جنيهات ارتفاعًا في سعر فورنو شيبسي بالأسواق    جولد بيليون: هبوط سعر الدولار بمصر يحد من محاولات صعود الذهب    خريطة الأسعار: ارتفاع الفول وتراجع اللحوم والذهب يعاود الصعود    محافظ المنوفية: استمرار تلقى طلبات التصالح على مخالفات البناء أيام العطلات الرسمية    دول مجلس أوروبا تعتمد اتفاقية بشأن الذكاء الاصطناعي    البنك المركزي الصيني يعتزم تخصيص 42 مليار دولار لشراء المساكن غير المباعة في الصين    13 دولة تدعوا إسرائيل لعدم شن هجوم على رفح الفلسطينية    غزة: الجيش الإسرائيلي حرق أجزاء كبيرة من مخيم جباليا    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    اكتفى بالابتسام.. كولر يرفض الإجابة عن سؤال صحفي تونسي    توخيل يعلن نهاية مشواره مع بايرن ميونخ    كولر: الترجي فريق كبير.. وهذا ردي على أن الأهلي المرشح الأكبر    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    795 لجنة وإجراءات صارمة.. ننشر جدول امتحانات الشهادة الإعدادية بالشرقية    باقي كم يوم على عيد الأضحى 2024؟    السيطرة على حريق نشب داخل شقة سكنية في منطقة فيصل    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    ضبط سائق بالدقهلية استولى على 3 ملايين جنيه من مواطنين بدعوى توظيفها    في يومها العالمي.. 9 متاحف تفتح أبوابها بالمجان للمصريين بالقاهرة (تفاصيل)    المركز القومي للمسرح يحتفي بعيد ميلاد الزعيم عادل إمام    جائزتان لفيلمي سيمو وترينو بمهرجان إمدغاسن السينمائي الدولي بالجزائر    كوبولا: شعوري بالسعادة بعد عرض Megalopolis لا تصفه الكلمات    ما هو الدين الذي تعهد طارق الشناوي بسداده عندما شعر بقرب نهايته؟    إيرادات فيلم عالماشي تتراجع في شباك التذاكر.. كم حقق من إنطلاق عرضه؟    المفتي: "حياة كريمة" من خصوصيات مصر.. ويجوز التبرع لكل مؤسسة معتمدة من الدولة    الإسعاف: أسطول الحضانات المتنقل ينجح في نقل 19500 طفل مبتسر عام 2024    جامعة المنوفية تفوز بالمركز الأول في "الملتقي القمي الثالث لسفراء النوايا الحسنة لذوي الهمم"    أيمن الجميل: مواقف مصر بقيادة الرئيس السيسي فى دعم الأشقاء العرب بطولية.. من المحيط إلى الخليج    كوريا الشمالية ترد على تدريبات جارتها الجنوبية بصاروخ بالستي.. تجاه البحر الشرقي    وزير الإسكان: انتهاء القرعة العلنية لوحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    متحور كورونا الجديد الأشد خطورة.. مخاوف دولية وتحذير من «الصحة العالمية»    رئيس الإتحاد الدولى يدافع عن بطولة كأس العالم للأندية 2025    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    وفد اليونسكو يزور المتحف المصري الكبير    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    بطولة العالم للإسكواش 2024.. هيمنة مصرية على نصف النهائى    افتتاح تطوير مسجد السيدة زينب وحصاد مشروع مستقبل مصر يتصدر نشاط السيسي الداخلي الأسبوعي    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    سنن يوم الجمعة.. الاغتسال ولبس أحسن الثياب والتطيب وقراءة سورة الكهف    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    «القاهرة الإخبارية»: وصول شحنة أولى من الذخيرة التي جمدتها أمريكا إلى إسرائيل    محمد شريف: أردنا الفوز على الاتحاد.. وهذا مبدأ الخليج    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف بسمة الفيومي.. طريقة عمل الكرواسون المقلي    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم مبارك.. وحكم مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 10 - 2010

فى مثل هذا اليوم، الثامن عشر من أكتوبر 1981 صدرت الجرائد المصرية حاملة دعوات من الرئيس حسنى مبارك بتوحيد كلمة الوطن والعمل فى تآلف لبناء مصر والسعى نحو تأكيد الاستقرار الداخلى والوحدة الوطنية والمواجهة الحاسمة لمشاكل الجماهير والسلام فى المنطقة. دعوة مبارك للحوار الوطنى كانت الأولى خلال حكمه الذى افتتح هذه الأيام العام الأخير من مدته الخامسة.
دعوة مبارك فى حينها جاءت بعد أيام قليلة من أدائه القسم الجمهورى لرئاسته الأولى لمصر فى 14 أكتوبر وخطابه الرسمى الاول رئيسا للجمهورية فى 15 اكتوبر 1981 حيث خاطب المصريين قائلا: «تعالوا نوحد كلمتنا» التى استهدف به تجاوز الوطن لمرحلة من الاستقطاب السياسى الشديد بلغت لحظة الانفجار مع اغتيال الرئيس أنور السادات فى السادس من أكتوبر ليستيقظ مبارك صباح السابع من أكتوبر من نائب رئيس الجمهورية المنصب الذى اختاره له السادات فى إبريل 1975 فى سنوات تالية لعبور أكتوبر إلى الرئيس المحتمل لجمهورية مصر العربية.
اليوم يقف الرئيس مبارك مجددا فى موقف الرئيس المحتمل هذه المرة لولاية سادسة.
حديث الرئاسة القادمة
«أظن إنه إذا كان هناك من يشكك فى مدى سيطرة الرئيس على الأمور أو من يروج لشائعة أن شئون الدولة تدار بغيره فإن ما قام به الرئيس خلال الايام الماضية خير دليل على كذب هذه الشائعات»،
هكذا قال مصدر رسمى ل«الشروق» فى رده على المغزى السياسى لتدخل الرئيس حسنى مبارك بصورة مباشرة فى جملة من القضايا التى أثيرت خلال الاسابيع القليلة الماضية بما فى ذلك تلك المتعلقة بحسم مصير الضبعة موقعا لاطلاق المشروع النووى السلمى المصرى الذى شدد مبارك على أن يكون مع الشهور القليلة القادمة وأيضا التدخل لفض النزاع فيما يتعلق بإدارة الأراضى المملوكة للدولة والتى ينتظر أن يتم إصدار نظام موحد وشامل لها خلال الاسابيع القليلة القادمة.
المصدر نفسه أضاف إلى نشاط الرئيس على الصعيد الداخلى نشاطه فى قضايا السياسة الخارجية والذى شمل مشاركته فى قمة حول الصراع العربى الإسرائيلى فى واشنطن مطلع الشهر الفائت وما تلا ذلك من استضافته لماراثون من المباحثات الدبلوماسية حول نفس الامر فى شرم الشيخ إلى جانب مشاركته فى قمة عربية استثنائية عقدت فى ليبيا فى مطلع الاسبوع الأول من شهر أكتوبر الحالى وما تلاها من لقاءات أيضا على مستوى القمة فى السياق الافريقى العربى.
النشاط الرئاسى جاء متواكبا مع تصريحات متتالية لعدد من الوزراء حول التوقع بأن مبارك هو رئيس مصر القادم وعبارات نقلها بعض الدبلوماسيين الأجانب فى مصر عن الرئيس لدى استقباله لمبعوثى دولهم تفيد بأن الرئيس يتحدث عن خطط سياسية لسنوات قادمة.
من ناحية أخرى فإن رجال الحرس القديم فى الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم الذى يرأسه مبارك يشيرون إلى نشاط الرئيس فى إشارة إلى أنه فى حالة صحية طيبة ستسمح له، كما يؤكدون، بخوض الانتخابات الرئاسية القادمة فى خريف العام القادم. ويصر واحد من هؤلاء على أن أى حديث عن غير ذلك «هو محاولة لجذب انتباه الاعلام يعلم من يثيرها أنها غير حقيقية».
الدكتور على الدين هلال امين الاعلام بالحزب الوطنى الحاكم كان قد صرح مؤخرا بأنه ليس معروفا بعد ما اذا كان الرئيس مبارك سيرشح نفسه لولاية جديدة العام القادم استكمالا لرئاسته التى بدأها فى عام 1981، وإن كان قد أكد أن مبارك هو المرشح الوحيد للحزب الحاكم «فى هذه اللحظة».
هلال نفى فى التصريحات ذاتها أن يكون هناك اجماع او اتفاق على شخصية بعينها تخلف مبارك، منتقدا من يتصور أن الامر حسم لصالح جمال مبارك الأمين العام المساعد ورئيس لجنة السياسات بالحزب الحاكم، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أن هناك عددا لا محدودًا من المرشحين يمكن أن يتولى المنصب إذا لم يقرر الرئيس الترشح.
هلال قال: «المرشح سيكون أحد رجال الدولة.. أحد الاشخاص المعروفين لدى الرأى العام والذى لديه سجل سياسى فى التعامل مع القضايا العامة». ولم يؤكد هلال أو ينف إمكانية أن يكون جمال مبارك أحدهم.
السيناريوهات الواردة
فى الوقت نفسه قال مصدر موثوق بالحزب الوطنى الديمقراطى إن عددا من الشخصيات السياسية والمتنفذة فى عدد من أجهزة الدولة الرئيسية والفاعلة قد حصلت مؤخرا «دون إعلان» على عضوية الحزب الحاكم.
وحول ما إذا كان من بين هؤلاء من ينطبق عليه من وصفهم هلال بأنهم مرشحون محتملون للرئاسة أجاب المصدر قاطعا «نعم». وحول ما إذا كانت هذه الشخصيات لها تقدير فى القطاعات العليا للقيادة السياسية، أجاب المصدر «ولو لم يكن هذا التقدير موجودا هيكونوا دخلوا الحزب إزاى يعنى؟».
المصدر ذاته قال إن الخبرات السياسية وغيرها لإحدى الشخصيات التى حصلت مؤخرا على عضوية الوطنى لها ثقل لا يستهان به ولها أيضا اسم يحظى باحترام الرأى العام المصرى وبقطاعات أساسية من قطاعات الدولة وهى بالتالى تصلح من المنظور السياسى والتنظيمى والواقعى للترشح يوما ما لمنصب الرئاسة عن الحزب الحاكم.
ورفضت مصادر الحزب الحاكم التأكيد على إمكانية حصول هذه الشخصية على عضوية الهيئة العليا للحزب التى يسمح لأعضائها، كما لأعضاء الهيئة العليا لأى حزب سياسى مرخص له بالعمل، الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية من خلال الانتخابات التعددية.
الترشيح عن الوطنى، حسب المصادر ذاتها، ليس مقتصرا بالضرورة على أعضاء الهيئة العليا فيمكن للحزب إذا ما قرر أن يرشح من خارج الهيئة العليا وأن يوفر لمن يرشحه الدعم المطلوب من الاصوات داخل البرلمان ومن المجالس المحلية أيضا. «بالطبع هذا أمر ممكن لأنه لا يمكن لأحد أن يتوقع أن يخسر الوطنى الاغلبية فى الانتخابات القادمة بأى حال»، قال احد المصادر فى الحزب الحاكم.
وبحسب المادة 76 من الدستور المصرى التى تم تعديلها فى 2005 «ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السرى العام المباشر، ويلزم لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم للترشح 250‏ عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات،‏ على ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشورى،‏ وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبى محلى للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل‏».
وتضيف المادة ذاتها «ويزداد عدد المؤيدين للترشح من أعضاء كل من مجلسى الشعب والشورى، ومن أعضاء المجالس الشعبية المحلية للمحافظات بما يعادل نسبة ما يطرأ من زيادة على عدد أعضاء أى من هذه المجالس‏»‏. ومن المتوقع أن تطرأ زيادة على عدد أعضاء مجلس الشعب فى دورته القادمة بالنظر إلى النسبة المقررة زيادتها فى مقاعد التعيين.
وبحسب أحد مصادر الحزب الحاكم فإن خطوة ضم بعض الشخصيات «المهمة» للحزب لا تعنى بالضرورة أن مبارك لن يترشح وأن الحزب فى وارد النظر فى احتمالات مختلفة ولكنها تعنى أن الحزب، كما قال حريص على أن يضم لصفوفه «شخصيات من النخبة» بما يعنى أنه مستعد دوما للتعامل مع مختلف السيناريوهات الواردة.
جمال.. والبرادعى
ويعد جمال مبارك، امين عام مساعد وأمين السياسات بالحزب الحاكم، الاسم الأبرز على قائمة الهيئة العليا للحزب الوطنى الديمقراطى. وبحسب المصدر ذاته قال إن قرار ضم الشخصيات الجديدة لا يعنى ايضا أن جمال لن يكون هو مرشح الوطنى فى حال ما قرر مبارك نفسه عدم الترشح ولكن ذلك سيتطلب بالضرورة موافقة الرئيس نفسه.
«إنه يتصرف على أنه الرئيس القادم.. لا أقول إنه يوحى بذلك عن عمد ولكن الأداء الذى يقوم به هو ليس أداء حزبيا بل هو أداء شخص تنفيذى عالى المستوى يتحدث بالكثير من المعلومات والثقة حول القضايا السياسية والاقتصادية وعلاقة مصر بدول المنطقة وعلاقة النظام بالمعارضة»، هكذا قال دبلوماسى غربى فى إشارة إلى لقاء شارك فيه دبلوماسيون أجانب فى مصر مع جمال مبارك.
الرواية تتشابه مع روايات أخرى يطرحها دبلوماسيون أجانب سنحت لهم الفرصة خلال ال12 شهرا الماضية بالتقاء جمال مبارك فى اجتماعات بعضها كان معلنا وبعضها غير معلن. والتقييم يتطابق: جمال مبارك يبدو أنه يتصرف كونه الرئيس القادم ويبدو أن بعض من حوله يتصرفون معه بنفس الكيفية.
حديث المصادر الدبلوماسية الغربية فى القاهرة والزائرة لها تقاطع مع ما أدلى به مؤخرا مصطفى الفقى القيادى فى الحزب الوطنى من أن هناك فى داخل الحزب من يتعامل مع جمال على أنه الرئيس القادم ومع ما أدلى به إبراهيم كامل رجل الأعمال والقيادى بالوطنى من أن جمال مبارك يستحق أن يبدأ حملته الانتخابية للرئاسة الآن.
اللقاءات التى يجريها جمال مع شخصيات غربية زائرة لا تقتصر على الزائرين الذين لهم صفة حزبية، كما كان الحال من قبل، ولكن تشمل أيضا، حسب مصادر «الشروق»، زائرين لهم صفات تنفيذية.
وبحسب المصادر الدبلوماسية الغربية فى القاهرة فإن هناك حرصا واهتماما متبادلا بين جمال مبارك وبين زائريه من الدول الغربية على اللقاء سواء فى إطار رغبة السياسى المصرى فى طرح نفسه على الساحة الدولية كجزء من مرحلة التأهل للوصول إلى الرئاسة خلفا لوالده وفى إطار رغبة هؤلاء الزائرين فى التعرف عن قرب ومقدما عن الرجل الذى قد يحكم مصر.
ولا اختلاف هناك حول كون اللقاءات التى يعقدها جمال مبارك مع زائرين أمريكيين هى الأكثر عددا.
وكانت زيارات قد قام بها جمال مبارك إلى واشنطن سواء بمفرده أو ضمن الوفد الرسمى المرافق للرئيس مبارك قد أثارت الكثير من التكهنات ووصل البعض بالاساس من معارضى خلافة النجل للأب فى حكم مصر للقول إنها زيارات تهدف للترويج لجمال كرئيس محتمل لمصر.
فى بعض الدوائر المقربة من رجال الاعمال هناك من يقول بصراحة «نعم جمال يريد أن يتواصل مع واشنطن ونحن ندعم ذلك بالتأكيد».
ومن هؤلاء من يقول طالما أن الرئيس مبارك لم يقل بصراحة ومباشرة إنه سيقوم باختيار نائب له بالرغم من أن أمر خلو منصب نائب رئيس الجمهورية قد تمت إثارته فى وقت سابق من العام وطالما أن جمال لم يتخل عن الاجابات المبهمة حول خطط مستقبله السياسى فسيبقى هناك من يعمل، عن اقتناع او عن مصلحة، لدفع جمال للتواصل مع واشنطن التى يعتقد الكثيرون أن دعمها، وليس بالضرورة تدخلها، سيكون حاسما فى ترجيح استقرار الرئيس القادم ومع غيرها من العواصم الغربية التى تصر على أنه من الخطأ بالنسبة لمصالحها أن تتجاهل التواصل مع جمال مبارك. هؤلاء يرون أن أى حديث عن وصول محمد البرادعى القانونى المصرى المعارض إلى الحكم هو أمر مستبعد.
البرادعى بدوره مازال «يتابع ويفكر» فى خطوته القادمة حسب قول أحد المتواصلين معه. المصدر رفض أن يوضح تفصيلا على ما يمكن أن يقوم به البرادعى للتجاوب مع معارضين لترشح جمال مبارك يريدون منه التحرك والمواجهة.
«البرادعى لا يريد أن يحمل على الترشح لانتخابات الرئاسة ولكنه يريد أن يكون زعيما فاعلا فى بعث التغيير وبعث القدرات الكامنة للشعب المصرى للحصول على تجاوب من النظام حول التغيير»، هكذا قال المصدر.
عيد الميلاد
الحديث عن ترشح مبارك لفترة قادمة تكون السادسة لو فعل يتقاطع مع حديث يدور أحيانا ويتراجع فى أحيان أخرى عن صحة الرئيس وأعوام حياة أمضاها فى الخدمة العسكرية فالخدمة سياسيا.
وفى الرابع من مايو احتفل الرئيس محمد حسنى مبارك مع أفراد اسرته الصغيرة بحلول عيد ميلاده الثانى والثمانين وسط أجواء ارتياح شعبى عام لتحسن طرأ على حالته الصحية بعد عملية جراحية خضع لها فى السادس من مارس بمستشفى هايدلبرج بألمانيا لإزالة الحوصلة المرارية وورم لحمى من الاثنى عشر.
احتفال مبارك كان فى مدينة شرم الشيخ الساحلية التى تطل على البحر الأحمر والتى أقام الرئيس فيها مقرا له منذ سنوات ليست بالكثيرة بالنظر إلى كونها مقرا مفضلا لاستقبالات رسمية يرى أحيانا ألا تكون فى القاهرة سواء لأسباب سياسية أو ترى اجهزة الدولة الامنية ابعادها عن العاصمة.
احتفال مبارك بعيد ميلاده هذا العام كان، كما قال هو نفسه فى احدى المقابلات التليفزيونية النادرة التى تحدث فيها عن حياته الاسرية التى يبقيها قيد الكتمان، تماما كما عادة أهل الطبقة المتوسطة المصرية اتساقا مع شخصية مبارك التى يعرف القاصى والدانى أنها لا تميل إلى الافراط فى الاحتفال ولا تجنح إلى البذخ ربما بحكم النشأة فى الريف أو بحكم الانضباط.
احتفال مبارك بعيد ميلاده ربما كان من اللحظات القليلة التى استطاع فيها الرئيس أن ينعم بتجمع أسرى هادئ يتجاوز تعقيدات مشهد سياسى به الكثير من الحراك كما يصفه القريبون من دوائر الحكم أو كثير من الغضب كما يقول المنتمون لصفوف المعارضة.
خدمة العلم
دور مبارك فى الاعداد والتنفيذ ل«الضربة الجوية الأولى» التى قادت إلى عبور أكتوبر 1973، التى كثيرا ما تغنى بها التليفزيون الرسمى، كان حسب رواية السادات نفسه احد الاسباب الرئيسية فى اختياره مبارك نائبا.
وحسب رواية جيهان السادات سيدة مصر الأولى سابقا فى شهادة أدلت بها فى السادس من أكتوبر هذا العام فإن السادات «رأى فى مبارك إنسانا شجاعا نظيفا وعنده خلق وانتماء» جعل السادات يختاره نائبا له «من بين الجمسى ومحمود فهمى» فى إشارة إلى عبدالغنى الجمسى العسكرى الفذ الذى يعترف له الأعداء وقيادات الجيش المصرى بدور استثنائى فى العبور وربما لمحمد على فهمى القائد العسكرى الذى عينه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قائدا لقوات الدفاع الجوى المصرى فى 23 يونيو عام 1969 والذى ظل قائدا للدفاع الجوى أثناء حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر 1973 وكان له دور كبير فى النصر عن طريق قيامه ببناء حائط الصواريخ المصرى.
أحد الذين زاملوا مبارك لسنوات طويلة أضاف أسبابا أخرى. «حسنى مبارك طول عمره شخص منضبط على الآخر يعنى التعليمات تتنفذ بالحرف ومافيش أى محاولة لكده أو كده، ورجل جد ومالوش كيف ولا مزاج يعنى لا يحب يشرب ولا يحب يقعد فى قاعدة كده أو كده، وكمان طموحه ما يسيطرش عليه.. يعنى ما فيش حد ما عندوش طموح بس هو متزن وما يخليش طموحه يسبقه».
مبارك نفسه فى أحاديث كثيرة لم ينف أبدا خصال الانضباط والاعتدال فى نهج الحياة والطموح المهنى. قالها مرات ومرات لمحاوريه من التليفزيون المصرى. قالها بتفاصيل كثيرة فى عام 2005 للمحاور التليفزيونى الشهير عماد الدين اديب أنه لم يكن يتصور أن توكل إليه أبدا مهمة الرئاسة وإن أكبر طموحه كان الحصول على منصب سفير فى العاصمة البريطانية.
الرئاسة الأولى
«تسلم حسنى مبارك الحكم ولم يكن قد مضى أكثر من عام على تسلم الرئيس (الامريكى رونالد) ريجان الحكم فى أمريكا وبعد عامين فقط من صعود مسز (مارجريت) تاتشر (إلى 10 دواننج ستريت) وكان الاتحاد السوفييتى فى عنفوانه وكان سور برلين مازال لم يسقط بعد» هكذا كتب جلال أمين فى كتابه «مصر والمصريون فى عهد مبارك (1981-2008)». واليوم، وكما يضيف أستاذ الاقتصاد والتنمية المصرية، فإن الكثير من المياه جرت تحت كل الجسور وتغير شكل العالم بل وشكل المنطقة من حول مصر.
وحسب رواية أحد من عملوا فى مؤسسة الرئاسة فى الاسابيع الأولى لتولى مبارك حكم مصر فإن الرئيس مبارك كان عازفا عن الاضطلاع بالمسئولية التى وجد نفسه محملا بها بعد اغتيال الرئيس السادات على يد الجماعة الاسلامية فى يوم الاحتفال بالسادس من اكتوبر جراء ما رأته الجماعة من افراط السادات فى التهادن مع إسرائيل والغرب وتفريط فى المصلحة المصرية بل والعادات المصرية أيضا.
«فى الأول كان بيقول لأ مش عايزها، وبعد الانتخابات لما دخل المكتب وابتدا يقرأ الملفات ويتعرف على الحكاية بالتفصيل، المشاكل والديون والوضع عموما، وكان برده بيخرج من مكتبه ويقول إن الوضع صعب جدا وانه مش عايز المسئولية دى.. لكن الأمور سارت».
واليوم ومبارك يمضى نحو الثلاثة والثمانين يبدو عازما إذا ما سمحت له الظروف والقدرة الصحية على الترشح لولاية رئاسة سادسة ليستمر فى تحمل مسئوليات رئاسة دولة بلغ تعداد سكانها فى العام الماضى 83 مليون نسمة وتعيش منهم نسبة تقارب ال40 بالمائة تحت خط الفقر وسط شكاوى باتساع متزايد للفجوة بين نسبة محدودة من الأغنياء الجدد ونسبة كبيرة من الفقراء المتزايدة أعدادهم بسقوط مستمر من أبناء الطبقة الوسطى إلى الطبقات الأقل حظوظا.
أيام «الخروج من المحنة»
«فليكن إجماعنا اليوم على انتخاب حسنى مبارك إعلانا لإرادة الانتصار على المحنة»، هكذا كتب عبدالرحمن الشرقاوى، المعلق السياسى المصرى بعد أيام قليلة من اغتيال السادات معقبا على بيان ألقاه مبارك، وهو بعد نائب رئيس الجمهورية المرشح رئيسا خلال تولى رئيس مجلس الشعب صوفى أبوطالب دفة الرئاسة عقب اغتيال السادات.
مبارك أكد للشعب المستشعر لقلق يتجاوز بكثير شعور حزن لدى البعض على اغتيال السادات الذى استطاع رغم كل ما وجه له من انتقادات مستحقة أن يقود عملية عسكرية فتحت الباب أمام عبور القوات المسلحة المصرية لكسر حاجز الهزيمة العسكرية الذى حل فى 5 يونيو 1967 عند احتلال إسرائيل لسيناء ضمن أراضٍ عربية أخرى فى سياق كسر مشروع لنهضة مصر ورفعتها صاغه عبدالناصر وشرع حازما فى تنفيذه فى وجه عداء دولى وإقليمى مباشر.
فى حديث للأمة بُعيد اغتيال السادات، قال مبارك إن عملية انتقال السلطة «تجرى بسلاسة لأن الرئيس السادات شيد قاعدة قوية لجميع مؤسساتنا». واليوم فإن مبارك مازال يشير إلى القاعدة المؤسساتية القوية لدى إجابته عن اسئلة صحفيين أجانب عن مرحلة انتقال الحكم فى مصر. «مصر دولة مؤسسات» يقول مبارك دوما وبدون أى تردد.
«خلال الشهور الأولى من حكمه كان الرئيس مبارك حريصا جدا على التواصل بنفسه مع كل مؤسسات الدولة الكبيرة. لم يكن يكتفى بالتقارير أو الاستماع للمعاونين الذين حوله بل كان حريصا فعلا على أن يتحدث مع الجميع ويعرف وجهة نظرهم ويأخذها فى الاعتبار.. واستمر الحال كذلك لعدة سنوات»، يقول المصدر الذى عمل فى مؤسسة الرئاسة يوما.
هذا الحرص وما يتمتع به مبارك شخصيا حسب من يعرفونه بمطابقة الأقوال للتأكد من حسن اتخاذ القرار جعلت مبارك منفتحا على الاستماع لآراء مختلفة متعارضة بما فى ذلك آراء رموز سياسية كان السادات قد دفع بها إلى سجونه قبيل اغتياله وأعاد لها مبارك حريتها بعد أن أصبح رئيسا.
يقول أمين فى كتابه إن المصريين شهدوا «شهر عسل قصيرًا جدا» مع الرئيس مبارك حيث كان الافراج عن كبار المعتقلين السياسيين من مختلف مناحى الحياة السياسية فى مصر والابتعاد عن كل «التصرفات الاستفزازية» التى أخذها المصريون على رئيسهم الراحل بما فى ذلك عدم توخى الحذر فى انتقاد رموز المعارضة وجميع أشكال ممارسة الترف أو انتهاج السياقات الغربية فى الحكم بما فى ذلك دور السيدة الأولى فى تلك المرحلة. بل إن مبارك، كما يضيف أمين فى كتابه الصادر عن دار ميريت، حاول جاهدا التواصل مع مختلف الفئات المجتمعية والمعارضة السياسية.
وطوال سنوات حكمه لم يتردد مبارك ولم يتوان فى الاعلان عن انحيازه للطبقات الأقل حظا اقتصاديا برغم أن هناك من الاقتصاديين من يختلف مع مدى تطابق هذا الموقف المعلن والسياسات الاقتصادية التى تتبناها الدولة خاصة منذ النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى.
وبالرغم من أن تحاور مبارك المباشر مع رموز المعارضة قد تراجعت مظاهره فتضاءلت إلا أن الأسابيع الاخيرة شهدت محاولة لاستعادة الحوار مع المثقفين من خلال دعوة وجهتها رئاسة الجمهورية لعدد منتقى من السينمائيين ثم عدد آخر من الكتاب بعضهم معارض لاختيارات سياسية للنظام ولكن ليس من بينهم من يعارض النظام فى ذاته.
«الحقيقة إنه بمجرد مجىء مبارك للحكم كان فيه انطباع إيجابى جدا عنه. كان عندنا انطباع إنه راجل منضبط وسيلملم الأمور. وكان عندنا انطباع إنه رجل نزيه ونظيف ومش هنسمع تانى عن قصص زى عصمت السادات (شقيق السادات الذى وجهت له تهم بالفساد) وعثمان (رئيس المقاولون العرب الذى صاهر السادات وقال معلقون إنه كان طرفا فاعلا ليس دوما بصورة إيجابية فى قرارات السادات) والحاجات دى»، تقول سيدة سبعينية من الطبقة المتوسطة عن الانطباعات العامة عن وصول مبارك للحكم.
«صحيح إحنا ما كناش شايفين الصورة كاملة وكنا مفكرين إن السادات سايب له البلد خالصة من الحرب ومستعدة للنمو، وبعد كده عرفنا أن الموقف الاقتصادى كان سيئًا للغاية، لكن كمان احنا النهارده شايفين لسه مشاكل اقتصادية كبيرة والعلاج فى المستشفيات سيئ للغاية، حاجة صعبة قوى، وقصص أصحاب العبارات والمصانع وحاجات تانية كتير».
«الحقيقة إن مبارك نفسه فضل شخص نزيه. صحيح فى السنوات الاخيرة، يمكن فى الخمس سنوات الماضية بالذات أصبح فيه فساد فى ناس يمكن يتوصفوا انهم قريبين منه لكن الحقيقة إن معلوماتى لغاية النهارده وأنا بعيد عن الخدمة من سنوات تقول إن مبارك فاضل نزيه. دى طبيعة. مبارك بطبيعته كده»، يقول الموظف السابق برئاسة الجمهورية.
ويرى أمين أنه «لم يحل عام 1990 إلا وقد اتضح للمصريين أن عهد حسنى مبارك لا يختلف عن عهد السادات فى أى شىء مهم» حيث إن التعامل مع المعارضة السياسية الداخلية أو الموقف من التعامل مع إسرائيل والولايات المتحدة أو مجمل إدارة الامور الاجتماعية والاقتصادية.
العبء الثقيل
ويقر أمين كما يتفق مع أحمد السيد النجار، الخبير الاقتصادى وعضو بارز فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فى كتابه «الانهيار الاقتصادى فى عهد مبارك» بأن التركة الاقتصادية والسياسية التى ورثها مبارك عن السادات كانت جد ثقيلة من حيث تراكم الديون الخارجية وتداعى أسباب النمو الاقتصادى وانهيار متسارع للطبقة المتوسطة وانطلاق شرارات متفجرة لفتنة بين المسلمين والمسيحيين وانحسار الريادة المصرية فى المنطقة العربية وارتهان مصر بكثير من السياقات السياسية المتعلقة بتحالف حسمه السادات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية واتفاقية سلام وقعها فى 1979 مع إسرائيل وسط استقالات متوالية واعتراضات لا نهائية من كبار معاونيه السياسيين والعسكريين على حد سواء إلى جانب ذلك من فساد بدأ يضرب جذوره فى المجتمع ولو على استحياء وعجز اقتصادى عن توفير فرص العمل وتجاوز أسباب الإحباط المجتمعى الذى ادى إلى انتشار أنماط من السلوك الرجعى.
يقول الرئيس حسنى مبارك فى خطاباته الشعبية التى كانت فى بداية حكمه أكثر تلقائية وتواصلا مع الجماهير ثم أصبحت أكثر ميلا للإطار الرسمى الصرف إن سنوات حكمه شهدت جهدا متواصلا لإعادة بناء الاقتصاد المصرى المتداعى ولتوفير فرص العمل ولجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية.
كما يقول الرئيس أيضا، ويتفق فى ذلك الكثير من معارضيه، إن قسطا لا يستهان به من موارد الدولة أنفق على إعادة بناء بنية تحتية كانت متهالكة للغاية وإن كان البعض يضيف أنها عادت للتهالك ثانية.
وتقول قيادات الحزب الوطنى الديمقراطى إن الإصلاح الاقتصادى الذى قدمه مبارك وتمسك به بالرغم من الكثير من المعارضة من دوائر مختلفة فى المجتمع من اهم انجازات حكم الرئيس مبارك. ويتفق مع هؤلاء بصورة ما بعض الدبلوماسيين الغربيين الذين يقولون إن مصر أصبحت لها مصداقية اقتصادية لم تكن موجودة سابقا وإن هذه المصداقية من شأنها توسيع نطاق الاستثمار الأجنبى المباشر.
غير أن النجار يختلف مع هذا التقدير بصورة أو أخرى ويصر على أن سنوات مبارك شهدت ما يصفه بالفساد الاقتصادى الذى ارتبط فى مجمله بالخصخصة ضمن أمور أخرى، حسبما يرصد فى كتابه الصادر عن دار ميريت، «عملية منح الأراضى الزراعية وأراضى البناء المملوكة للدولة لبعض رجال الأعمال من القطاع الخاص بأسعار منخفضة للغاية بما يمكنهم من تحقيق أرباح طائلة» إلى جانب ما شاب عملية بيع القطاع العام، المعروفة بالخصخصة، من شبهات فساد فى تقدير قيمة الشركات المبيعة و«العمولات» المتعلقة ببيعها.
يقول النجار إن «خصخصة القطاع العام المصرى انطوت على فساد يمثل النهب الأعظم لشعب مصر على مدار التاريخ الطويل لأقدم دولة فى العالم».
فى الوقت نفسه ينتقد النجار ما يصفه بعدم وجود رقابة فعالة على التزام المنتجين الزراعيين بالاعتبارات الصحية مما مكن بعضهم من استخدام المبيدات والمنشطات الهرمونية، كما يقول، أدت إلى زيادة الانتاج بصورة هائلة وتسببت فى المقابل بحدوث كوارث صحية فى مصر.
ويرى النجار أن الاصلاح الاقتصادى المصرى الذى يشير إليه الحزب الحاكم بوصفه واحدا من ابرز انجازات حكم الرئيس مبارك هو فى الاساس «تحول انتقائى نحو السوق الرأسمالية بما يلائم الطبقات الأثرى» متجاهلا الفقراء بل والطبقة المتوسطة ذاتها.
«فى الحقيقة إن الرئيس فعلا بيهتم بالمواطن وبالمواطن محدود الدخل وبيسأل على حاجات كتيرة لها علاقة بالموضوع ده فى الاجتماعات ولما بيشوف حاجة فى الجرائد بيسأل لكنه فى نفس الوقت مقتنع بما يقوله له المعاونون الاقتصاديون من أن للاصلاح كلفة اجتماعية وإننا فى مصر دفعنا الكلفة الاجتماعية الأقل بالنسبة لحالات إصلاح اقتصادى أخرى» يقول أحد رجال النظام الحالى فى دفاعه عن الرئيس.
الحزب الوطنى والإخوان
«بداية نهاية شهر العسل القصير جاءت مع قرار الرئيس اعتلاء الحزب الوطنى الديمقراطى» بعد فترة وجيزة من توليه الحكم، يقول جلال أمين فى كتابه.
فى بداية حكمه قال مبارك إنه «رئيس لكل المصريين المؤيدين والمعارضين»، وأمين يتفق أن هذا القول كان معبرا عن نية الرئيس الفعلية.
ويلوم أمين على مجموعة محيطة بالرئيس، لها مصلحة ما كما يضيف، فى اقناعها مبارك بتولى زعامة الحزب الحاكم ليتحول فى ذات اللحظة إلى خصم سياسى مباشر للمعارضين.
«الحزب ده ما كانش حاجة مهمة خالص. السادات الله يرحمه كان عامل منابر وأحزاب واختار الحزب الوطنى لكن حكاية الاحزاب دى ما كانتش بجد قوى.. والحقيقة احنا كنا نسمع إن مبارك رئيس الحزب الوطنى يعنى كده لكن الكلام عن الحزب ما كترش غير لما جمال مبارك ظهر فى الصورة (مطلع الالفية الثانية) وبعدين اصبح التليفزيون والجرايد كلها بتقول الحزب الوطنى عمل وعمل»، يقول رجل ستينى من الطبقة العاملة.
«والحق إنه لا الحزب ده مهم ولا غيره مهم... أحزاب إيه... فيه الرئيس وجمال علشان ابنه يعنى وشوية ناس من بتوع المعارضة بتوع زمان ودلوقتى (محمد) البرادعى وخلاص... يمكن فى حد تانى بس انا ما اعرفش»، يضيف.
يتفق عدد من المحللين السياسيين أن سنوات حكم الرئيس مبارك التى بدأها بفتح الابواب أمام رموز المعارضة لم تكن بالفعل سنوات حراك سياسى جاد للاحزاب. وبالرغم من لقاءات ومؤتمرات عقدت فى بداية التسعينيات لجمع قيادات الاحزاب السياسية للنقاش حول قضايا الوطن المجتمعية والسياسية إلا أن دور الأحزاب فى رأى الكثيرين بدا هامشيا للغاية.
واليوم فى الوقت الذى يستعد فيه الحزب الوطنى الديمقراطى لخوض انتخابات تشريعية حاسمة تبدو قوة الإخوان المسلمين هى الأكثر تهديدا.
ولا يتوقف أقطاب الاخوان المسلمين عن الاشارة إلى اشكال للتنكيل السياسى يتعرضون لها من النظام بغية تقويض حظوظهم التى يرونها كبيرة فى الحصول على عدد لا يستهان به من مقاعد مجلس الشعب التى ستزيد من 454 إلى 518 مع ادخال كراسى كوتة المرأة.
ويستبعد بعض أعضاء الاخوان المسلمين أن يتمكنوا من الحصول على ال88 مقعدا التى تمكنوا من الفوز بها «بالرغم من كل شىء» فى انتخابات عام 2005 ولكنهم يؤكدون «العزم على العمل».
«حتى فترة قريبة جدا كانت المعادلة السياسية فى مصر مقتصرة على الحزب الوطنى الديمقراطى وهو الحزب الحاكم بحكم كون الرئيس مبارك زعيما له وبين جماعة الاخوان المسلمين التى ليس لها تصريح قانونى بممارسة العمل السياسى من قبل النظام»، يقول حسن أبوطالب استاذ العلوم السياسية وأحد أبرز أعضاء مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
توسيع هذه المعادلة بدأ مؤخرا فقط، كما يقول أبوطالب، خلال العامين الماضيين مع وقوع ظاهرة الاحتجاجات السياسية لقوى المجتمع المدنى خاصة النقابات المهنية وبدأ حالة واسعة من الحراك السياسى شملت العديد من تجمعات الشباب وغير ذلك. «ثم جاء البرادعى داعيا لإصلاحات دستورية واسعة مما اضطر الاحزاب السياسية للخروج إلى حالة أكبر من النشاط السياسى» يضيف أبوطالب.
المراحل الثلاث
ويقسم أبوطالب حكم مبارك لمصر إلى ثلاث مراحل يضع كلا منها فى عقد. وبحسبه فإن المرحلة الأولى شهدت معالجة عاجلة من قبل الرئيس لقضايا كانت ملحة شملت بالاساس تأكيد استحقاقات عملية السلام والانتهاء من تحرير سيناء.
ويتفق مؤيدو مبارك ومعارضوه على أن حكمه جاء غير مزعج لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بأى حال وإن لم يكن بالضرورة مروجا لها. «قلت لأحد الصحفيين الإسرائيليين اذهب وقل لشعبك لا تقلق»، هكذا قال مبارك فى أحد التصريحات الصحفية القليلة التى أدلى بها قبيل انتخابه رئيسا للجمهورية خلفا للسادات وسط تساؤلات عديدة فى إسرائيل حول ما إذا كان سيكون سائرا على خطى السادات المطبعة اقداما مع إسرائيل أم عائدا لسياسات العصر الناصرى التى رفضت تطبيعا مع كيان لم يحدد لنفسه حدودا على أراضٍ احتلها لإقامة دولة عليها طاردا أهالى هذه الارض.
«أنا اسمى محمد حسنى مبارك» هكذا كان يجيب الرئيس مبارك على من يسأله عن توجهاته نحو إسرائيل وأحيانا أمريكا بالمقارنة مع السادات وعبدالناصر. وهكذا كان مبارك بالفعل. فهو لم يسرف كما السادات فى إبداء الحفاوة نحو المسئولين الإسرائيليين ولكنه فى الوقت نفسه لم يعزف يوما عن ابداء التعاون أو التحسب فى اتخاذ مواقف حادة تجاه إسرائيل ورأى إبقاء الامور كما يصفها المسئولون الإسرائيليون بامتعاض فى إطار «السلام البارد» وهو التعبير الذى يعدله الدبلوماسيون المصريون بقولة «السلام الهادئ».
إن مبارك الذى استقبل وأولم لقيادات إسرائيلية أفاضت فى انتهاك الشعب الفلسطينى مثل شيمون بيريز الرئيس الحالى لإسرائيل وآرييل شارون رئيس الوزراء الأسبق وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الحالى بقى مصرا ورغم ضغوط أمريكية تجاوزت حدود اللياقة أحيانا على رفضه زيارة إسرائيل.
وطوال مدة حكمه لم تطأ قدماه الأراضى الإسرائيلية سوى مرة واحدة وسط حشد دولى واسع لتشييع جثمان اسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق الذى اغتاله متطرف إسرائيلى بدعوى تهاونه مع الفلسطينيين والعرب. ومازال مبارك يصر لكل من يسأله أن زيارته لإسرائيل مرهونة بتحقيق السلام أو على الاقل الاسهام فى تحقيق السلام.
فى الوقت نفسه فإن مبارك أقر بتصدير مصر للغاز الطبيعى لإسرائيل بأسعار يرى ناقدون أنها مجحفة للمصلحة المصرية ووافق على توقيع مصر على الدخول فى اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة، المعروفة بالكويز اختصارا، بالرغم من العديد من التحفظات الاقتصادية والوطنية على هذه الاتفاقية وجدواها الاقتصادية.
فى المرحلة الأولى من حكمه أيضا، كما يضيف أبوطالب، عمل مبارك على تهدئة التوترات التى سادت علاقات مصر مع الدول العربية على أساس أن حق مصر فى الالتزام باتفاقية السلام لا يتجاوز حرص مصر على علاقات مصر العربية.
«ويمكن القول إن مبارك نجح بالتأكيد فى ذلك حيث شهدت مصر توافد القادة العرب إليها» ثم كانت عودة مقر الجامعة العربية إلى القاهرة بعد نقله إلى تونس للإعراب عن غضبة عربية ضد قيام السادات بتوقيع اتفاق سلام منفرد مع إسرائيل.
فى المرحلة الأولى نفسها يرصد أبوطالب حرص مبارك على بناء خيوط تخاطب كل القوى السياسية المصرية باستثناء جماعة الإسلام السياسى المسلح التى بقيت الدولة فى مواجهة معها حتى تم القضاء على بعضها واحتواء بعضها الآخر والعمل على إعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية.
أما المرحلة الثانية، كما يضيف أبوطالب، فكانت مرحلة التسعينيات وهى مرحلة الانخراط فى الاصلاح الاقتصادى والمواجهة الحاسمة مع جماعات الإسلام السياسى المسلح وتلمس الخطى نحو آفاق للاصلاح السياسى.
ويشير أبوطالب إلى أن هذه المرحلة شهدت تغييرات دولية رئيسية من أبرزها سقوط الاتحاد السوفييتى وإطلاق عملية التسوية السلمية للصراع العربى الإسرائيلى التى بدأت تحت مظلة مؤتمر مدريد الجامع ثم تفرقت المسارات العربية وما أعقب ذلك من توقيع منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاقية أوسلو مع إسرائيل وتوقيع الأردن وإسرائيل لاتفاقية السلام المعروفة باتفاقية وداى عربة إلى جانب بدء انهيار العراق بعد انسحابها من الكويت التى احتلتها فى عام 1990 جراء مواجهة عسكرية قادتها الولايات المتحدة وشاركت فيها مصر فى العملية الحربية الوحيدة للقوات المسلحة المصرية تحت حكم مبارك.
وبدأت المرحلة الثانية، كما يقول مراقبون، بالاستغناء عن محمد عبدالحليم أبوغزالة وزير الدفاع الذى تمت إقالته وتعيينه فى منصب شرفى هو مساعد رئيس الجمهورية فى مطلع التسعينيات بعد ان كانت بعض الاصوات توقعته نائبا لرئيس الجمهورية.
المرحلة ذاتها، حسب نفس المراقبين، انتهت، مع انتهاء التسعينيات، بترشيح عمرو موسى، وزير الخارجية والذى تمناه البعض نائبا لرئيس الجمهورية، أمينا عاما للجامعة العربية.
أما المرحلة الثالثة، كما يقول أبوطالب، فهى بدأت مع أحداث الحادى عشر من سبتمبر وتستمر حتى الآن ويميزها عودة سياقات الانقسامات العربية ومحاولة النظام المصرى تحقيق موازنة بين مطالب الاصلاح الداخلية وضغوطه الخارجية التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.
وفى هذه اللعبة السياسية كان مبارك مواجها بخصومات من شخصيات بعينها من بينها أيمن نور رئيس حزب الغد المثير للجدل والاتفاق والاختلاف ومنها سعد الدين إبراهيم الذى كان مقربا من نظام الرئيس مبارك ثم أصبح ناقدا له ومتهما له بمحاولة تطبيق سيناريو التوريث وإقامة نطام يجمع بين الجمهورية والملكية والذى عاد فوقع وثيقة داعمة لترشح جمال مبارك رئيسا للجمهورية.
وفى الحالتين وقفت واشنطن مدافعة عن الرجلين دون أن تكون رافضة لجمال مبارك أو متخلية عن مبارك الأب الذى لا يتوقف المسئولون الأمريكيون فى تصريحاتهم عن وصفه بالصديق الكبير والمهم لواشنطن والذى يقول عنه دبلوماسيون أمريكيون ان سياساته «المعتدلة» بالغة الأهمية لتحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط كما تراه واشنطن.
التوريث والطوارئ
المرحلة الثالثة أيضا شهدت إطلاق جمال مبارك كنجم سياسى لامع فى الحياة السياسية المصرية ينظر إليه فى العديد من القطاعات السياسية فى مصر والخارج على أنه «وريث الحكم الجارى إعداده للصعود لسدة الحكم فى مصر».
الرئيس مبارك فى بداية اشتغال جمال بالعمل السياسى العام قال إن نجله يساعده فيما يتعلق بالحزب وهو فى ذلك شأنه شأن نجلة احد الرؤساء الفرنسيين الذين عاصرهم مبارك حاكما أو نجلة أحد نواب الرؤساء الأمريكيين الذين مروا خلال حكم مبارك لمصر أيضا.
وفى كل الأحوال رفض مبارك فى البداية كل الأسئلة التى تتحدث عن وصول جمال مبارك للحكم ثم عاد وأسلف أنه غير معنى بالأمر ولم يسأل جمال بشأنه، بل إنه قال لمجموعة المثقفين الذين التقاهم شهر سبتمبر الماضى إن جمال لم يفاتحه فى هذا الشأن، حسبما نقل بعض من شارك فى الاجتماع.
الموقف المعلن للرئيس مبارك هو أن اختيار الرئيس القادم أمر يقرره الشعب المصرى عبر صناديق الانتخابات بعد التعديلات الدستورية التى حلت فى 2005 والتى سمحت بإجراء انتخابات رئاسية تعددية لأول مرة فى مصر خاضها مبارك نفسه فى 2005 وهى التعديلات ذاتها التى يقول المعارضون إنها تمت ب«المقاس» على جمال مبارك لتسمح له بالترشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة إذا ما أقر مبارك ذلك.
فى كتابه عن «مصر والمصريون» تحت حكم مبارك» يضع أمين صعود جمال مبارك فيما يرى فى إطار ما يصفه بتحول مصر إلى الدولة الرخوة فى عهد الرئيس مبارك وهو فى ذلك لا يفرق كثيرا بين وضعية جمال التى يصر على انها تتنافى مع وجود رئيس للدولة وبين حكومة أحمد نظيف (المكلفة منذ يوليو 2004 والباقية على حالها باستثناء تعديلات محدودة ومتباعدة) التى يرى أنها تفرط فى صياغة القوانين ولا تهتم كثيرا بتطبيقها خاصة إذا ما تعلق الامر بحقوق الفقراء أو واجبات الأثرياء. فالدولة الرخوة،
التى لا ينكر أمين أنها بدأت تحل بالوطن مع هزيمة يونيو 1967، هى تلك التى لا تهتم كثيرا بفرض الالتزامات بإشارات وحارات المرور فى حين تجنح إلى إيقاف المرور بالكامل لتسيير عبور مواكب كبار المسئولين، ذلك إلى جانب مشاكل كبرى مثل فضيحة توظيف الأموال التى فقد الكثير من المصريين مدخراتهم بسببها وانهيار مستوى التعليم وانتشار ظواهر اجتماعية مرعبة مثل التحرش وتجارة الأعضاء الناجمة عن انتشار الفقر كما يقول إنه الحال بالنسبة لمصر اليوم بعد قرابة ثلاثة عقود من حكم مبارك.
ويرى أمين فى استمرار العمل بقانون الطوارئ وهو القانون الذى وعد مبارك بإنهاء العمل به فى برنامجه الانتخابى قبل الانتخابات التعددية لعام 2005 دليلا من دلائل الدولة الرخوة حيث إن وجود هذا القانون الحاسم بل والباطش كما يرى البعض لم يعن وجود حالة شديدة من الانضباط ومكافحة الفساد ولم يستخدم إلا لأسباب أمنية.
«الرئيس فى الأول كان مترددا من حالة البلد، وفى ناس نصحوه بأن يكون قانون الطوارئ لمدة أشهر تسمح بمحاكمة قتلة السادات والبعض نصح بأيام تكفى لاجراء الانتخابات الرئاسية... هو اختار أن يكون الأمر لمدة عام»، يقول المسئول السابق برئاسة الجمهورية.
ولا يعلم أحد ما الذى سيصير إليه المستقبل السياسى لجمال أو ما الذى سيحل بقانون الطوارئ والولاية الخامسة لمبارك تدخل عامها الأخير فى أكتوبر من هذا العام. هل سيتم انهاء العمل بقانون الطوارئ قبل الانتخابات الرئاسية فى أكتوبر من العام القادم وما إذا كان جمال سيكون مرشح الرئاسة عن الحزب الحاكم فى هذه الانتخابات القادمة.
وبحسب أصوات فى المعارضة المستقلة والحزبية والإخوانية فإن الاجراءات التى اتخذتها الدولة مؤخرا سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة فيما يتعلق بإغلاق بعض القنوات الفضائية وفرض شروط جديدة لعمل البعض الآخر وفى ضوء القرارات البادية إدارية والتى علقت المشاركة الواسعة للصحفى المعارض إبراهيم عيسى وللاعلامى المستقل عمرو أديب لا تبشر بإجراءات من نوع تعليق قانون الطوارئ أو السماح بانتقادات واسعة لما قد يكون هناك من خطط «لتوريث» مؤطر قانونيا بالمادة 76 للحكم سواء كان ذلك لجمال مبارك الذى يستثمر الكثير من الوقت والجهد فى العمل العام أو لآخر من اختيار مبارك نفسه الذى يقول البعض إن ثقته الكبرى تبقى دوما فى موضعها الأمين والمستحق باتفاق وطنى عريض: القوات المسلحة المصرية، والتى خرج منها رجال للخدمة المدنية فى قطاعات تخضع للاهتمام والاشراف المباشر من الرئيس.
مبارك الرجل
لا يتوقف بعض ممن عرفوا أو زاملوا الرئيس مبارك فى فترات مختلفة من تاريخه العسكرى أو فى الحكم المدنى والذى بدأه فى منتصف القرن الماضى عن القول إن مبارك ليس بالرجل الذى «يورث بلدا لابنه». يقر هؤلاء، كما آخرون، بوجود «مجموعة ضغط معظمها من رجال الأعمال تعمل لوصول جمال مبارك للحكم». ويقول هؤلاء إن عملية صياغة للرأى فى صالح جمال تتم فى الداخل والخارج، خاصة فى واشنطن، دون توقف.
«الحكاية مش بس مجموعات الضغط الحكاية اساسا فى الريس هو مش هيعمل توريث... مش هو... الراجل اللى أنا عرفته هيفضل يخدم البلد دى لآخر يوم فعلا لآخر يوم»، يقول الرجل الذى زامل مبارك فى القوات المسلحة يوما. «طول عمره كان رجل جد ومنضبط... عمره ما يفوت (مناوبة) ولا يدور على واسطة.. هو صحيح بيحب ولاده جدا، وده من قبل ما يكون رئيس، بصحيح بيحبهم وهم نقطة ضعفه الوحيدة بس برده مش هو الرجل اللى يورث بلد».
والحديث عن الخصال الكريمة لمبارك الرجل ليست مقتصرة على من خدم معه فى القوات المسلحة أو عمل معه فى سنوات حكمه الأولى. صحفيون التقوا الرئيس أو قاموا بتغطية ناشطة لسنوات طويلة يقولون فيه الكثير من المدح الانسانى ويشيرون باتفاق إلى صفات التواضع والتلقائية وصادق الود الذى يدفع بالرئيس لأن يهاتف بعضهم فى حالات المرض مطمئنا أو يجاذب أحدهم الحديث مترفقا.
«مرة كنا فى جنيف (لتغطية زيارة خارجية للرئيس) وكنا فى انتظاره فى بهو الفندق وهو متجه لعشاء لنحصل على بعض التصريحات وبعد التصريحات نظر إلينا وسألنا إذا كنا اتعشينا ولا لأ وسألنا إذا كان بدل السفر اللى بناخده من الجرايد كفاية ولا لأ... وبعدين سألنا هنعمل إيه لما يروح العشاء وحذرنا (ضاحكا) إننا نشترى حاجات كتيرة علشان الاسعار فى جنيف غالية»، قال صحفى كان يغطى نشاط مبارك لسنوات.
مثل هذه الذكريات يشيع روايته فى أوساط ما يعرف باسم محررى الرئاسة وغيرها أيضا يردده دبلوماسيون رافقوا الرئيس فى مهمات عمل للخارج ورجال حراسات بل وبعض من يقومون على تقديم الطعام على المائدة الرئاسية.
«مرة سمعته بيقول إن الناس دى لازم تاكل من الأكل اللى بتقدمه» قال أحدهم، فى إشارة لواقعة فى سنوات الحكم الأولى لمبارك أجرى خلالها لقاءات عديدة وحاول فى وسطها التنزه فوجد عددا كبيرا من الحراس يؤدون مهمتهم الرسمية فى حراسة رئيس الجمهورية.
وبين معارضيه الذين لا يترددون فى استخدام اقسى الكلمات لوصفه وبين من عرفوه ويحبونه يبدو حسنى مبارك دوما للمتابعين رجلا لديه نمط معين فى الحياة ونمط فى الحكم يتفقان بشدة مع صفاته الشخصية وسياق نشأته وسنوات خدمته العسكرية وصولا إلى رئيس جمهورية مصر العربية والقائد الأعلى لقواتها المسلحة وبالطبع زعيم الحزب الحاكم بها.
بين الضجيج و الصمت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.